مع استمرار سيطرة مسلحى تنظيم دولة الشام والعراق "داعش" على المدن العراقية، بسقوط الموصل وتكريت وبعض مدن الشمال، ونية الزحف نحو بغداد تتجه الأنظار نحو التنظيم الذى قلب موازين الحرب فى سوريا، وأثيرت الشكوك حول أهدافه والقوى التى تدعمه ماليا وعسكريا.. اللافت أن توجه داعش نحو العراق لم يكن أمرا غير معلوم للقوى الدولية وللحكومة العراقية، بدءا من اسم التنظيم إلى توسعة عملياته على الأراضى السورية إلى الحدود العراقية التى كان أبرزها سيطرة داعش على مدينة البوكمال السورية المحاذية للحدود العراقية بعد اشتباكات عنيفة مع جبهة النصرة وعدد من الكتائب الإسلامية المتحالفة معها، وهو ما أظهر نية التنظيم للسيطرة على المعبر الحدودى مع العراق، الذى يربط البوكمال بمحافظة الأنبار المعقل الأساسى لداعش.
وارتبطت هذه المعارك بعمليات أخرى فى المناطق السنية بالفلوجة والغرب العراقى، بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، بل وصل الأمر أن أغلق المسلحون التابعون للتنظيم جميع بوابات سد الفلوجة على نهر الفرات لمدة أربعة أيام، ما أدى إلى انخفاض منسوب مياه النهر فى وسط وجنوب العراق، قبل أن يفتحوا جزءا منها بعد تحذيرات من حدوث فيضانات تطال مناطق تحصنهم !!
ولماذا لا تكون العراق هى هدف داعش الرئيسى وهى أرض الميلاد لتنظيمهم، الذى ولد من رحم جماعة التوحيد والجهاد بقيادة أبو مصعب الزرقاوى عام 2004، وبعد مقتل الزرقاوى تم انتخاب أبو حمزة المهاجر زعيما للتنظيم، ثم تشكل تنظيم "دولة العراق الإسلامية" بقيادة أبو عمر البغدادى فى نهاية عام 2006. وبعد مقتل المهاجر وأبو عمر تسلم أبو بكر البغدادى زعامة التنظيم عام 2010.
وفى غمار الحرب الأهلية فى سوريا أعلنت "دولة العراق الإسلامية" أن "جبهة النصرة" وهى أحد الجماعات المسلحة المتورطة فى الحرب تعد امتداد لها وأنهما اندمجتا تحت مسمى "الدولة الإسلامية فى العراق والشام".
وبعد فترة من العمل المشترك سرعان ما انقلبت الجبهة على داعش ومعها عددا من التنظيمات المعارضة للأسد، حيث اتهمت النصرة "داعش" بمحاولة الانفراد بالسيطرة والتشدد فى تطبيق الشريعة الإسلامية وتنفيذ إعدامات عشوائية، ووصل الخلاف ذروته بعد اعتراض داعش على دعوة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى لهم بالتركيز على العراق وترك سوريا ل"جبهة النصرة".
ولم يكن هذا الاتهام هو الوحيد لداعش فمعارضو الأسد رأوا بأنه صنيعة النظام، وأن هناك علاقة خفية تجمعهما أظهرتها سير العمليات العسكرية والأهداف والمكاسب المشتركة، فهما لم يتواجها عسكريا إلا مرات معدودة، بينما تفرغت داعش لمحاربة التنظيمات الأخرى، مما أسهم بشكل كبير فى ترجيح كفة الأسد ونجاحه فى استعادة المدن التى سيطرت عليها المعارضة.
الذى يرجح هذه الاتهامات حول علاقة داعش بنظام الأسد تخلى الأخير عن مدينة الرقة بمنتهى السهولة، وهو ما مهد الطريق نحو ما يجرى الآن فى العراق، كما راجت أيضا الشبهات حول داعش بعد انفصال عناصر وقيادات من جبهة النصرة وانضمامهم له وكان أغلبهم فى سجون الأسد قبل أن يطلق سراحهم بعفو عام فى 2011، وكذلك فإن أحد أهم قادة التنظيم أبو محمد الجولانى أطلق الأسد سراحه عام 2008 !!
وفى نفس الأثناء حدثت أكبر عملية هروب جماعية من أكثر السجون العراقية تحصيناً، فر خلالها أبرز قادة القاعدة، ما يلقى بالشكوك نفسها حول كيفية هروب أو تهريب هؤلاء !!
ولاشك أن ممارسات داعش فى سوريا جعلت بشار الأسد يكسب تأييدا دوليا ما أو على الأقل تم تحجيم دعم قوات المعارضة المحاربة له.
وعن مصادر تمويل التنظيم الذى يعلن دولة الخلافة الاسلامية هدفا له، فمن المؤكد أنها تتجاوز ما هو معلن من بعض دول الخليج وأثريائه، وهذا التمويل يبدو أنه لا يقتصر على الدعم المالى بل أيضا هناك دعم بشرى ولوجيستى من جهات عديدة، تتجه التخمينات فيها إلى بعض قيادات الجيش العراقى السابق فى عهد صدام حسين، فالتنظيم كما هو معروف لا يملك أكثر من 15 ألف مقاتل غالبيتهم فى سوريا، بحسب ما قال زعيمها أبو بكر البغدادى، أو 3 آلاف مقاتل بحسب تقديرات وكالات الاستخبارات الغربية، وبالطبع لا يمكن تحقيق مثل هذه الانتصارات بهذا العدد من الأفراد، وما يدلل على ذلك اقتحام قوات داعش لمدينة الموصل ثانى أكبر المدن العراقية، وفرض سيطرتهم عليها فى غضون ساعات بدون مقاومة، بعد أن انسحبت قوات الأمن العراقية بنفس السيناريو الذى جرى حين دخلت القوات الأمريكيةالعراق عام 2003.