سلاح الببغاوات يعمل كثيراً هذه الأيام. المجتمع يقظ، ولا يفوِّت فرصة يعود منها إلي الوجود، وهذا ما يجعل السلطة تستدعي سلاح ببغاواتها في الكبيرة والصغيرة، في الدفاع عن موقف الرئيس من الحصار علي غزة، وحتي الدفاع عن مؤسسة التعذيب. الأستاذ محمد علي إبراهيم- نجم لامع في هذا السلاح- حجز موقعا منفردا، وقام بعمليات انتحارية، ربط حوله حزام شتائم ناسف، وهدد كل من يقترب من النظام والحكومة، وأثبت كفاءات نادرة تنتمي إلي عصور ما قبل الصحافة والإنسانية الحديثة. إلا أنه ومن فرط استخدام الحزام الناسف، ومن ثقل المنافسة علي المواقع المميزة في السلاح، لم يعد قادراً علي تمييز المعارك ولا طريقة دخولها، وكتب تعليقا علي حالة الفزع من قتل خالد سعيد، مقالاً لابد أن يُدرَّس في أقسام تهتم بآخر منتجات الاستبداد الشرقي. المقال يحمل عنوان: «.. وقفة احتجاجية من أجل حشاش»، وهو قطعة نادرة من أدب التعذيب، لأنه يكشف عن خلفية تري أن من حق الشرطة قتل الحشاشين.. هكذا بدون قانون ولا محاكم ولا قواعد اتفقت عليها الدول الحديثة في عقاب الخارجين عن القانون. مَنْ قال إن الحشاش يقتل؟ وبالطبع مَنْ قال إن «خالد» حشاش؟ هذه عقلية تفكر بمبدأ «قلم الحكومة خير»، وهو مبدأ يقوم علي أنه إذا صفعك ضابط أو أمين شرطة فهذا أفضل من اقتيادك إلي القسم وتعرضك للعقاب. هذه العقلية تبرر القتل خارج القانون.. وتفلسف التعذيب، بدءا من الدفاع عن حق الشخص العادي في الحماية من السلطة المنفوخة. مَنْ قال إن خالد سعيد حشاش؟ الإجابة: بيان الداخلية. ومَنْ صاحب الرواية الكاذبة عن قتله؟ الإجابة: الداخلية. الربط المنطقي يقول إن المصلحة واحدة، الداخلية قدمت رواية، صاغها عقل قديم لم يستوعب بعد أن هناك وسائل حديثة يصعب السيطرة عليها ويمكنها أن تنشر روايات حقيقية. العقل القديم لم يستوعب متغيرات جعلت الصحافة الشعبية علي الإنترنت، أقوي وأسرع وأكثر ميلا للحقيقة، من روايات تعتمد علي السيناريو الجاهز للتلفيق وتبرير القتل. هذه مستجدات خلخلت قدرات السلطة علي احتكار الحقيقة، وهذا مايزعج سلاح الببغاوات باعتبارهم وسطاء السلطة، وحاملي الروايات الكاذبة نفسها. نشر الصورتين حرض مشاعر العداء لمؤسسة التعذيب، الفارق بينهما، رواية واحدة عن اعتداء وحشي علي الملامح الرقيقة، بكل ما تمتلكه مؤسسة التعذيب من أدوات التشويه والقسوة، والعنف الخالي من العقل والرحمة. هذا الكشف صعب علي فهم من تربي علي سماع التعليمات، وينتظر التليفونات، ويدبج روايات كاذبة، بدون إبداع ولا موهبة، ولا حنكة خبراء قدامي، مهما كانت تبعيتهم للسلطة، فلهم حدود في التبرير والكذب. لكن هذا نظام يختار أسلحته، وكُتَّابه يشبهونه، وهذا ليس مجال اهتمامي هنا، اهتمامي هنا بثقافة تقبل العقاب الوحشي، خارج القانون، للخارجين علي القانون. هذه الثقافة يعتمد عليها كُتَّاب السلطة في ترويجهم لمؤسسة التعذيب، ومادام القتل مبرراً لأن المقتول حشاش، فالتعذيب للمتهمين حفلة خيرية، يلعب الضباط فيها أدوار المرشدين الأخلاقيين، والمجتمع يتفرج ويشعر بالسعادة. هذه ثقافة رفضتها الإنسانية حين انتقل العقاب في القرن الثامن عشر من الانتقام إلي الإصلاح والتهذيب، وألغيت مسارح العقاب العلنية التي كانت موجودة في القرون الوسطي. نحن لا نرجع إلي الخلف فقط، نحن نسقط في حفرة سوداء، لا صوت فيها سوي صوت الغربان، أقصد الببغاوات.