ليست الأزمة الراهنة بين القضاة والمحامين مجرد واحدة من الأزمات التي تتلاحق وتتسارع وتيرتها في مصر في الآونة الأخيرة، وليست مجرد دليل إضافي علي عمق الاحتقان في المجتمع والشعور العام بالغبن بين كل الطوائف والفئات، خطورة أزمة رجال العدالة تنبع من كونها تضرب هذه المرة حصنًا عريقا من حصون الدولة المصرية سواء بشقها المدني الحديث أو بالاحترام التاريخي الذي يكنه المصريون لرجال القضاء والعدالة، كما أنها وجهت ضربة أخري إلي الثقة التي يكنها المصري للمحامي الذي ينتزع له حقه الغائب فإذا بالمحامي نفسه يبدو ضحية، انقسم أرباب المحاكم وانحاز طرف إلي طرف واستجار الجميع يطلبون حماية طرف ثالث هو السلطة التنفيذية ما يعني ضربة جديدة لآمال استقلال القضاء والنقابات في آن واحد، وككل أزمة كبيرة يتضح أن وراءها آلاف التراكمات الصغيرة والأسباب التي تركها المعنيون تكبر وتستفحل حتي ليصعب علاجها، والباحث في أسباب الأزمة الحالية يجد أن الصدام الأخير ليس إلا السطح، فخلفه تقبع أزمات كل فئة علي حدة، أزمات البطالة والواسطة والمشكلات الإدارية المعهودة، كما أن الوضع الاستثنائي لجميع تطبيقات القوانين المصرية يمنع القانون الطبيعي من أن يتخذ مجراه، ويشيع إحساسا لدي جميع الأطراف أن تدخل قوي أخري - من أعلي - يمكن له أن يبرئ هذا أو يدين ذاك، فليس القانون إذن هو المعيار أو المحك الأساسي، هنا ملف عن طرفي الأزمة الدائرة الآن.. القضاة والمحامون.