عادة ما يتوجه المرشح ببرنامج للناخبين، يقدم نفسه من خلاله، ويستعرض رؤيته للواقع القائم، يركز على المشكلات ويطرح رؤيته للحلول، وعادة أيضًا ما يوزع المرشح برنامجه على شرائح المجتمع المختلفة، ويخصص مساحة معتبرة للفئات الأكثر معاناة وتضررًا فى محاولة لاستقطابها. وعند النظر إلى مرشحى الانتخابات الرئاسية المصرية نجد أن المرشح الأول المشير عبد الفتاح السيسى قد انطلق من واقع أنه يحظى بمكانة متفوقة لدى المصريين، وتعامل مع الانتخابات على أنها شبه محسومة، لذلك لم يدقق فى تشكيل حملة انتخابية تتسم بالحرفية والانضباط، بل إن تهافت قطاعات كبيرة من النخبة المصرية، قديمها وجديدها على الالتحاق بالحملة سبب حالة من الإرباك، فقد كثرت أعداد من ذُكر أنهم أعضاء فى الحملة أو مستشارون بها، كما فرضت أعداد أخرى نفسها على الحملة دون أن يختارها أحد.
اعتمد المشير كما قلنا على حقيقة أنه يحظى بتأييد غالبية المصريين نتيجة قيادته لثورة الثلاثين من يونيو، لذلك لم يهتم كثيرًا بتقديم برنامج متكامل، واكتفى بالحوارات الإعلامية التى تهافتت وسائل الإعلام الخاصة والعامة على إجرائها معه.
ومن خلال تحليل ما ورد على لسانه بصفة إجمالية نستطيع أن نقول إنه منح مهمة الحفاظ على الشريحة الكبيرة المؤيدة له الأولوية على ما عداها من اعتبارات، حرص على توجيه خطابه للمرأة المصرية، وخصها بمساحة كبيرة من أحاديثه التليفزيونية، وحرص أيضًا على مخاطبة الفئات الأكثر فقرًا فى المجتمع مستخدمًا تعبيرًا يراه أكثر آدمية وهو «العوز».
حرص المشير السيسى أيضًا على تخصيص مساحة من الوقت والخطاب للقبائل العربية والطرق الصوفية. أيضًا كان المشير حريصًا على استخدام لغة دينية ومصطلحات تؤكد أنه متدين، وفى الوقت نفسه خصص مساحة من الخطاب للأقباط، مؤكدًا مبادئ المواطنة والمساواة.
كان واضحًا أن المشير لم يخصص مساحة كافية من خطابه للفئات المؤيدة للمرشح المنافس، فلم يوجه رسالة إلى اليسار المصرى الذى لم يؤيده (حزب التحالف الشعبى، الدستور والحزب الاشتراكى) بل عندما قرر الاجتماع بالأحزاب السياسية، اكتفى بالأحزاب المؤيدة له، والتى منحته دعمها.
فى المقابل لم يتبنَّ حمدين صباحى خطابًا متماسكًا، فقد أعلن أنه مرشح الثورة وانتخابه يعنى تحقيق أهداف الثورة، حرص على مخاطبة اليسار الذى دعمه، ولم يهتم كثيرًا بفئة مؤيدى منافسه ولا الأصوات العائمة التى لم تحدد موقفها بعد. ركز فى الفترة الأولى من الحملة الانتخابية على مهاجمة خصمه بطرق مباشرة وغير مباشرة، قال إن انتخابه يعنى استمرار نظام مبارك، وشدد على أنه فى حال فوزه سوف يقدمه للمحاكمة، وعاد لينفى هذه الأقوال. قال إنه واثق من الفوز بالمنصب وإذا لم يحدث ذلك فسوف تندلع ثورة ثالثة فى البلاد، ثم قام بتعديل هذه الأقوال مرة أخرى محاولًا التخفيف من وقْعها عبر القول بأنه قصد أن عودة سياسات نظام مبارك سوف تؤدى إلى اندلاع ثورة جديدة فى البلاد.
دعا صباحى وأنصاره منافسه إلى مناظرة، وطالبوه بتقديم برنامج واضح ومحدد، وشنوا حملة شديدة عليه عندما سحب برنامجه الأولى متجاوزًا قضية البرنامج.
وفى ما يخص دعاية حمدين صباحى، فقد بدا واضحا أنه أغرق فى الكليات والوعود البراقة من قبيل: لن يكون هناك سجين رأى فى عهدى، لن يضطهد أى مواطن، وفى الوقت الذى بالغ فيه المشير السيسى فى الالتزام بقدر كبير من الصرامة والحدة فى الحديث، حرص حمدين صباحى على تقديم نفسه للمصريين البسطاء باعتباره واحدًا منهم. الملاحظة الأخيرة: يبدو من الصعب التمييز بين برنامجى المرشحين فى المجال الاقتصادى والاجتماعى فقد تبنى كل منهما خطابًا أقرب إلى يسار الوسط، وبنكهة دينية، الأمر الذى يؤكد أن الانتخابات ستدور حول الشخصين لا برامجهما، وهو ما فطنت إليه حملة المشير، لذلك آثرت عدم تقديم برنامج انتخابى، مؤكدة أن المشير لا يحتاج إلى تقديم برنامج انتخابى، فالشعب قد عرفه واختبره.