بدأ مركز «كارتر» استعداداته لمتابعة الانتخابات الرئاسية فى مصر، وهى مهمة اعتاد المركز على القيام بها فى قارات العالم المختلفة. وعادة ما يؤدّى المركز مهمته بهدوء وضمن مراكز وبعثات دولية مختلفة، وعادة ما يعمل مركز كارتر على نحو يتوافق مع توجهات السياسة الأمريكية، فإذا كانت علاقات النظام المعنى جيّدة مع الإدارة الأمريكية عادة ما يصدر مركز كارتر شهادة بحُسن سير العملية الانتخابية ويترفَّع عما قد يشوب هذه العملية من تجاوزات، أما إذا لم تكن العلاقات جيدة، أو كانت واشنطن تتخذ موقفًا عدائيًّا من هذا النظام أو ترغب فى الضغط عليه، فإن المركز يقدِّم للإدارة مبررات الضغط أو أدوات تشويه هذه العملية. جاء كارتر شخصيًّا -والذى كان رئيسًا للولايات المتحدة فى الفترة من 1977-1980- على رأس فريق ضخم من مركزه لمتابعة الانتخابات البرلمانية السابقة فى مصر، والتى جرت عام 2011، وهى الانتخابات التى كانت متّخمة بالمخالفات والتجاوزات، وشهدت استخدامًا مكثَّفًا لدور العبادة، كما جرى استخدام الشعارات الدينية، ووقعت انتهاكات شديدة للعملية الانتخابية، ومنح كارتر ومركزه شهادة صلاحية وحسن سير للعملية الانتخابية التى انتهت بفوز تيار الإسلام السياسى بقرابة ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان. جاء كارتر ومركزه مرة ثانية لمتابعة الانتخابات الرئاسية الماضية، وذهب الرجل شخصيًّا إلى مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، عقد لقاءات مكثّفة مع المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، وجرت محادثات مكثَّفة لم يكشف عن محتواها، وكانت الملاحظة الرئيسية هى نقل رسائل من الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى الجماعة على نحو أشار مبكّرًا إلى دعم الإدارة الأمريكية للجماعة ومرشّحها فى الانتخابات الرئاسية الدكتور محمد مرسى. ومرة ثانية منح كارتر ومركزه شهادة صلاحية وحُسن سير للانتخابات الرئاسية، وهى الانتخابات التى تأكد أنها شهدت انتهاكات صارخة وتجاوزات أثَّرت بشكل كبير على النتائج، فقد تكشّفت حقائق حول بطاقات المطابع الأميرية، ومنع قرى قبطية كاملة من التصويت بقوة السلاح. ولأن الإدارة الأمريكية كانت ترغب فى فوز مرشح الجماعة، ولأن الانتخابات أسفرت عن ذلك، منح مركز كارتر شهادة صلاحية للانتخابات وأشاد بها.
اليوم، ولأن الانتخابات لا تسير وفق هوى الإدارة الأمريكية بعد أن أطاح الشعب المصرى بالجماعة، حليفة واشنطن، فقد جاء كارتر وفريقه بتكليفات مختلفة مؤداها التنقيب وراء كل ما يمكن أن يؤدِّى إلى التشكيك فى العملية برمتها، وإذا لم يجد ذلك عليه إثارة الشكوك بل والمشكلات حول قضايا لا علاقة لها بالعملية الانتخابية وهو ما حاول مركز كارتر إثارته قبيل بدء الانتخابات الرئاسية ومن قبيل ذلك الدراسة التى أعدَّها مركز كارتر حول الحياة السياسية فى مصر، والتى أوصت بضرورة تعديل قانون التظاهر ودمج جماعة الإخوان، بل والمطالبة بتعديل بعض مواد الدستور المصرى الذى أقرّه الشعب بنسبة تجاوزت 98٪! ما علاقة مركز يتابع الانتخابات بمجمل العملية السياسية فى البلاد بل وبدستورها؟وأين كان مركز كارتر فى زمن حكم المرشد والجماعة؟ ولماذا لم يصدر عنه تقرير حول دستور الجماعة الذى جرى تمريره بالسلاح وفرضه على المجتمع؟ أسئلة كثيرة مثارة حول دور كارتر ومركزه، الإجابة عليها تتضح عندما نعرف أن المركز يعمل وفق أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، ووفق هذه الأجندة مطلوب تشويه العملية الانتخابية الجارية فى مصر، ومطلوب مزيد من النقد للعملية السياسية فى مصر، وبالتالى فإن صدور تقارير من قبيل ما صدر عن مركز كارتر، أمر متوقّع وبكثافة فى الفترة القادمة التى تشهد انتخابات رئاسية وبرلمانية تمثِّل نهاية المرحلة الانتقالية وبداية مرحلة الاستقرار.