الخبر والصورة اللذان نشرتهما «الدستور» أمس الأول، كشفا إلي أي مدي ذهبت الحكومة في إبداء أشد الحرص علي المواطن سامي فايز عرابي بالذات، فرغم أنها هي التي أطلقت النار عليه عندما ضبطته يوم انتخابات الشوري الأخيرة متلبسا بمحاولة دخول إحدي لجان الاقتراع بمدينة دمنهور لكي يدلي بصوته، فإن الست مباحث الحكومة والأخت نيابتها العمومية قامتا بالتحفظ علي سامي ووضعه في الحفظ والصون مقيدًا ب «كلابش» حديدي علي السرير الذي يرقد عليه بمستشفي دمنهور التعليمي، بينما هو ينتظر إجراء عملية جراحية خطيرة لاستخراج «رصاصة الرحمة» الحلوة من عظام فخذه التي تفتت. الخبر والصورة هذان أثارا بلا داعي ولا سبب معقول جفولاً وامتعاضًا واستهجانًا واسع النطاق، إذ اعتبر كثيرون الأمر جريمة مركبة ومقززة وتشي بنوع نادر من الإمعان في القسوة والوحشية، فبعد أن ضُرب الرجل بالنار دون ذنب ولا جريرة سوي أنه صدق دعوة الرئيس حسني مبارك ل «المشاركة بفاعلية في العملية السياسية»، التي تبين أنها عملية حربية ولا تحتاج لناخبين ولا مرشحين وإنما فقط «نشالين» ينشلون الحصانات والمقاعد البرلمانية، لم تشأ الحكومة ترك سامي يكابد آلام جراحه وعظامه المسحوقة بهدوء في المستشفي، لكنها زادت عليها وجع الإهانة وإهدار الكرامة ومعاملته كمجرم عات هارب من وجه العدالة وليس ضحية فعل إجرامي فاحش يحاكي بخيابة وفجاجة أسوأ ارتكابات العدو الصهيوني. بيد أن هذا الكلام كله يبدو فيه قدر لابأس به من الظلم والافتراء علي الحكومة ومباحثها ونيابتها جميعًا، لأن التأمل الهادئ في الحادثة بشقيها (ضرب سامي بالرصاص ثم «كلبشته» في المستشفي) يُظهر فورا لمن ليس في نفسه مرض ولا ضغينة أو حقد علي النظام أن الفعلتين يمكن بسهولة تصويرهما واستباط دوافعها علي نحو مختلف تماما وبما ينفي وجود أي وازع أو نية إجرامية في الموضوع برمته، بل أكثر من ذلك قد يكتشف الأستاذ المتأمل نوازع ونيات عكسية وأن الحكومة كانت ولاتزال غرضها نبيل وشريف فضلا طبعا عن «سامي» نفسه. يعني مثلا، ضرب المواطن سامي هذا بالنار وهو يهم بدخول اللجنة الانتخابية، واضح أنه لم يكن بغرض قتله (بدليل أن الضابط «نشن» علي فخذه ولم يضربه في سويداء القلب)، ولكن الهدف كان فقط «اصطياده» والحصول عليه بأي ثمن باعتباره من فصيلة «الناخبين» التي صارت نادرة جدا هذه الأيام، وهو الآن أضحي بالفعل الدليل الوحيد علي أن ثمة «ناخب» لوث أجواء العملية الانتخابية الكبيرة الصعبة التي أجريت في مصر الأسبوع الماضي. أما تقييد ذلك «الرجل الناخب» في السرير الذي يرقد عليه في المستشفي ب «كلابشات» حديدية قوية ومحكمة، فهو أمر له دواع مفهومة ومشروعة جدا، إذا نظرنا إليه في ضوء ما سبق وفي ضوء أنه «صيد ثمين» لا تتحمل الحكومة هروبه أو ضياعه لاسيما وهي تستعد للمشاركة به في معرض مقتنيات «أزهي عصور الديمقراطية» الدولي بجزيرة «جوانتانامو»!! يشفي الكلاب ويضركم.. آمين يارب.