أود أن أشرح وجهة نظر البعض الذين يطلق عليهم «المستقوون بالخارج»، إذ إنهم يشعرون بجو عدائي لا يسمح لهم بشرح وجهة نظرهم كاملة. يري البعض، أن الفلسطينيين نجحوا في فضح الممارسات الإسرائيلية من خلال شن حملات عالمية، ومن ثم استطاعوا تغيير صورة إسرائيل التي تبتز العالم بالهولوكوست، ويعلم هؤلاء أن مصر قد وقعت علي اتفاقية يختلف الناس حول جدواها، لكن يجمعون علي أنها وضعتنا تحت سيطرة خارجية، ويظنون أن سر تغاضي العالم عن غياب الديمقراطية في مصر، هو أن النظام القائم يضمن الالتزام بالمعاهدة، وبدلاً من لعن من وقّعها، فلنتعامل مع الواقع، ونحاول أن نقنع القوي الخارجية بأن المعارضة ملتزمة بالاتفاقية، وأن البديل ليس الإخوان المسلمين الذين يسببون عقدة نفسية تصل إلي حد الهلاوس لكل من أمريكا وإسرائيل، وأن ما نريده هو أن نتمتع بالديمقراطية، ونرفع من مستوي المواطن. هذه وجهة نظرهم، أي أن معظمهم ليسوا عملاء، ولا جواسيس، ولا معهم حبر سري. بالطبع هناك من يدخل بنية التربح والشهرة. لكن الفساد موجود في كل الاتجاهات. طيب، وجهة نظر قد تبدو منطقية، إلا أنها في حقيقتها حسنة الظن إلي حد السذاجة: أحد أهم شروط أمن إسرائيل - الذي لا تهتم أمريكا إلا به - هو أن تظل إسرائيل «جزيرة الديمقراطية في المنطقة»، ولن تقبل القوي العالمية أن تنمو ديمقراطية في المنطقة تنافسها، لاسيما إن كان الحائط «لزق» في الحائط. أحد عناصر قوة إسرائيل هو تقدمها العلمي، والمستوي المعيشي المرتفع، واللذين تبذل القوي العالمية الغالي والنفيس للنهوض بهما، وممنوع أن يدخل أحد في منافسة مع إسرائيل في هذا المجال. الديمقراطية هي أول مسمار في نعش المعاهدة: آآآآه، تنتخبوا لنا واحد، حتي لو مش إخوان، عايز يخدم الشعب، ويقولنا الغاز والبترول ومصالح شعبي وشعبي جعان... ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟ إسرائيل لا تريد تعاونًا اقتصاديًا، وإنما تريد هيمنة اقتصادية، وهذا مالا يقبله الناخب، والرئيس المنتخب موظف لدي الشعب، طب يعني أنا أرفد واحد بيخدمني عشان أشتري واحد يخدم غيري؟ أما التحجج بالتعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية، فيبلوه ويشربوا ميته، القضية الفلسطينية تتنفس بسلاح المقاومة، ولو نُزع لا قدر الله، فستسمع صوت: توووووووت. وتقرأ الفاتحة. ثم أي انتهاكات لحقوق الإنسان التي يعرضونها علي ما يسمي بالرأي العام العالمي؟ ألا يعلمون أن الدولة «المانحة» هي التي تسلح منتهكي حقوق الإنسان في مصر، تحديدًا، بهدف انتهاك حقوق الإنسان؟ هل لأن أمريكا لا توافق علي الديمقراطية فهي مستحيلة في مصر؟ علي الإطلاق، الإرادة الأمريكية ليست قضاء وقدرًا، أمريكا لم ترد أنظمة وثورات في العالم وحدثت رغمًا عن أنفها. صحيح أن النظام المصري قوي، وذكي، ومسيطر، ومنوفي، ولكن لا يفل المنوفي إلا منوفي يعتمد علي ساعده وناسه، فنصف هذا المجهود لو بذل لكسب المصريين لأتي بنتائج مذهلة وسريعة.. أما التسول الذي يقوم به البعض، فلا يسفر إلا عن طمأنة أمريكا بأن «كل شيء ماشي حسب الخطة الموضوعة».