تطفئ الصدقات غضب الرب، الخطير أن البعض يستخدمها كي يطفئ غضب الشعب أيضاً في أعقاب حادثة كترمايا، تحدث معي صديق سكندري مقترحاً عمل حملة تطالب بوقف محاكمة هشام طلعت مصطفي رداً علي ما فعله اللبنانيون، وبعد حوار طويل واخذ ورد، لم يجد صديقي دفاعاً عن هشام سوي أنه من أكبر دافعي الصدقات بالإسكندرية، وأنه «فاتح بيوت كتير» من ساعتها لم أتوقف عن التفكير في هشام طلعت وعلاقته بالفقراء في هذا البلد، لكن من زاوية أخري. هل تذكرون فقراء الدويقة؟ قبل عامين وبالتزامن مع اكتشاف جثة سوزان تميم مقتولة في دبي واتهام هشام طلعت مصطفي بالتحريض علي قتلها كان الجبل ينهار فوق رؤوس سكان الدويقة ليحصد أرواح 37 منهم غير 48 من الإصابات لم يكن التقارب الزمني هو الرابط الوحيد بين القصتين، ففي حين أن هشام طلعت يعد أكبر مستثمري قطاع الإسكان في مصر، يعد قتلي الدويقة أهم ضحايا قطاع الإسكان في مصر، وفي حين أنه كان علي الدولة أن توفر لهؤلاء المواطنين أربعة جدران آمنة، ولم تفعل كانت في المقابل تمنح هشام طلعت تعاقداً استثنائياً في مشروع مدينتي يقضي بمنحه 33 مليوناً و600 ألف متر مربع مجاناً تتعهد الدولة بتوصيل المرافق حتي حدودها، علي أن يرد هشام طلعت الجميل للدولة بمنحها 7% من الوحدات السكنية مجاناً، أنا أفهم أن تمنح الدولة مستثمراً الأرض مجاناً كي يقيم عليها إسكاناً للفقراء، لكن ما حدث هو العكس، حيث إن هشام طلعت أسس علي الأرض المجانية المشروع الإسكاني الأغلي سعراً في البلاد، حيث كانت تباع أصغر وحدة سكنية بأكثر من مليون جنيه، المحير في الأمر أن الدولة لم تعلن لنا ماذا ستفعل بال 7% نصيبها من الوحدات، الأكيد أنها لن تتبرع بها علي سبيل الدية لأهالي ضحايا حادث الدويقة. إنه موسم الدية يا عزيزي، ففي الأيام الماضية تنازلت أسرة سوزان تميم عن اتهامها لهشام بالتحريض علي قتل ابنتهم، نشر ببعض الصحف أن الأسرة تقبلت دية القتيلة التي قدرها البعض ب 150 مليون دولار، والله أعلم، وللمفارقة أيضاً أن الأسبوع نفسه شهد السطور الأخيرة من قضية ضحايا الدويقة، حيث أدانت المحكمة نائب محافظ القاهرة، وبعض صغار الموظفين بالتسبب في الكارثة وحكمت عليهم بالسجن خمس سنوات، هل تقع مسئولية كارثة الدويقة علي عاتق صغار الفاسدين فقط؟ أين كانت الدولة؟ وأين كان المستثمرون في أرض الحكومة؟ وعلي عاتق من تقع دية هؤلاء؟ نعود لصدقات هشام طلعت مصطفي طعام الفقير وبيت العاجز وملاذ المحتاج، القضية أخطر من مجرد نهب مقدرات البلد وقتل الناس بحوادث لم تكن لتحدث لولا الفقر والإفقار، القضية أنه يتم استبدال المواطنة بمفهوم الإحسان ويتم التغاضي عن كون المواطن هو دافع ضرائب ليتحول إلي متلقي صدقات، أرجو ملاحظة أنه لا ينتظر من متلقي الصدقات أن يشعر بالمواطنة أو أن يطالب بحقوق سياسية، فضلاً عن أن يمارسها، وفي هذا السياق يتم التجاوز عن أن المحسن الكريم يستخدم صندوق صدقاته لأسباب انتخابية فيصل لمقعد البرلمان ويستخدم مقعد البرلمان بعدها للحصول علي التعاقدات الاستثنائية ثم يستخدم عوائد تعاقداته الاستثنائية لتمويل نزواته العاطفية ودوافعه الانتقامية، ثم للهروب من مآلات أفعاله بالدية أو الصدقة، أو سمها ما شئت «أهو مال سايب وخلاص»، هل تعلم كم بلغت كلفة عملية «غرام وانتقام» هشام طلعت لسوزان تميم في أقل التقديرات 200 مليون دولار، ما بين كلفة طلاقها من زوجها السابق، وما بين كلفة قتلها وما سحبته من أموال حسابات الرجل قبل الفراق، أضف كلفة الدية والمحامين..إلخ.. إلخ.. الأخطر في القصة أنه «غرام وانتقام.. علي نفقة الدولة» انطفأ غضب الشعب حقاً لكن هل انطفأ غضب الرب؟! لا أظن.