عندما قامت ثورة يناير 2011 كنت وجيلي نظن أن الحكام وحدهم هم المسئولون عن غياب مبدأ سيادة القانون ، و لكن ما جرى بعد ثورة يناير علمنا أن الشعوب في كثير من الأحيان تكون هي المسئولة عن غياب هذا المبدأ ، وخير دليل على ذلك قول النبي الكريم : " يا أيها الناس ! إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ، لقطعت يدها " ، إذ اللافت هنا هو حرص القائد على تطبيق القانون على الجميع ، ومقاومة الرعية - التي أرادت أن تشفع للمرأة المخزومية في حد السرقة – لمبدأ سيادة القانون . و الآن و بعد مرور 1000 يوم على ثورة يناير يرى مؤيدو الإخوان أن حرائرهم كالمرأة المخزومية في مكانة تعفيها من إنزال العقوبة عليها جراء جريمتها ، و يرفض شباب الثورة تطبيق القانون علي أحد منهم ، و يرون أنفسهم فوق الدولة و القانون ، و أنصار تيار اليمين الديني يرون أنهم ظل الإله على الأرض ، و أن الدولة حين تعارضهم فإنما تعارض الدين ، و يصدقهم في ذلك خلق كثير بفضل إعلام الفتنة القطري المدعوم أمريكيا ، و الذي يروج للمطالبة بمحاكمة قيادات الدولة التي تصدت لمحاولات الإعتداء على المنشآت الأمنية والعسكرية .
قامت ثورة يناير للمطالبة بسيادة القانون ، ثم رفض الثوار الخضوع للقانون ، و طالبوا بإعدام قيادات المؤسسات الأمنية دون محاكمات ، على اتهامات لم تثبت بالأدلة ، و أهانوا القضاة لأنهم طبقوا صحيح القانون في قضايا قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة .
لقد طبقت دولة النبي القانون على الجميع ، و لم تستثن أحدا من العقوبة على جريمة ارتكبها ، و لم تعاقب دولة النبي قائدا ميدانيا واحدا ارتكب تجاوزات ضد معارضي الدولة ، فلماذا لم تقم ثورة على دولة النبي مطالبة بعزل القيادات المتورطة في ارتكاب أعمال قمع وقتل ؟
لم تقم ثورة لأن إعلام دولة النبي كان يدرك حجم المؤامرات التي تحاك ضد الدولة ، ولذلك لن تجد بيتا شعريا واحدا لشاعر مسلم في دولة النبي ، يهاجم خالد بن الوليد الذي أعمل السيف في بني جذيمة ، الذين لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا: " صبأنا صبأنا " ، فجعل خالد يقتل فيهم ويأسر ودفع إلى كل رجل من أصحابه أسيرا ، وأمر كل رجل من أصحابه أن يقتل أسيره ، فرفضوا قتل الأسرى ، و ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال " : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " ، قالها مرتين ، ثم لم يعاقب النبي خالدا و لم يعزله و لم يحاكمه و لم يسحب منه لقب سيف الله المسلول .
أين كان إعلام دولة النبي المدافع عن حقوق الإنسان حين قتل أسامة بن زيد رجلا يقول لا إله إلا الله ؟ فقال النبي لأسامة : " أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله " ، فقال أسامة " : يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذا " ، أي مستعيذا من القتل بكلمة التوحيد ، وما كان مخلصا في إسلامه ، فقال النبي : " فهلا شققت عن قلبه " ؟ ، ثم لم يعاقب النبي أسامة و لم يعزله و لم يحاكمه ، بل لقد كافأه وولاه قيادة آخر جيش قبل وفاته عليه الصلاة و أتم التسليم .
لقد عفا النبي عن تجاوزات القادة الميدانيين ، لأنه يعلم أن المواجهات على الأرض يحدث بها تجاوزات غير مقصودة ، نتيجة لحالة التوتر و الإنفعال و الإحتقان التي تنتاب القائد حين يدافع عن أمن الوطن و حياة المواطنين .
أما إعلام أصحاب القلوب الرحيمة من مؤيدي الإنفلات الثوري ، الذين يؤلمهم أوامر ضبط وإحضار عناصر الجماعة الإرهابية ، فهم سبب هذه الفوضى التي نعيشها ، لأنهم يرون أخطاء الشرطة والجيش بميكروسكوب معظم ، ولا يرون جرائم الإخوان و مدعي الثورة ، أو يرونها و يدافعون عن حقهم في ممارسة العنف ، و حقهم في الترويج الإعلامي لأفكارهم المتطرفة ، و يهاجمون كل من يدعم أجهزة الأمن في مواجهة الإرهاب ، و يعتبرونه عميلا للأجهزة الأمنية .
المدافعون عن أمن الدولة ووحدتها ، من الكتاب و المثقفين و الإعلاميين في مواجهة جماعة الاخوان الارهابية ، و أنصارها من مراهقي الثورة ، ليسوا منتفعين ولا مطبلاتية ، و لكنهم أبناء مخلصون لمدرسة الإعلام في عهد النبي ، يدركون حجم المؤامرة التي تحاك لهذا الوطن ، ويعلمون أن من يضع يده في الماء ليس كمن يضعها في النار .
تحية للشرطة في عيدها ، و تحية لشهداء الشرطة في ثورة يناير ، تحية لكل مجند مات و هو يدافع عن هذا البلد في مواجهة الفوضى الهدامة ، التي اشعلها إعلام جاهل تحركه كراهية النظام دون وعي بعاقبة الغضب المنفلت و الكراهية العمياء ، وتحية لإعلام دولة النبي الذي لم يتصيد أخطاء القادة ، وحمى دولته من الإنقسام والتفتت .