الغلابة في مصر محرومون من كل شيء.. فقد سلطت الحكومات عليهم الجوع والفقر والمرض.. والموت في العشش أو تحت الأنقاض.. حسب الأحوال ولا يتبقي إلا أن تسلط عليهم طلقات الفتاوي.. فتقتلهم بالفتوي أيضاً.. ذلك أن جريدة الأهرام المصرية قد نشرت في عددها الصادر في يوم 5/24 تلك الفتوي الطويلة التي احتلت نصف صفحة تقريباً وعنوانها «الإسراف في استخدام المياه محرم شرعاً.. ولو كان في الوضوء».. وبالتالي فقد أصبح الإسراف في الوضوء هو الذي سبب مشكلة نقص مياه النيل التي ستهدد الشعب المصري.. وذلك باعتبار أن إثيوبيا قد اكتشفت أن المصريين يغسلون أيديهم عند الوضوء أربع مرات وليس ثلاثًا.. وأن القمر الصناعي قد اكتشف أن الحاج «توفيق» قد أعاد الوضوء دون مبرر.. لهذا فقد اجتمع العلماء في هذا التحقيق الصحفي علي أن الإسلام قد نهي عن الإسراف في استخدام المياه في الوضوء وطالبوا الأسطي «عبده المكوجي» بأن يتوقف عن رش الماء أمام دكانه وبالذات في الأيام الحارة.. وإذا كانت هذه هي المشكلة فإنه كما يقول أولاد البلد. «تاهت.. ولقيناها».. فإذا ما قمنا بمحاكمة الست سنية التي تركت الميه «ترخ.. ترخ.. من الحنفية».. ثم نحاكم عم عبده المكوجي الذي يرش الماء أمام دكانه.. وأخيراً يتم القبض علي الحاج توفيق بجريمة الإسراف في الوضوء.. فإن مشاكلنا مع إثيوبيا سوف تحل ولن يتم توقيع المعاهدة التي تجاهلت فيها أفريقيا دولة مصر الكبيرة.. يا عالم كفاية تهريج.. ويكفينا ما تم طوال عشرات السنين من تسطيح المشاكل والضحك علي الشعوب.. لقد حرمنا الفقراء في مصر من كل شيء.. والآن نريد أن نحرمهم من الجنة.. فنجعل منهم السبب في أزمة المياه.. ويخصص الإعلام الصفحات في الحديث عن الإسراف في الوضوء.. ولكنه لا يتحدث أبداً عن السادة الحكام وأذنابهم الذين اقتطعوا مئات الآلاف من الأفدنة.. ليقيموا عليها ملاعب الجولف الخاصة بهم.. وكذلك آلاف الأفدنة التي تم اختطافها في المدينة إياها لتتحول إلي قصور يسكنها السادة الحكام وكلها تروي من النيل مباشرة بمواسير ممدودة عن طريق ترعة الحلوة.. فقد استولي السادة الأكابر علي هذه الأراضي وتلك القصور مع أن مشروع إنشاء هذه المدينة كان في الأصل لتوزيعها علي الفلاحين الفقراء بهدف استصلاح الأراضي في بقعة قريبة من القاهرة.. وبهدف سد جوع الشعب.. وإمداده بالخضراوات والسلع الغذائية... فأصبح النيل في خدمة القصور التي يرويها الكبراء علي حساب صاحب المحل.. الذي هو «الشعب».. كما أننا لم نسمع فتوي.. بتأثيم ذلك الرجل الكبير وصاحب المركز العالي الذي قام بزراعة مئات الأفدنة.. «بزهرة الياسمين».. وذلك لتصديرها إلي أوروبا مباشرة.. حتي تعود إلي مصر في صورة «زجاجات البرفان»؛ لأنه من الواضح لدي الحكام أن الشعب المصري الذي يعيش تحت خط الفقر يعاني من أزمة «بارفان».. يا ناس حرام عليكم. لقد قمتم بتوزيع الآثام علي الفقراء.. ونسيتم أن حكام مصر هم أشد إثماً.. بل هم الإثم بعينه.. حينما أساءوا بقلة علمهم وجعلوا من السيول التي تهطل علي مصر كارثة.. تدمر البيوت وتشرد الأطفال.. بدلاً من أن يستغلوها ويستفيدوا منها أو أن يتركوا مكانهم لمن هم أكثر علماً.. ألستم معي يا سادة بأن الحكام الذين يسكتون علي إهدار ماء النيل علي آلاف الأفدنة من الملاعب.. والذين يتركون الفساد ليحرمنا حتي من الماء بعد أن وصلت مساحة الملعب الواحد إلي أكثر من خمسين فداناً تروي جميعها بماء النيل، ألستم معي في أنهم هم الأولي بهذه الفتاوي.. ومن هنا.. فإن تسطيح المشاكل إلي حد ترديد هذا الكلام الساذج لم يعد في مقدورنا أن ندعه يمر علي عقولنا.. فنحن نرفض أن يكون عم عبده المكوجي هو كبش الفداء الدائم.. فإذا ما سقط بيت عم عبده علي دماغة فمات هو وأولاده تحت الأنقاض.. قامت الحكومة بتوجيه اللوم لعم عبده الذي لم يخرج من البيت لينام في الشارع هو وزوجته وأولاده.. أما إذا مات عم عبده بفيروس الكبد فإن الحكومة تلومه لأنه لا يعطي ظهره للترعة، وخليها في سرك محدش حاسس بالفقير في مصر ولا حتي أصحاب الفتاوي في جريدة الأهرام وعلي رأي الست دي أمي «كل هم في البلد.. ييجي علي ظهر الفقير وينسند»، وبهذه المناسبة يروي أن ابنة واحد من أصحاب الملايين وملاعب الجولف طلب منها المدرس في المدرسة أن تكتب موضوعاً في حصة الإنشاء عن أسرة فقيرة فكتبت تقول: «كانت هناك أسرة فقيرة لديها سائق فقير وجنايني فقير ويطبخ لهم الطعام طباخ فقير وتخدمهم خادمة فقيرة». وعجبي