تم إبعاد ميرفت محسن رئيس قناة النيل الدولية عن منصبها بسبب بث فيلم «إنجازات الرئيس»، كما عوقب عدد من المخرجين بالخصم وبعضهم بالإيقاف، وحتى الآن كما أشارت الصحف لم يتم التأكد هل هناك تعمد أم لا، أغلب الظن سنكتشف أن الفاعل الأصلى هو حسن النية، الذى هو دائمًا الطريق للجحيم. كان وزير الإعلام السابق صلاح عبد المقصود يعد هذا الشريط بمشاركة قطاع الأخبار، لكى يعرضه فى ذكرى مرور عام على حكم مرسى ورصعه كعادة أى مسؤول فى كل العهود بإنجازات الرئيس، رئيسة قطاع الأخبار الحالية صفاء حجازى أكدت أنها بمجرد توليها المنصب تحفظت على الشريط فى درج مكتبها، فكيف تم الإفراج عنه؟ ربما ستقول فى هذه الحالة إنه تسرب بفعل فاعل، لكنى أؤكد لكم بحكم معرفتى بهذا المبنى -ثلاثة عقود من الزمان- أن آفة حارة ماسبيرو هى الإهمال. هم بطبعهم -أتحدث عن أكثر من 90% من العاملين- تابعون للسلطة القائمة، ولا تفرق معهم دينية أم عسكرية أم مدنية «اللى يتجوز أمى أقوله يا عمى».
ربما يتذكر البعض خروج بعض المذيعين على الهواء بعد ثورة 25 يناير وإعلان موقف معارض للتوجه الرسمى، حدث ذلك بالفعل فى أثناء حكم المجلس العسكرى ثم حكم الإخوان، لأن السلطة لم تكن فى حقيقة الأمر تملك كل مفاتيح السلطة، الأمر لم يعد كذلك بعد 30 يونيو.
أتذكر جيدًا عندما خرج آلاف من سكان ماسبيرو فى 2005 خلف أنس الفقى متوجهين إلى مقر الحزب الوطنى على بعد خطوات قليلة من المبنى لإعلان تأييدهم مبارك فى المدة الخامسة، وكانوا على استعداد فى نوفمبر 2011 لتأييد السادسة أو مبايعة جمال لوراثة الحكم على حسب مزاج السلطة. لم ينتفض أغلب هؤلاء إلا فقط قبل ثورة يناير بعامين عندما أرادوا زيادة فى الحوافز فتظاهروا أمام البوابة الرئيسية، واستطاع أنس الفقى أن يحتويهم، هذا منحه برنامجًا، وتلك سمح لها بالظهور على الهواء، وزّع الغنائم على الرموز الثورية، فتحول الغضب العارم إلى تأييد مطلق. أتابع الأخطاء غير المقصودة قبل وبعد 25 يناير التى يقع فيها العاملون فى ماسبيرو، مثلًا كثيرًا ما قدمت إذاعة الأغانى بعد 25 يناير أغنيات تمتدح مبارك فى حفلات أو تترك صوت المذيع، وهو يعلق عن الرئيس القائد العظيم الذى حضر الحفل هو وزوجته، وكانت تحوطه قلوب الناس وبالروح بالدم نفديك يا مبارك، فلا أحد يراجع الشريط قبل بثه. إنهم موظفون كانوا سيعرضون فيلم إنجازات مرسى، لأنهم ينفذون تعليمات السلطة، وهم أنفسهم طبقًا للتعليمات الجديدة لن يعرضوه، مبدأهم الدائم «اربط الحمار ماطرح ما يقول صاحبه». الكثير من الطموحات ارتبط عند تعيين دكتورة درية شرف الدين وزيرة للإعلام على اعتبار أنها أدرى بشعاب ماسبيرو، وتستطيع الإنجاز، لكن ما حدث على أرض الواقع هو أننا لم نرَ شيئًا ملموسًا، طاقة كل مسؤول تتبدد أساسًا فى توفير أجور العاملين، حتى تضمن إخماد أى ثورة غضب، ولا يتبقى لدى القيادات فى حقيقة الأمر ما يستطيعون تقديمه للشاشة، فى المبنى ما يزيد على 46 ألف موظف ما بين فنى وإدارى لا يحتاج العمل إلا إلى 10% والباقى بالضرورة يتحول إلى قوة طاردة سلبية، وبدلا من إضاءة الشاشة تعمل على إظلامها، ماسبيرو زادت معاناته بعد ثورتى 25 و30، وتضاءلت الإعلانات التى كانت تُشكل رافدًا هامًا للدخل، كان كل النجوم والمخرجين والمنتجين يسعون لعرض مسلسلاتهم على شاشته فى رمضان، الآن أصبحت الشاشة مقبرة لأى عمل فنى. البرنامج الوحيد الذى بدأ التليفزيون فى الإعداد له «على اسم مصر» رشح لتقديمه ريهام السهلى والمحامى خالد أبو بكر، واعترضوا على خالد، لأنه من خارج ماسبيرو، رغم أن قناتى «الأوربت» و«الحياة» وغيرهما كثيرًا ما استعانت به فى تقديم البرامج، ورغم ذلك فلا أتصور أن هذا البرنامج ولا غيره قادر على أن يفعل شيئا. نعم عرض برنامج «إنجازات مرسى» فى هذا التوقيت جريمة شنعاء، لكننا نريد أن نعرف من الذى ارتكب الجريمة الأكبر وأنجز فيلم الإنجازات.