إذا كان الظلم والعشوائية والعنف سيستمر لن نجنى غير اليأس والمزيد من تأخير الثورة . كنتُ خارج مصر حين تم القبض على عدد من النشطاء منهم صديقان أعتز بهما شخصيا ، أحدهما منذ أيام مبارك والثانى بعد ثورة يناير منذ فتحت ملف الفساد الإدارى والمالى فى مكتبة الإسكندرية بجريدة البديل وقت رئاسة الزميل خالد البلشى لها . فُجعت بخبر اعتقال أحمد دومه وخبر القبض على عمر حاذق الذى صدر ضده حكم بالسجن هو وأصدقاء له يوم الخميس 2 يناير 2014 وهذا بعد استشعار القاضى فى قضية عمر " الحرج " وإحالة القضية إلى دائرة أخرى . لن أتعرض لكل الناشطين رغم أن كلامى هنا بشأن تكرار حبس نفس الناشطين تقريبا منذ عصر مبارك مروراً بعهد المجلس العسكرى ثم فترة حكم محمد مرسى ( علاء عبد الفتاح كمثال ) والآن . أعرف دومه منذ أيام خطوبته لزوجته نورهان حفظى حين كنت أحضر له أمسيات شعرية أستمع لشعره هو وصديقه الشاعر أحمد سلامه فى مركز هشام مبارك أو نقابة الصحفيين أو لنشر شعرهما التحريضى فى حب مصر أيام مبارك فى دورية " أدب ونقد " الثقافية الشهرية قبل ثورة 25 يناير 2011 بشهور قليلة. أكتب مع بداية العام الجديد بعدما بدأ دومه ومن قُبِض عليهم مثل محمد عادل وأحمد ماهر – كل الثلاثة – إضراباً عن الطعام يوم 25 ديسمبر لتحسين ظروفهم فى السجن.
تم إلقاء القبض على عمر حاذق لمشاركته فى وقفة احتجاجية أثناء جلسة محاكمة قتلة خالد سعيد أمام محكمة المنشية البحرية يوم 2 ديسمبر 2013 ومعه لؤى قهوجى وإسلام حسنين ( الأخير قالت عنه شقيقة عمر أنه كان فى طريقه ليؤدى امتحان له ) وماهينور المصرى وحسن مصطفى وناصر أبو الحمد. أثناء الاعتقال حدث عنف من جانب الشرطة كما روى لى أصحابه أما شقيقته التى شاركت معه بالوقفة ولم يتم القبض عليها فيُنسب إليها فى كلام منشور بالصحف المستقلة أن عمر ذهب ليسأل ضابط الشرطة عن زميله لؤى قهوجى عقب تدخل الأخير محاولا منع الضابط من ضرب الطبيب طاهر مختار ( الأمين العام للنقابة الفرعية لأطباء الإسكندرية حين أمسك قهوجى بيد الضابط ) فلما سأل عمر الضابط : " حتعمل فيه إيه ؟ هو حيروح فين ؟ " أجابه الضابط " طب تعالى معاه " ملقياً القبض عليه . حكى أصدقاء عمر أنه كان قد تم التجديد له 4 أيام ثم تم تجديد الحبس لاحقاً يوم 25 ديسمبر وأنه قد تمت " كلبشة " النشطاء وترحيلهم فى عربة ترحيلات كمجرمين خطرين يحيطهم العساكر ثم انتقلت النيابة إلى مديرية الأمن التى كانت مقر احتجازهم ، للتحقيق معهم ( بعد تسويف فى مدد الحبس من وكلاء النيابة لضمان أطول فترة حبس بلغت الشهر ) .علمت من أصحابه أنه كان فى سجن الحضرة حيث الزيارة ممنوعة إلا على أقارب الدرجة الأولى وتكون مرة كل أسبوع أو 10 أيام وبإذن من النيابة، بل أكد أصدقاء عمر أنه تمت كلبشته ومن معه من النشطاء من الدور الأرضى إلى الدور الأول ليمثلوا أمام وكيل النيابة( قضية رقم 15125 لسنة 2013 جنح المنشية والمقيدة برقم 841 لسنة 2013 ) حتى صدر الحكم يوم الخميس 2 يناير 2014 بالحبس عامين وغرامة 50 ألف جنيه . المفارقة المسخرة أن من يتظاهرون بعد ثورة يناير بثلاث سنوات ضد قتلة خالد سعيد ( لأن الحكم لم يكن مرضياً لأهل الشهيد ولا للمجتمع ) هم من تم سجنهم. بالمقارنة مع إصدار أحكام قاسية متشددة فى فترة لا تتجاوز الشهر من اعتقال المتهم الناشط ، تمتلئ السجون المصرية بقتلة من العناصرالسياسية وحتى المجرمين الجنائيين تتم تخفيف الأحكام عليهم أو التسويف لسنوات فى إصدار الأحكام – ربما لأسباب سياسية ؟. لم نعرف مثلا ماذا حدث لسفاحى مذبحة قسم شرطة كرداسة والكلام المتناثر بالصحف يظل معلقاً بشأن شخصية أو أكثر من المشاركين أوالمشاركات فى التمثيل والتعذيب الذى نال الضحايا والشهداء . أنا نفسى رغم كونى صحفية ، لا أعرف هل تم تنفيذ حكم الإعدام الصادر فى محمود حسن رمضان وعبد الله الأحمدى السفاحيْن المسئوليْن عن إلقاء المراهقين المعارضين لمرسى من فوق خزان عمارة بمنطقة سيدى جابر والإجهاز عليهما بالسكاكين والسيوف بعدها فى الفيديو المروع الذى أصاب مصر كلها بالأرق لأسابيع ، وليس الأمس ببعيد حين تم تدخل شيوخ وأئمة بفتاواهم مثل الشيخ الغزالى لصالح من قام باغتيال د. فرج فوده لكى ينجو من الإعدام.
ولنا أن ننتظر الأسوأ الأحد المقبل الذى يوافق 5 يناير الجارى حيث جلسة النطق بالحكم فى القضية رقم 3303 لسنة 2013 جنايات الدقى والمعروفة إعلامياً ب " حرق مقر أحمد شفيق "والمتهم فيها عدد من الناشطين السياسيين وأبرزهم علاء عبد الفتاح ومنى سيف والمتهم معهم أيضاً بهاء عبد العظيم البسطويسى ، سلطان فارس محمود عبد الحليم ، يحي وحيد على صالح ، أحمد عبد الله أبو العلا عبد الله ( هارب )، أحمد إبراهيم أحمد القاضى ( هارب ) ، محمد محمد المصرى ( هارب ) ، إيهاب مصطفى حسن عمار ( هارب ) ، أميرة أشرف سيد الشحات ( هاربة ) ، صبرية أحمد عبد الله ( هاربة ) ، أحمد سلطان أبو المجد ( هارب ) وهذا رغم أن أحمد شفيق تنازل عن بلاغه المقدم ضد المتهمين. وقد دفع محامو الدفاع ببطلان وشيوع الاتهام وتلفيقيته وكيديته وبطلان تحريات المباحث وتناقض أقوال شهود الإثبات .
وحدهم الناشطون المسالمون المدنيون تتم معاملتهم بعنف وإصدار أقسى الأحكام عليهم . هذه القسوة والتطرف فى سرعة معاقبتهم هدفها سياسى بلا شك . إنهم " الأمثولة " التى تسعى الشرطة إلى ترهيب الإخوان بها ولعل السلطات تعتقد أنها ستوقف مسيرات الجماعة الإرهابية بعد هذه الأحكام أو لعلها تأمل فى هذا لكن الحقيقة أن هذا لن يحدث لأن المجاميع فى مسيرات الإخوان هى التى تجعل الشرطة مرتبكة غير قادرة على تنفيذ القانون على الجميع بنفس الدرجة وفى نفس التوقيت. هذا وحده يعنى غياب العدل . ولننظر للوراء قليلا إلى بطء إجراءات المحاكمات فى قضايا الفساد والمسئولية عن سقوط شهداء وأوامر تخص إطلاق رصاص الخرطوش والمطاطى أو الحى على المتظاهرين فى ثورة يناير. ثمة قضايا لم تصدر فيها أحكام بعد ضد قيادات وزارية لرئيس قامت ضده ثورة شعبية عارمة (مبارك)، وتكرر الأمر مع المنظومة القضائية فى فترة حكم المجلس العسكرى حيث خسرت الناشطة سميرة إبراهيم قضيتها وهى الوحيدة التى تجاسرت تقريباً على المضى فى مقاضاة الطبيب والمؤسسة العسكرية فى القضية المعرفة بكشوف العذرية، ثم فى فترة حكم محمد مرسى الذى لم يكتفِ بتكريم ومنح أوسمة لبعض قيادات المجلس العسكرى بل أخرج بعض القتلة العقائديين من السجون لمجرد أنه ينتمى لنفس المعسكر العقائدى الذى يشكل خلفيتهم وبالتحديد قاتل فرج فوده وغيره.
ربما أكون ضد قانون التظاهر الحالى وأشاطر محمد عبد العزيز القيادى بحركة " تمرد " وعضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور رأيه أنه يمكن أن نتظاهر ضد القانون بعد صدور الدستور، كما أنى ضد التظاهر بدون تصريح فى ظل الظروف الحالية التى نمر بها فى مصر وهو لم يكن موقفى من قبل حيث اعتنقت مبدأ أن حق التظاهر انتزعه الشعب لنفسه بعد ثورة سقط فيها شهداء – أى أن كلفته كانت الدم – ولا يمكن الاعتداء على ذلك الدم مرتين ، مرة بإراقته وسفكه لمنع التظاهر ومرة ثانية بحبس متظاهرين يحتجون على " قيود " تنظم أو تعيق ممارسة ذلك الحق.
بلغ الأمر فى الراهن المصرى الآن بممارسات الإخوان والجماعات الجهادية فى سيناء إلى حد ما وصفه صديق يسارى لى وقت حكم محمد مرسى ب " فَرْولَة الدولة " من محاولات للإجهاز على هيبة المؤسسة العسكرية والتردى الأمنى وحرق منشآت حكومية وجامعات وسيارات للشرطة ولأكاديميين وترويع للمواطنين فى مناوأة مقصودة لصورة " القادر على احتكار واستخدام السلاح " بين الإرهابيين من جهة والجيش والشرطة من جهة أخرى . هذا ما غيّر موقفى وشعورى حتى أنى وجدت نفسى غير متعاطفة كثيراً مع أصدقاء أحبهم وأعرفهم شخصياً من زملاء المهنة وقد سبق أن وقفنا معاً لسنوات على سلم نقابة الصحفيين أيام مبارك ثم بعده وقت حكم المجلس العسكرى ثم قام بعض هؤلاء الأصدقاء بالتظاهر مع أعداد كبيرة من الناشطين الذين أحبهم وأحمل احتراما كبيرا لتضحياتهم ( مثال أحمد حرارة ) ومع الاشتراكيين الثوريين احتجاجا على قانون التظاهر فى شارع طلعت حرب وذلك أثناء وجودى مؤخراً بالخارج.
كان الموقف الأعمق له علاقة برعبى من تفتت الدولة ككيان وقلق متزايد على مصير بلد أردت له دوماً أن ينجو من أى تهديد بحرب أهلية أو تقسيم واحتراب داخلى . كنا قد بلغنا نقطة بالغة السوء والتشابك دفعتنا إليها قوى داخلية وأخرى خارجية لكى نظل نهدم ونحارب بعضنا بعضاً بدلا من الانتباه لعدو حقيقى واقف على الأبواب والتركيز على بناء المجتمع الذى قامت ثورة يناير لتحقيقه. بعد ثلاثة أعوام على ثورة 25 يناير كنا أكثر انقساماً وكراهية لبعضنا كمصريين ولم نبدأ بعد ولا يريد الفصيل الذى أخرجه الشعب من الحكم أن يترك الشعب أو المسئولين يبدأون فى إنجاز أى مشروع قومى أو وضع أية خطة خمسية أو عشرية للبناء وتحقيق أهداف الثورة بل بدا أن هناك من المخاطر – ليس على سبيل الترويع الإعلامى بل من الواقع السياسى المحيط فى العالم العربى – ما قد يدفعنا إلى سياسات وإجراءات تُغلّب وحدة الوطن على ما عداه ، ليس لأن الأحداث والعنف الذى توعدنا به الفصيل المدفوع خارج السلطة صار واقعا فحسب – وإنما لأن المواطن صار يشعر منذ ما قبل تنفيذ التهديد بالعنف والسيارات المفخخة وحوادث سيناء الخ .. منذ إرهاصات العنف وبشائره أيام حكم الرئيس المخلوع محمد مرسى، أن الحزن والعنف والترهيب والتدخل فى حياته والقسوة عليه وشظف العيش وتراجع الحريات قد ازداد ، فلماذا إذن يقوم الناس بالثورات إن لم يكن لينعموا بالعدل وبالحرية ويتخلصوا من الفساد ويجنوا ثمار هذا فى سعادتهم كما أظهرت دراسة مسحية Surveyأجرتها الأممالمتحدة على 156 دولة وتوصلت إلى كون مواطنى الدانمارك هم الأكثر سعادة فى العالم على مدار العامين الماضيين ، تلك السعادة – كما أفادت قناة " يورو نيوز " - التى قال عديد من المواطنين الدانماركيين أن من أعظم اسبابها عنصر الثقة ليس فقط داخل العائلات أو بين المواطن وحكومته بل بين الغرباء فى الشارع وبعضهم البعض ، ومن أسبابها الأمان الذى يكفله نظام الضمانات الاجتماعية ومستوى الخدمة الصحية والتعليم وانعدام الفساد الحكومى والمؤسساتى .
رأى المصريون الذين نضجوا سياسياً- بأسرع من كثير من ناشطيهم والمدافعين عن حقوقهم – ما ارتكبه المجلس العسكرى وقت حكمه ثم رأوا نظام الإخوان وخطط التمكين السريعة الإيقاع كأن نظام مبارك هو من يحكم مع زيادة التعاسة والطغيان المُقنّع بقناع دينى، وهو ما يمكن ترجمته إلى شعور بندم لا يُستهان به عند قطاعات متزايدة السخط من الشعب صارت تتحدث عن " أيام مبارك " فى نبرة مقارنة لصالحه أثناء حكم مرسى بل ومنذ حكم المجلس العسكرى . وقت حكم الأخير كنا نسمي سدنة نظام مبارك " فلولاً " فإذا بالشعب كله وأنا وأمى معه ننتفض فى حركة " تمرد " للخلاص من حكم لا نريده ( رغم فوز مرسى كأول رئيس مدنى منتخب بعد ثورة يناير ) مؤكدين ومُذكرين أن الحكم بيد الشعب ولا شرعية خارج ما يريده الشعب، هو الأصل ومصدر السلطات والشرعية. وصار الأمر عند المثقفين لا يختلف كثيراً( باستثناء الاشتراكيين الثوريين مثلا ) إذ لاحت بوادر نوستالجيا لدولة ربما تنحرف ثانية وتصبح أمنية بوليسية ولو لمرحلة ،لكن ذلك أفضل من أن لا تكون هناك دولة على الإطلاق !
بهذه الصراحة مع النفس ارتأيت تشريح ما يشعر به كثيرون وكثيرات جدا ليسوا كلهم من المثقفين. ومن هذا المنطلق ورغم نزولى فى ثورة 25 يناير وأيضاً ضد حكم وممارسات المجلس العسكرى وضد ترشيح الفريق أحمد شفيق لنفسه ، رأيت أن واقعنا وظروفنا المتغيرة فرضت نفسها على الجميع فكيف لا يخضع الناشط المثقف لرؤية الجماهير واحتياجاتها بل لاحتجاجها على احتجاجه الممهور باسمها ؟!. حين تكون مصر فى خطر حقيقى لا إعلامى ، بل فى خطرين ،أحدهما فى الداخل والثانى فى الخارج ، وحين نكون تجاوزنا الملل من مقارنات مع الواقع السورى أو السيناريو الجزائرى أو الاحتمال العراقى أو الليبى وبقيت التهديدات والتفجيرات وبدأت الاغتيالات فمن الجنون الحديث عن حق مطلق فى التظاهر بدون تصريح خاصة وأن هذا الحق له قوانين تكفله وتنظم إذن الحصول عليه بإخطار مسبق فى كل العالم لكى تتواجد الشرطة كطرف " يحمى " المواطن، ومن عدم النضج السياسى تحدى قانون التظاهر لو كان أصدقاء لى اتصلوا لدعوتى للتظاهر وشعرت بالحرج منهم مثلاً ..
تبدو كلماتى قاسية ستحمل لى تهماً كثيرة يعلم الله براءتى منها . لكن لماذا نتحرج من قول كل ما فى أنفسنا ونقف عند الحافة فقط ؟ هل هى لعنة " مظهر المثقف " الذى يجب أن يكون مع الحرية فى المطلق وحسب ؟ . ربما . لكن الحرية نفسها تقتضى عدم إدانة منطقى هذا وتحمل سماعه و قراءته .
الزميل عبد الله السناوى فى برنامج " آخر كلام " مع الإعلامى يسرى فوده منذ حوالى أسبوع لم يتردد فى التعبير عن ما يبدو ك " تبرير " لكثير مما " تبدو " السلطة أو الحكومة كمن اضطرت إليه ، بالتحديد قانون التظاهر حيث قال بالنص " إن سلوك الإخوان هو أكبر كارثة على الحريات العامة المكتسبة بثورة يناير " موضحاً أنه حين يُدمِر الإخوان ويَقتلون فى مسيراتهم فهذا يستدعى قانون التظاهر وحين يبدأ طلابهم فى التدمير وحرق المبانى داخل الحرم الجامعى وتعطيل الدراسة بالإكراه وضربهم للأساتذة فهذا كأنما يستدعى عودة الحرس الجامعى .
هناك مظلومون إذن فى سجون مصر يًعاملون كما لو كانوا بلطجية أو مجرمين . لكن نلاحظ شيئاً غريباً وهو شراسة الأمن فى التعامل مع الناشطين المدنيين مقارنة بما لا أعرف تسميته فى مواجهة ما صارت الدولة أخيراً تسميه باسم ممارسات جماعة الإخوان المسلمين المحظورة من " إرهاب ". القانون لا يفرق بين متظاهر سلمى يؤمن بالدولة المدنية وقد كسر قانون التظاهر فلم يحصل على تصريح وبين متظاهر آخر يريد هدم الدولة ويتظاهر دون تصريح ، ولو كان الثانى يحمل السلاح أو يحرق المنشآت ،إلا لو نجح القانون فى إثبات الجريمة الثانية .
هكذا يصبح عمر حاذق أخطر من عاصم عبد الماجد القاتل الهارب إلى قطر !!!!
لكن لو تعرضت حياة أى من الناشطين السياسيين لدينا للخطر نتيجة لإضرابهم عن الطعام وهو ما أعلنه أحمد دومه وأحمد ماهر ومحمد عادل سيواجه النظام لدينا مشكلات إن على الصعيد الداخلى أو الرأى العام الخارجى أوقن أنه فى غنى عنها خاصة فى التوقيت الحرج لشهر يناير الجارى بما يمثله من ذكرى ثورة 25 يناير 2011 وتزامن يوم اندلاع الثورة مع دعوات مختلفة لحركات سياسية بما فيها المحظورة للنزول وها هى حركة 6 أبريل تعلن أنها ستشارك بجانب الإخوان المسلمين فى تظاهرات 25 يناير للرد على ماوصفوه ب " حكم العسكر " ( بحسب الشاعر والكاتب سمير درويش ) ولا يمكن تجاهل الربط بين الرد على الأحكام القاسية الغريبة والسريعة على النشطاء والاستغلال الإعلامى لها من عناصر الإخوان( تصريحات ابنة الشاطر بشأن حبس أحمد دومه وهى من لم تتكلم عن حبسه فى عهد مرسى ) والمتعاطفين معهم ( مساندة جريدة الشعب بملف عن قضية عمر حاذق ) واستثمارها على مواقع التواصل الاجتماعى فى سياق توسيع الدعوة لمقاطعة الاستفتاء على وثيقة الدستور فى 14 و15 يناير الجارى أيضاً لإحراج النظام وإظهاره كمن يسجن ليس فقط الإخوان وإنما المعارضين من شتى الاتجاهات والانتماءات .
عمر الذى عرفته والذى حصل على الجائزة الأولى فى الشعر بمهرجان الحب والعدالة والسلام بإيطاليا ، عمر الشاعر عضو اتحاد الكتاب مثل أحمد دومه ، عمر الذى شارك فى 30 يونيو ( مثل دومه فى معارضتهما لحكم الإخوان ) ،الذى قضت محكمة الجنح الاقتصادية ببراءته من تهمتى السب والقذف فى القضية التى رفعها ضده د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية والذى انتقد الفساد المالى والإدارى بالمكتبة – بالمستندات والوثائق – فى مقالات بصحف مستقلة ..عمر هذا لا يمكن أن يكون مذنباً بأى من التهم العديدة التى وجهتها له النيابة وتحاول الشرطة إلصاقها به ما عدا تهمة التظاهر بدون تصريح . فلا هو ممن يعتدون بالأيدى أو باللفظ على ضباط أو مدنيين ولا هو بلطجى ليقوم بتدمير وإتلاف ممتلكات عامة وتكدير الأمن العام لمدنيين وأما قطع الطريق فهو أبسط وأقل ما تقوم به مسيرات الإخوان الاحتجاجية كل جمعة بدون أن تقدر الشرطة على إيقافهم ولا تقبض عادة إلا على نفر قليل منهم . إذن القضية ليست قضية " قطع طريق " بل قضية " أعداد المتظاهرين " وسلميتهم . لهذا قلتهم القليلة فى وقفة خالد سعيد أمام محكمة المنشية هى السبب الأوحد لتمكن الشرطة من القبض عليهم يوم 2 ديسمبر 2013 .
أما أحمد دومه الذى اعتقل 18 مرة فى عهد مبارك والمجلس العسكرى فهو من أسرة عتيدة الولاء للإخوان وكان عضوا بالجماعة ثم تركها وهو ما رآه الأب الإخوانى عقوقاً ينسحب على علاقة البنوة . هو الشاب الذى وقف بما يملك من صوت وقدرة على تحمل الحبس رغم جسده الضعيف فى وجه نظام مبارك العاتى وسافر إلى غزة لدعم المقاومة الفلسطينية وشارك فيها عام 2009 كما أصيب ربما أكثر من 7 مرات ، هو من قطعوا له وجهه محدثين به إصابة غائرة ب " كاتر " أو " مطواة أثناء المظاهرات ضد مرسى، هو من كان مع ميرفت موسى التى صفعها إخوانى أوقعها أرضاً وهما يرسمان الجرافيتى وشعارات مناهضة لدولة الإرشاد والهتاف ضد جماعة الإخوان أمام مقرهم بالمقطم ، هو من كتب عن وجود 27 حالة اغتصاب لرجال داخل سجن الجبل الأحمر على يد الشرطة أيام مرسى ، هو من كتب فى نهاية مقالة له بعنوان " شكراً قطر " بتاريخ 27 أبريل 2013 ، أن تلك الدويلة " لن تنجح بأموالها لا فى القضاء على المقاومة ولا الثورة ، ولن تقدر كذلك على شراء حضارة لا تملكها ولا دور لا تقدر عليه " ( يقصد مقارنة بمصر ) ، هو من كانت تتخاطفه الفضائيات المستقلة وحتى الإعلام الرسمى بجرائده الحكومية ومنها جريدتى الجمهورية لعمل تحقيق معه وحظى بمعاملة النجم الثورى ذى الشعبية بعد الثورة ، هو نفس أحمد دومه الذى كان يرسل لبعض من يعرفهم ومنهم أنا رسائل موبايل تطلب التبرع بأى إسهام لتأسيس حزب ثورى وكان كل همى قبل المساهمة بمبلغ متواضع التأكد منه أن الحزب لن يكون له اتجاه دينى ، هو نفس دومه الذى أعلن مع نفر من الناشطين وبضعة ألوف من المواطنين فى الأيام الثمانية عشر أثناء اعتصام الشعب بميدان التحرير أى قبل تنحى مبارك أنه عقد العزم على الزحف مع أصحابه وما يقرب من 4 آلاف مواطن على بيت مبارك طالما تتواصل خطب الأخير بلا نية للتنحى . أصدق إيمانه بما يفعله وصدقه وتضحيته بالسهل والمريح ولا أصدق أكثر من أنه قام بالتظاهر بدون الحصول على إذن .
ما معنى ما يحدث مع عدالة كانت دائماً بعينٍ واحدة ؟.
لماذا يتم إظهار تسجيلات الآن، وليس قبل هذا بشأن مكالمات بين الناشطين أحمد ماهر ومحمد عادل ؟ . ستكون هناك تحقيقات وأتمنى تحقق العدالة بالنسبة لهذين الاسمين وغيرهما .
أتعجب من " توقيت " استفزاز مجموعات هائلة من أنصار نشطاء مثل حاذق ودومه وعائلتيهما، ومن شبهة اختلاط السياسى بالقضائى والشخصى بالعام لدى حركة 6 أبريل التى تحدث عنها الشاعر والكاتب سمير درويش .
أراهن أنه حين يخرج عمر بعد عامين من السجن ربما سيكون " تأخون " وقد يخرج دومه من السجن لينضم – مرة أخرى – إلى جماعة الإخوان التى خرج منها. وقتها سيكون المسئول هو القاضى والقانون الأعور والشرطة القاسية (ولا شك الفاسدة فى مستويات كثيرة ) التى لم يمهلنا الإخوان بمسيرات عنف الشوارع ولا الجهاديون بتفجيرات سيناء واستهدافهم للأهداف العسكرية والمخابراتية من إعادة هيكلتها . وسيظل أداؤها متردياً عنيفاً – لفترة – مع فريق (مسالم) من المواطنين ومتخاذلا بل مرتعشاً مع فريق (عنيف) آخر .