هيكل عن محمد سيد أحمد: كان إنسانًا عرف الحياة والعمل والصدق المحاربون القدامي لا يموتون وإنما هم مسافرون في الغياب أن نتعامل مع الموت باعتباره نهاية الحياة وإنما هو طور من أطوارها لم يكن متمرداً وإنما كان ملتزماً بالبحث عن الحقيقة كل كاتب أصيل ومفكر خلاق يظل شعاعاً في المستقبل وليس كفناً في الظلمات 1- الواجب هو الواجب: كان الأستاذ محمد حسنين هيكل حريصاً علي أن يصل لأكرم السعدني نجل المرحوم محمود السعدني ولصلاح السعدني شقيقه. رسالتين شخصيتين منه في اللحظات الأولي من صباح اليوم التالي لإعلان خبر الوفاة. وقبل موعد الجنازة. ولأن الرسالتين من هيكل جاءتا قطعة من الإنسانية النادرة، ثم إن هيكل بصرف النظر عن الشهرة والدور العام فإنه يدرك أن الواجب يبقي هو الواجب. 2- ليلة محمد سيد أحمد: دعاني إبراهيم المعلم لحضور الاحتفال الذي أقيم بصدور كتاب محمد سيد أحمد الجديد: لمحات من حياة عظيمة. الذي حررته مني عبدالعظيم أنيس. وربما كانت المرة الأولي التي تكتب اسمها ثلاثياً. ونحن الذين عرفناها وأحببناها وهي مني أنيس فقط. ربما تكتب الاسم ثلاثياً بعد رحيل والدها المرحوم الدكتور عبدالعظيم أنيس. ذهبت تلبية للدعوة رغم بعد المسافة. لأن الأستاذ محمد حسنين هيكل كان حاضراً الاحتفال. في مكتبة الشروق بفرست مول الذي يطل علي حديقة الحيوان بالجيزة كان هناك زحام شديد. بل وتزاحم أشد. وهو الأمر الذي نراه كلما حضر الأستاذ أي مناسبة من المناسبات. في الاحتفال تحدث الأخضر الإبراهيمي وزير خارجية الجزائر الأسبق. ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة. الذي دعا شباب مصر والعالم العربي لقراءة كتاب محمد سيد أحمد لأن في معاناته درسًا يمكن أن يحتذي به الإنسان. وربما كانت المرة الأولي التي يستقبل فيها جزائري بحفاوة بعد محنة مباراة كرة القدم بأم درمان. أما أحمد ماهر السيد فقد أكد أنه لم يعرف من يمكن أن يقترب من محمد سيد أحمد في نبل أخلاقه وإخلاصه لكل القيم التي نعتز بها. ثم طالب المهندس إبراهيم المعلم بإعادة طبع كتاب: بعد أن تسكت المدافع. لمحمد سيد أحمد. وتحدث طارق محمد سيد أحمد نيابة عن العائلة وشكر مني أنيس. وتحدث عن علاقة والده الخاصة بوالدها الدكتور عبدالعظيم أنيس. في هذا الاحتفال كان اللقاء الأول بين الأستاذ هيكل والدكتور مصطفي الفقي منذ الأزمة القديمة. أزمة رئيس مصر القادم الذي تقبله أمريكا ولا تمانع في مجيئه إسرائيل. وقد تقابلا بحفاوة تؤكد أنهما معاً طويا صفحة الماضي القديم. وتعاملا معها كأنها لم توجد من قبل. وقد وصل إلي مكان الاحتفال ولكن بعد انصراف الأستاذ هيكل عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية. لأنه كان علي سفر إلي ليبيا. وقد وصل للفرست مول قادماً من مطار القاهرة الدولي مباشرة. لكن الأستاذ هيكل كان عازفاً عن الكلام. غير راغب فيه. وهكذا فكر إبراهيم المعلم. الذي أدار الحوار باقتدار مذيع وحرفية رجل إعلام. فكر في أن أقوم بقراءة جزء من الكلمة التي قدم بها الأستاذ كتاب محمد سيد أحمد. ورطة وأي ورطة؟ ومشكلة وأي مشكلة؟ جاءت الناس لتسمع هيكل وتراه رؤيا العين. فأقف أنا لأتكلم. حاولت الخروج من المأزق والأزمة بكلام عن أهمية أن يتكلم الأستاذ. وأنه لا يمكن أن يتكلم أحد نيابة عن أحد. فما بالك لو كان الذي سأنوب عنه هو الأستاذ. فما كان من الأستاذ هيكل إلا أن وقف وتكلم مضطراً. قال الأستاذ هيكل: - إن هذا الكتاب كان لا بد أن يصدر، لأنه رجل يساوي الكثير، ولفت إلي أنه رجل عرف الحياة والعمل والصدق، وتابع: «أظن أنني لو تجولت بنظري بين الحاضرين سأراه، أو أنه سيحضر الآن ويكون بيننا، كان يسعدني أن يحضر هذا الاحتفال»، ثم نظر الأستاذ هيكل إلي المكان الذي تجلس فيه مني أنيس وأشاد بجهدها المبذول في الكتاب وقدم لها تحية. أما أنا - وأعوذ بالله من كلمة أنا - فقلت: - إن مصر والعالم العربي أجمعوا علي حب محمد سيد أحمد وتجرده من المنفعة وقدرته علي رؤية أجمل ما في الإنسان. وحكيت قصة صدور كتابه: بعد أن تسكت المدافع. وكان كتاباً مبكراً يتحدث عن احتمالات السلام مع العدو الإسرائيلي. صدر قبل رحلة الرئيس السادات إلي القدس بأكثر من ست سنوات. قبله البعض ورفضه البعض وتعرض صاحبه لمساءلة من قبل حزب التجمع. لكن أحداً لم يخنه ولم يفتش في نواياه. ولم يتصور أن وراء الأمر منفعة أو مصلحة. كان الرجل يفكر بشكل مجرد في المستقبل الآتي. خصوصاً أن هذا الكتاب صدر بعد حرب السادس من أكتوبر وقبل ما سمي بمبادرة السلام. 3- من هيكل لمحمد سيد أحمد تحرك حول مدارك فنحن نراك. وتكلم عبر كتابك فنحن نسمعك. ثم قرأت من مقدمة الأستاذ هيكل بعض الفقرات: لست متحمساً للطريقة التي نتبعها في الاحتفال بالراحلين من أحبائنا، خصوصاً إذا كان هؤلاء الراحلون من المفكرين أو الكتاب، فنحن نكتفي بأن نخلع عليهم من الأوصاف مع ذهابهم ما سكتنا عنه في حضورهم ولو أنهم سمعوه في أوانه - لكان سنداً ودافعاً أكثر علي الزيادة والعطاء، لكننا - علي الأقل أحياناً - نقتصد في الحضور ونسرف في الغياب. ثم إنني واحد من الذين يظنون أن الاحتفال بذهاب إنسان إلي ما وراء الحجاب ينبغي أن يجري علي منوال مختلف خصوصاً في حالة مفكر أو كاتب. ذلك أن المفكر أو الكاتب لا ينتهي حين يغيب وإنما يظل حضوره ظاهراً طالما أن له فكراً يؤثر وذكراً يرد مع حضور فكره. إن المحاربين القدامي لا يموتون. وإنما هم مسافرون في الغروب، تختفي قسمات وجوههم من أمام نواظرنا. ثم تنسحب بعد ذلك أشكالهم. وتتحول مع اتساع المسافات إلي ظلال تتصاعد مع الأفق. وهناك يتركز الظل في نقطة. ثم تتحول النقطة عند الحافة إلي نجم بعيد. إننا في ثقافات الشرق نتعسف حين نتعامل مع الموت. نتصوره نهاية للحياة. بينما هو حسب ظني طور من أطوارها. فهذه الحياة بدأت قبلنا وهي مستمرة بعدنا من أزل إلي أبد. وقد نصاب بالشجن والحنين حين يغيب عنا عزيز علينا متحسبين أنها النهاية. لكن ذلك إسراف في التشاؤم لأن الغياب مختلف عن النهاية. ولعلي أجازف وأزعم أنه لو كان محمد سيد أحمد بنفسه مشاركاً معنا لما اختلف رأيه - أغلب الظن - عما عرضت لأنه كان قد قرأ بعض ما كُتِبَ عنه وتساءل كما تساءلت: لماذا تأخر؟ ولعله كان قد انشغل معنا كما ننشغل علي فكرة وكيف يمكن أن يظل حاضراً في دائرة الحوار عن الحاضر والمستقبل. ولعله كان يوافق علي أن غيابه ليس نهاية. وإنما سفر في الغروب. وقد أضيف لكي أحفظ له حق غيابه - أنه ربما كان خالفني في الأسلوب - ثم حاورني طويلاً في المنهج وتلك طريقته تلقائياً. يتحفظ علي ما يسمع فوراً ليعطي نفسه فرصة. ثم يسأل ويلح في السؤال. يظهر اهتمامه. ثم إذا هو يمسك بجوهر الموضوع. وبعدها يتجلي استعداده للألفة مع كل جديد. لكنه - برغم ذلك - لا يتوقف عن الحوار. وفي الحقيقة فإن أظهر مزايا ذلك الإنسان الصديق الزميل إصراره علي فحص كل مقدمة ومراجعة كل مقولة وتحليل كل مضمون مرات إلي درجة العناد. تلاحظون هنا أنني حاولت تجنب فعل الماضي ما استطعت. لأنني أتمثل محمد سيد أحمد حالة جدل دائم مع محيطه ومع نفسه ومع أصدقائه ومع عالمه ومع عصره. وبرغم ما قاله بعض أصدقائنا كتابة أو شفاهة بعد وفاته. فاعتقادي أن محمد سيد أحمد لم يكن متمرداً. بل كان ملتزماً. وجوهر التزامه البحث عن الحقيقة الإنسانية التي قضي عمره يفتش عليها. ويسبق غيره هنا ويندفع مع غيره هناك. باحثاً بحماسة مدهشة وبكل الشوق المتزاحم علي قلب تملأه براءة طفل وعقل يطل منه تشاؤم فيلسوف. لعل المحاولة الدائبة من المفكر قبل الكاتب للبحث عن الحقيقة هي التي دفعت محمد سيد أحمد إلي ما اعتبره البعض تمرداً. والواقع أنه لم يكن كذلك. حتي وإن كان التمرد ظاهرة. وحتي عندما لاح مبكراً. أن محمد سيد أحمد مبهور بوهج نظرية خطفت حماسة كثيرين من جيله. فإنني أحسب أن محمد سيد أحمد كان مأخوذاً بالغوص في عمق تلك النظرية أكثر منه منتظماً في دائرتها. وكذلك فإنه كان ضمن أوائل المراجعين لمقولاتها. فقد أعاد تقييمه لما خطف بصره في ظروف كانت تؤدي إلي الغرق أكثر مما تدفع إلي مقاومة الموج. ولعل مفتاح شخصية محمد سيد أحمد - وهو مفتاح ظهر منذ صباه - تمثل في الأسلوب الذي اختار فيه منهاج دراسته. فقد التحق بكلية الحقوق وكلية الهندسة في نفس الوقت. واجتاز مراحل الدراسة في الاثنتين معاً سنة بعد سنة رغم بعد المسافة بين الحقوق والهندسة، وقد يكشف التوقف أمام هذا الاختيار عن مفتاح شخصيته. فالحقوق تعبير عن القائم المستقر الذي ينظمه النص ويحدده. أما الهندسة فهي صياغة متجددة لخيال يبحث عن رؤية. ورؤية تبحث عن بناء. وبناء يتسع لمستقبل. دعوني أؤكد في النهاية أن دور أي كاتب أصيل وكل مفكر خلاق يظل شعاعاً في المستقبل وليس كفناً في الظلمات - مشيراً إلي نجم يلمع بعيداً عن حافة الأفق - أقول له معكم: - تحرك حول مدارك فنحن نراك. - وتكلم عبر كتابك فنحن نسمعك. 4- إليها .. ياأنا : في الثناء علي ما تبقي لا شيء يعجبك في هذه الكتابة إلا أن كان مديحاً صريحاً ومباشراً لك. ذكر لمحاسنك وما أكثرها. وتجنب لعيوبك التي لم توجد بعد. لكن الكتابة بهذه الطريقة تضع الأمور في سياق النزوات والأمور الطارئة. التي لا تكون مرشحة للاستمرار. هذا مع افتراض أن ما بقي من العمر أمامنا قد يطول. تعالي نحاول الابتعاد عن صيغة أفعل تفضيل. التي وإن كانت ترضينا بالتركيز علي أمر من الأمور. فإنها قد تغفل أموراً أخري. لم تصل إلي أفعل التفضيل بعد. ومع هذا قد تكون مطلوباً الإشارة إليها. ثم لاحظي أن الكتابة من طرفي أنا فقط. أنا المرسل الذي يكتب أسبوعياً. وأنت التي تكتفين بالاستقبال علي شكل القراءة. مع أنني أتساءل أسبوعياً: ألم تشعر بتنميل في أطراف الأصابع؟ قد يجعلها تفكر في الإمساك بالقلم والتدوين. أعرف أن كل ميسر لما خلق الله. وقد لا تكون الكتابة مما يستهويك من الأمور. ولكن المحاولة نصف الطريق إلي امتلاك القدرة أو الإمكانية. عموما أعتبر قراراتك. لما أكتبه عبارة عن إعادة خلق لتلك الكتابة. تقع نظراتك علي الأحرف الميتة - أو التي كانت ميتة فتمنحها الحياة. تتحرك وتعبر عن نفسها. وهكذا بدأت بمحاولة الابتعاد عن الثناء عليك. ولكن لفت الكلمات بي ودارت واستدارت. وها أنذا أمارس أجمل الأشياء: - الثناء علي ما يبقي. - علي كل ما سيبقي. - علي كل ما سوف يبقي. 5- عمرو عبد السميع وشبانه: سجلت حلقة من برنامج حالة حوار. ضمن مشروع كبير يقوم به عمرو عبدالسميع عن الانتماء لمصر. بعد أن شاهد حالة الارتباط بالوطن تصل إلي ما وصلت إليه من وهن وضعف. لن أضيف جديداً لو تكلمت عن قدرة عمرو عبدالسميع علي إدارة الحوار. ولا ذاكرته العجيبة المدهشة التي تذكر أرقاماً صحيحة ووقائع مؤكدة دون أن يقرأ من ورقة. في زمن أصبح المذيع هو الذي لابد له أن يقرأ من ورقة. أدهشتني طريقة التعامل بين عمرو عبدالسميع والشباب الذين حضروا الحلقة. فقد رفض بشكل قاطع أن يقرأ أياً منهم من الورقة التي أحضرها معه. وعندما يتكلم أي شاب باسم أي جهة. حتي لو كانت هذه الجهة هي الحزب الوطني الديمقراطي. يسأله عمرو عن علاقته بهذه الجهة. وهل يتكلم بلسانه أم بلسانها؟ بل كان يطلب من الشباب والشابات الجرأة في طرح الأسئلة وعدم مراعاة أي حساسيات أو خطوط حمراء. 6- أسئلة الأسبوع: (1) هل يتولي عبدالله السناوي رئاسة تحرير الإصدار اليومي لجريدة الفجر؟! التي أنشأها وتولي رئاسة تحرير إصدارها الأسبوعي: عادل حمودة؟ (2) هل يتولي الدكتور مصطفي الفقي رئاسة مجلس أمناء جريدة المصري اليوم بعد أن عرض صلاح دياب ذلك؟ (3) هل يصدر مصطفي بكري جريدة الأسبوع بشكل يومي قريباً؟ (4) هل يتولي حسام نصار رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب؟ وفي هذه الحالة من الذي سيتولي رئاسة العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة؟ لا تنتظروا مني إجابات علي هذه التساؤلات.