تعيش مصر الآن في حالة فوضي عارمة، بالطبع ليس كما يراها رجال النظام الذين يرون أن الاحتجاجات والمظاهرات فوضي لابد أن تقابل بالحزم ولا حتي نعيش فوضي خلاقة كالتي يراها البعض. الحقيقة أننا نعيش فوضي الحكم، النظام الحالي برجاله في أعلي السلطة وصلوا لمرحلة من الضعف وضيق الأفق وانعدام الخيال الذي وصل بهم إلي كره البلد ذاته وعدم معرفة قيمة دولة كمصر العظيمة. تجميل قانون الطوارئ كان آخر دليل علي ذلك. الملاحظ أن هذه المرة القانون امتد إلي سنتين. المعروف أنه كان يمتد عامًا ثم يجدد، لكنهم استغلوا تجميله ليكون لمدة عامين أي ندخل الانتخابات الرئاسية في ظل هذا القانون دون مفاجآت قد تحدث أو ضغوط خارجية أو طارئ يحدث نتيجة مرض الرئيس ويقعون في حسبة برما، لذلك أقروه لمدة عامين مرة واحدة، وهي رسالة خطيرة قد تظهر للبعض أنها فرض قوة، لكنها في حقيقة الأمر ناتجة عن ضعف عام وتخبط وفوضي غير عادية تحدث في كواليس النظام من أعلي. الدولة منهارة تمامًا سياسيًا، لا يوجد ملف يمس الأمن القومي إلا ومنهار تمامًا ولا يعتدل إلا بدخول أشخاص بعينهم ليلحقوا الكارثة لكن بعد وقوعها، وهو ما حدث في ملف دول المنبع في نهر النيل، وما حدث في موافقة إسرائيل علي دخول وكالة الطاقة الذرية إلي المفاعل النووي الإسرائيلي إلا دليل علي أننا الآن دولة لا تنجح إلا من خلال منظومة دولية، لكن بمفردها تفشل، فالورقة المصرية الخاصة بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية كانت تقدم من قبل ويتم تجاهلها لصالح إسرائيل، لكن لأن اللعبة أمريكية هذه المرة، تمت الموافقة علي الورقة المصرية بضغط أمريكي، فهذه هي المرة الأولي التي تعلن أمريكا علي لسان وزيرة خارجيتها عن عدد الرؤوس النووية الأمريكية، وهي المرة الأولي التي تدخل فيها وكالة الطاقة الذرية مفاعل ديمونة منذ إنشائه عام 63 -ولاحظ أرجوك تزامن وجود البرادعي في أمريكا في التوقيت نفسه - وهي لعبة لمحاصرة إيران التي كانت تتحجج بالمفاعل الإسرائيلي، بعد تفتيش مفاعل ديمونة لن تجرؤ إيران علي الرفض وإلا ستضرب بضراوة مع تحالف دولي دون تعاطف حتي الصين، الأمر الذي سيجعل إسرائيل دولة نووية شرعية، وهذا هو دور مصر في اللعبة وهو ما يجعلنا نتأكد أن الضغط الأمريكي لحل القضية الفلسطينية قادم لا محالة وسيخرج مروان البرغوثي ليوقع علي الاتفاق الذي سيتفادي مشكلة عودة اللاجئين وهي المشكلة الديموجغرافية الكبري.. وبهذا الاتفاق ستخرج مصر من اللعبة تمامًا وتصبح لا حول لها ولا قوة، لكنها نجحت فقط في مسألة الانتشار النووي الإسرائيلي، وهو ما يدل علي أن مصر تنجح وسط منظومة دولية كبري، وهو ما قد يساعدها في المقابل في كارثة حوض النيل، صفقة أمام صفقة، لكن أن تلعب مصر الآن بمفردها فهذا هو المستحيل، مصر الآن عندما تنظر إليها، انظر أولاً إلي الفاترينة تجد فئران تلعب وتلهو في الفاترينة. إذن بداخل المحل خرابة بالتأكيد، عندما تري إعلام النظام وصحافة النظام وكتاب النظام ورجال النظام بهذا الشكل تعرف أن بالداخل خرابة كبري ستنهار قريبًا إن لم يلحقها أحد. وسأذكر لك مثلاً بسيطًا لتعرف كل الفوضي، أمين التنظيم أحمد عز في الحزب الوطني، ذهب وقابل عبدالرحيم الغول والتقطت الصور وهو يحضنه، ثم ذهب أمين التنظيم إلي الكنيسة لمقابلة البابا بعدما غضب الأقباط من مقابلته للغول، تري بأي صفة ذهب أحمد عز إلي البابا؟ بالطبع بصفته أمين التنظيم أي الرجل الثالث في الحزب الحاكم، إذن هل ذهب من دماغه، أم أنه ذهب بعد الإذن من رئيس الحزب وهو رئيس الجمهورية وموافقة أمين عام الحزب صفوت الشريف؟ لو ذهب من دماغه تبقي كارثة، ولو ذهب بعد الموافقة تصبح كارثة أخري في الوقت الذي قال فيه الرئيس فصل الدين عن السياسة. ثم هل أحمد عز وكل إليه ملف الأقباط وهو ملف حساس ويمس الأمن القومي المصري؟ هل أحمد عز يعرف هذا الملف؟ وهل هو شخصية مقبولة لدي الأقباط ومقنعة لهم؟ أشك في ذلك بالطبع، وهو ما يدل علي أننا نعيش حالة فوضي في سدرة الحكم لم تشهدها مصر من قبل، فوضي ناتجة عن عدم معرفة ماذا سيخبئ المستقبل في حكم مصر، الصورة رمادية تمامًا، ظهور الرئيس وتأكيده أنه سيظل بجانبنا للنهاية مع القلق علي صحة الرئيس بحكم مرضه الأخير وخطورته وحكم السن، جعلت الجميع لا يعرف ماذا سيخبئ المستقبل للجميع، الكل يحاول القفز من السفينة والمربوطين بالنظام في حالة قلق وتردد، فقدرهم أن يكملوا للنهاية التي لا يعلمونها.. كرسي الحكم يتأرجح ولا يوجد اتفاق علي القادم، كل السيناريوهات ممكنة، والكل وارد أن يحدث، بل والكل يطمع أن يصل رجله إلي الحكم ليضمن بقاءه، لذلك حاول - مجرد محاولة - أن تتابع تحركات النظام المهزوزة المرتعشة وانتظروا كارثة قادمة من أين هذه المرة، الله وحده يعلم، لكن فوضي النظام لا تسير إلا في طريق كارثة، الله وحده هو المنجي منها. ونحن في الانتظار كالعادة!!