نحن أمام مخرج لا يحب أبطاله، ولا يتعاطف معهم.. إنه يرصدهم من السطح.. بنظرة فوقية محملة بقسوة واستعلاء شديدين. فيلم «سطوح» للمخرج الجزائرى مرزاق علواش المشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان أبو ظبى فى دورته السابعة، مهم على المستوى الفنى كتابة وإخراجا، ولكنه لا يحمل أى إضافة إنسانية لمشاهده وأبطاله.
يبدأ الفيلم بتعريف لصلاة الفجر وبدايتها ووقت انتهائها وعلى مدار الفيلم يعرف المخرج الصلوات الخمس كتابة على الشاشة مع صوت الآذان واستعراض لخمس قصص تدور كلها فوق أسطح بنايات فى العاصمة الجزائرية.. يشترك أبطال القصص الخمس فى البؤس والخيبة وتتفاوت درجة إزدواجيتهم، فهذا شيخ يستأجر غرفة.. ينزعج من صور فتيات على حائطها فينزعها صاحب الغرفة حفاظا على مشاعر الشيخ، لنفاجأ بأنه بزائرة له، تخلع نقابها وملابسها أمامه ليستخرج الجن منها! وقصة أخرى بطلها رجل مقيد بأغلال لا نسمع سوى صوته وهو يحكى بهيستريا عن بطولته فى المقاومة الجزائرية، بينما يقدم له شاب وطفلة الطعام.. الشاب يبدو على مظهره التدين.. يعقد جلسات ويلصى مع أصدقائه بقيادة شيخ، وفى نهاية الجلسة يتفاوض مع صديق له على شراء حشيش أفغاني!القصة الثالثة، لأخت تعيش مع شقيقتها المختلة وابنها المدمن ويترك الثلاث ى قتل صاحب الغرفة الذى يريد أن ينتزعها منهم، بينما يدلهم الشرطى على كيفية إخفاء الجثة لأنه يكره القتيل، والقصة الرابعة لشخص يعذب آخر بمساعدة اثنين آخرين طلبا لتوقيعه على ورقة ما، وفى خلال ذلك يقتل ثلاثة ساقهم حظهم للتواجد فى نفس سطح البناية الحديثة، ويموت الشخص على أثر التعذيب، لنكتشف أن القاتل والقتيل شقيقين، حتى أن القاتل يحزن لوفاة شقيقه! وخامس قصة حملت فى بدايتها بعض الأشراق والتفاؤل عن فتاة تعقد بروفات مع فرقتها الموسيقية فوق السطح، وترقبها فتاة أخرى لها ميول مثلية، وتنتهى القصة نهاية بائسة بانتحار الفتاة المراقبة وإلقاء نفسها من فوق السطوح.
الفيلم رغم قوته الفنية وكتابته شديدة التماسك وموسيقاه الرائعة، إلا أنه افتقد للدفء والنعومة التى كان يحتاجها فيلم بهذه القسوة وهذا البؤس الذى يغلف حياة أبطاله.
ومن فيلم قاس إلى فيلم آخر أكثر قسوة.. عن قصص لخمس سيدات يساريات وليبراليات شاركن فى الثورة الإيرانية على الشاه الفاسد عام 1979 وكانت أعمارهن لا تتجاوز العشرين عاما وقتها.. من هنا يبدأ الفيلم الوثائقى الإيرانى "ثورتى المسروقة".
قابلت مخرجة الفيلم الإيرانية ناهد بيرسون بعد مشاهدتى للفيلم، وأعلنت لها عن إعجابي بالفيلم، وسألتها: بعيدا عن سرقة ثورتكم من قبل الخميني والملالى.. هل فكرتم فى استعادتها؟
قالت: لم يكن هناك مجال لاستعادتها.. كانوا متعجلين جدا وكنا غير منظمين!
طوال مشاهدتى لأحداث الفيلم الإيرانى «ثورتى المسروقة» وأنا استعيد تفاصيل ثورتنا المصرية، التى سرقها الإخوان أولا، ثم إننا لم نستردها حتى اللحظة مما يمارسون تفريغها من مضمونها الذى قامت لأجله.
فيلم «ثورتى المسروقة» يبدأ من ناهد الإيرانية التى فرت من إيران بعد الثورة مباشرة وكانت تبلغ من العمر 17 عاما، حاملة معها ذكريات شديدة القسوة عما جرى لها أثناء اعتقالهاعقب الثورة، تقرر أن تقابل خمس نساء ممن شاركن فى الثورة وتم اعتقالهن وهربن خارج إيران، وتنجح فى مقابلتهن وجمعهن فى منزلها بالسويد، وتحكى كل منهن تجربتها مع الثورة والاعتقال.. إحداهن اغتصبت والأخرى مازالت تحتفظ بشادور كانت ترتديه أثناء الاعتقال وثالثة تحمل معها مجسما للزنزانة التى سجنت فيها.. بطلة الفيلم نفسها لم تنس مقتل شقيقها على يد حراس وسارقى الثورة، حتى تجد شخصا كان معتقلا معه فى نفس السجن يرفض أن يظهر بشخصيته فى الفيلم.. لا ندرى خوفا من ماذا طالما أنه خارج إيران!
السجن بداخلهن وتجربته القاسية مازلت تأرقهن رغم الهروب.. مازال وجعهن طازجا وإحساسهن بالخديعة وانهيار حلم الحرية الذى قامت لأجله الثورة الإيرانية يفسد عليهن حياتهن الجديدة التى اجبرن عليها خارج وطنهن.. سرقت الفاشية الدينية الثورة منهن، وسرقت الباقى من حياتهن.
رغم التخبط والارتباك الذى يصحب خطوات الثورة المصرية إلا أن هذا الفيلم يجعلنا نحمد الله لأنه خلصنا من حكم الإخوان، فمصيرنا لو استمروا فى الحكم ما كان ليختلف كثيرا عن مصير هؤلاء النساء الخمس الهاربات من جحيم الحكم الإسلامى فى إيران.