«الإحصاء»: معلم لكل 28 تلميذًا في مصر خلال العام الدراسي 2024 2025    اليوم.. مصر تحتفل بذكرى نصر السادس من أكتوبر    اليوم أم يوم الخميس؟ تعرف على الموعد الرسمي لإجازة 6 أكتوبر 2025    تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بداية اليوم 6 أكتوبر 2025    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025    رئيس وزراء باكستان يتطلع إلى تعزيز العلاقات مع ماليزيا    هل يتجاوز محمد صلاح أحزانه في ليفربول ليحقق حلم الصعود للمونديال مع الفراعنة ؟    أحمد صالح: الزمالك أعاد الأهلي لمكانه الطبيعي    طقس اليوم .. أجواء خريفية اليوم وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 30 درجة والصغرى 21    " التعليم " تكشف أهمية التقييمات الأسبوعية والاختبار الشهري لصفوف النقل.. تعرف عليها    ذكرى نصر أكتوبر ال52.. الأفلام المصرية توثق بطولات الجيش    اليوم.. الفصل في المنافسة المصرية الكونغولية على رئاسة «اليونسكو»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6اكتوبر 2025في المنيا.. تعرف على مواعيد الأذان    حاكمان ديمقراطيان يتعهدان بمعركة قضائية بعد إرسال ترامب حرس كاليفورنيا الوطني إلى أوريجون    ماذا قال رئيس الاتحاد السكندري عن الدوري الاستثنائي وأحمد دياب ؟    بعد 64 عامًا.. «لا تطفئ الشمس» لإحسان عبد القدوس من السينما والدراما إلى خشبة المسرح    كثافات مرورية بمحاور القاهرة الكبرى وانتشار أمني مكثف أعلى الطرق السريعة    وفاة مغربي عبد الرحمن إداري الفريق الأول بنادي المقاولون    اليوم، انقطاع الكهرباء عن عدة مناطق في الدقهلية    سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6-10-2025 بعد آخر ارتفاع.. حديد عز بكام؟    نهر النيل لا يعرف الهزيمة    ميرتس يدعم حظر الهواتف المحمولة بالمدارس في ألمانيا    تطور جديد في واقعة عقر كلب عصام الحضري لمهندسة بالعلمين    استبدليه بالبيض والفول والجبن فورا، استشاري يحذر من اللانشون في ساندويتشات المدرسة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 6 أكتوبر    حبس المتهمين بإدارة نادٍ صحي لاستغلاله في ممارسة الأعمال المنافية للآداب بمدينة نصر    «مريض وحالته صعبة».. نضال الأحمدية تعلق على تسليم فضل شاكر نفسه إلى السلطات اللبنانية    «أزمة مع النحاس؟».. وليد صلاح الدين يكشف حقيقة عرض أفشة للبيع (خاص)    قناة عبرية: ناشطة من أسطول الصمود تعض موظفة في أحد السجون الإسرائيلية    مدحت صالح يتألق في حفل قصر عابدين بأجمل أغانيه    عيد ميلاد عزيز الشافعي.. رحلة نجاح بدأت من الحلم ووصلت إلى القمة    ترامب: لم يتبق أي قوارب قبالة فنزويلا بعد الضربات الأمريكية    صحة الإسكندرية: تنفيذ 49 برنامجا تدريبيا خلال سبتمبر لرفع كفاءة الكوادر الطبية والإدارية    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    سكته قلبية.. وفاة شخص قبل نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه بمحكمة الإسكندرية    المنتخب يطير إلى المغرب اليوم لتحقيق حُلم المونديال    من غير غسيل.. خطوات تنظيف المراتب من البقع والأتربة    تامر حسني يرد على تكريم نقابة المهن التمثيلية برسالة مؤثرة: "الحلم اتحقق بفضل شباب المسرح المصري"    "كيفية مشاهدة مباراة السعودية والنرويج في كأس العالم للشباب 2025 بث مباشر"    قرار من النيابة ضد المتهم بالتعدي على آخر في حدائق القبة وبحوزته سلاحان ناري وأبيض    الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة يطلقان النسخة الرابعة من محاكاة قمة المناخ COP30    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بالذكرى المئوية للعلاقات بين مصر وتركيا    وزارة الحج والعمرة: جميع أنواع التأشيرات تتيح أداء مناسك العمرة    البابا تواضروس الثاني يزور إيبارشية أبوتيج وصدقا والغنايم    31 مرشحًا خضعوا للكشف الطبي بالفيوم.. ووكيلة الصحة تتفقد لجان الفحص بالقومسيون والمستشفى العام    بالصور/ مدير امانه المراكز الطبية المتخصصة" البوابة نيوز"..نرفع الطوارئ على مدار 24 ساعة لاستقبال حوادث المواصلات بالطريق الزراعى والدائري..القوى البشرية بقليوب التخصصى لا يستهان بها    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    سعر السمك البلطى والكابوريا والجمبرى في الأسواق اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025    ترقي وإعادة تعيين المعلمين 2025.. «الأكاديمية» تحدد مواعيد جديدة لاختبارات الصلاحية    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    أسعار الذهب في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الاثنين 6 أكتوبر 2025    فنانة تصاب ب ذبحة صدرية.. أعراض وأسباب مرض قد يتطور إلى نوبة قلبية    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    بدر محمد بطل فيلم ضي في أول حوار تلفزيوني: الاختلاف قد يكون ميزة    لحظة تهور سائق في زفة بكرداسة تنتهي بالقبض عليه.. إنفوجراف    أمين الإفتاء: الصبر على الزوجة والتحمل والاجتهاد في الموعظة له أجر وثواب من الله    تعرف على مواقيت الصلاة غد الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    رمضان 2026.. تعرف على موعد حلول الشهر الكريم وعدد أيامه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سعيد محفوظ يكتب: قوانين حرية المعلومات فى بلاد بره
نشر في الدستور الأصلي يوم 14 - 05 - 2010

لا مؤاخذة يا ريس.. ألّا هوا أنت من غير زعل ولا حبس ولا اعتقال كده يعني، تِحتِكم علي كام ف البنك؟؟؟ أنا مش بحسد يا ريس.. أنا بس لسه جاي طازة من بلاد بره.. وهناك الوله ريتشارد والبت فيكتوريا أصحابي الإنجليز بيعايروني ويقولولي: يللا ياللي رئيسكو وِلا مؤاخذة عيلته وصحابه وشِلِّته عندهم مليارات، وانتو نايمين علي ودانكو!! يخلصك كده يا ريس؟ أنا برضه قلت أسألك وعارف إنك مش حتخبي علي ابنك اللي هو أنا حاجة هايفة زي دي!!!
الوله ريتشارد والبت فيكتوريا ولاد الإيه يسيران في شوارع لندن مرفوعي الرأس.. يثقان بأن الملكة ذات نفسها لا تستطيع استغفالهما، تعلم الصحافة ويعلم المواطنون بمن فيهم الغلابة اللي زيي كل شيء عن السادة المسئولين وأصحاب النفوذ وصناع القرار: بيقبضوا كام؟ وبيصرفوا كام؟ وعندهم كام عربية؟ ونايمين علي كام في البنك؟ وازاي بياخدوا قراراتهم المصيرية؟ ولو خنصروا قرش من أموال الشعب طوب الأرض بيعرف، وسيرتهم بتبقي علي كل لسان.. ولن يجسروا علي الإنكار إذا سألهم مواطن، زي الوله ريتشارد أو البت فيكتوريا، فما بالك بالإعلام أو القضاء؟
عندما وطئت قدماي بلاد الفرنجة لأول مرة قبل سنوات، وسمعتهم يفاخرون باحترام الحقوق وصون الكرامة علي أرضهم، لم أفهم، ففي مصر تخرج من بيتك في الصباح متأنقاً بالبدلة اللانفان والكرافتة البيير كاردان، فتعود وأنت مشتوم بالأم وجزمتك مردومة بالتراب وسيارتك مخبوطة ومتخربشة ف مليون حته، لكن في نهاية المطاف أنت مصري في بلدك، لا أحد يستطيع أن ينزع عنك هذه الهوية طالما أنت علي أرض مصر.. وهذا بالتأكيد يعني أنك مواطن محترم وكرامتك محفوظة.. شوف القناعة!! لكن عندما قابلت الوله ريتشارد والبت فيكتوريا اكتشفت أن للحقوق والكرامة معان أخري.. ففي عام ألفين صادق البرلمان بتاعهم علي قانون اسمه بالصلاتو علي النبي قانون حرية المعلومات.. قال إيه يا ريس يضمن هذا القانون حق العامة يعني اللي زي حالاتي في المعرفة! حق العامة في المعرفة؟؟ أي واللهِ! يعني بالبلدي أي حد عايز يعرف أي حاجة مستخبية يعرفها.. أكثر من مائة وعشرين ألف طلب تتلقاها الأجهزة الحكومية كل عام لنزع ستار السرية عن معلومات ولا مؤاخذة حساسة.. ستون بالمائة من هذه الطلبات يتقدم بها المواطنون، وعشرون بالمائة تتقدم بها الشركات، أما الصحفيون فيتقدمون بعشرة بالمائة فقط من هذه الطلبات، لأن الإعلام عند هؤلاء كِبِر ما شاء الله ولم يعد مراهقاً، ولديه مصادره النافذة في كل مكان.. المفاجأة أن البرلمان الذي صادق علي القانون يلزم الدولة بإنفاق حوالي خمسين مليون جنيه استرليني سنوياً للوفاء بهذه الطلبات، من أجل أن يشعر المواطن فقط أنه يعيش في النور، ومن ثم يتمكن من ممارسة حقوقه السياسية وأداء واجباته المجتمعية.. شوف بقي الضلمة اللي إحنا عايشين فيها محتاجة كام مِيت مليون!!
بكرهَك يا ريتشارد، وبكرهِك يا فيكتوريا..! كلما انخرط أيٌ منهما في قضية ما، يأتي بالأدلة والقرائن، ويستدل بثروة هائلة من المعلومات.. أما نحن فخيبتنا تقيلة، إذا سألني سائل: أين تذهب ثروة مصر من قناة السويس؟ وكيف يستفيد الشعب من حصيلة الضرائب والجبايات؟ وماذا يدور في كواليس لجنة السياسات؟ وما صلة القرابة والصداقة والنسب التي تجمع أعضاءها بعائلة الرئيس؟ وكيف يجري اختيار القيادات في مصر؟ وماذا يجري خلف أسوار السجون والمعتقلات؟ سأقول بالفم المليان علي طريقة أم كلثوم: معرفش أنا!!
أصابني هذا الشعور بالجهل الداهم غداة اليوم العالمي للصحفيين، عندما سألتني مذيعة صباح دريم برغبة مخلصة في المعرفة: لماذا لم يَصدُر في مصر حتي الآن قانون واحد يضمن حرية الوصول للمعلومات؟ اعتدلْتُ في جلستي وتنحنحْت، ثم قلت كلاماً كثيراً.. لا أعرف لماذا أيدني فيه الكاتب سعد هجرس زميلي في الفقرة، رغم أنني بعد أن أطنبت وأسهبت لم أقل أيضاً سوي: معرفش أنا!! فالنظام علي رأسه بطحة يتحسسها كلما تجدد الحديث عن حرية المعلومات.. من الجائز أن تطلق حكومته حرية الإعلام، ومن الممكن أن تتساهل في حرية الاعتصام والتظاهر، لكن كله إلا حرية المعلومات.. فالملفات السرية حافلة بالصفقات المشبوهة والفساد المالي والسياسي.. والكشف عن هذه المعلومات لن يزكم أنوفنا من عفونة رائحتها فحسب، بل سيوفر الذرائع والأسباب للإطاحة بأقطاب اللعبة السياسية أجمعين، وهذه المرة بالوثائق والمستندات.. فهل جنت حكومتنا لا سمح الله كي تسمح بذلك؟ هل يُعقل أن تقدم الحكومة بيدها مسوغات إحالتها للقضاء؟ هل يمكن مثلاً أن تتصور وزيراً مسنوداً من إياهم قاعد قعدة طارق عزيز في القفص؟؟.... ما ترد!!
لكن ما شاء الله علي الوله ريتشارد والبت فيكتوريا.. عارفين كل حاجة!! بفضل قانون حرية المعلومات عَلِما أن عدداً من وزرائهم ونوابهم أنفقوا ستة ملايين جنيه استرليني كمصروفات سفر وهمية، فجَرّسَهم الإعلام، وقُدِموا للمحاكمة، وقُضِي علي مستقبلهم السياسي.. وبفضل هذا القانون انفضح أمر العشرات من الديبلوماسيين الأجانب الذين استغلوا حصانتهم في ممارسة الاعتداء الجنسي علي أطفال وقُصّر خلال عملهم علي الأراضي البريطانية، وبفضل هذا القانون اعترفت الحكومة أنها وافقت علي خطة إنقاذ إحدي المدارس المتعثرة بميزانية استثنائية قدرها مليون ونصف المليون جنيه استرليني قبل عشرة أيام فقط من الانتخابات العامة عام ألفين وخمسة، وهو ما اعتُبِر دعاية سياسية غير مباشرة وغير قانونية للتأثير في الناخب.. (يا بختك يا وله يا ريتشارد أنت والمضروبة ف قلبها فيكتوريا).... لكن إحنا هنا بنصَوْصَوْ منذ علمنا من وسائل الإعلام الأمريكية بأمر الرشوة التي تقاضاها مسئول مصري من شركة مرسيدس، ولم تفلح توسلاتنا اليومية حتي الآن من أجل معرفة اسم هذا المسئول الكبير كي يقدَّم إلي «العدالة»، رغم أنه قطعاً سيحظي بالبراءة في النهاية!! ولكن بعد أن يرتدي بدلة السجن لبضعة أشهر، عقاباً له ليس علي ارتكاب الجريمة، وإنما علي تركه ثغرة تم اكتشافه من خلالها.. وهكذا سيظل هذا المسئول اللص في قضية مرسيدس كاللهو الخفي، محتمياً بسياسة التعتيم والتستر علي المجرمين، طالما لا يوجد في بلادنا قانون صارم لحرية المعلومات، يعامل المواطنين علي أنهم «بني آدمين»، وليسوا قطيعاً من الأغنام...
ضربت للمذيعة مثلاً بمرض الرئيس، وكيف تداولنا أخبار صحته التي جاد بها علينا الإعلام الرسمي دون أن يسفر ذلك عن انهيار الدولة، أو اندلاع ثورة، أو وقوع انقلاب.. الحكومة بقيت كما هي، والنظام لم يهتز، والأمن لم يتزعزع.. الشعب لم يحتشد أمام القصر الجمهوري، ولم ينقضّ علي مؤسسات الدولة، ولم يفتك بحاشية النظام.. بل علي العكس، تابعنا الأخبار الواردة بالقطّارة من ألمانيا باهتمام وصبر، وتمتمنا بالدعاء للرئيس وللبلد أن يستردا عافيتهما، وفيما عدا ذلك لم نفعل شيئاً.. لقد ذهبت الشفافية المفاجئة بعقولنا، وأعجزتنا عن التفكير، وكل ما فعلناه أننا جلسنا ننتظر عودة الرئيس.. شاكرين مهللين علي نعمة الشفافية التي غمرنا بها النظام بلا مقدمات ولا تبرير.. يقاطعني سعد هجرس علي الهواء مصححاً: ولكنها كانت «نصف شفافية»ظ، منّت علينا ببعض الأخبار فقط عن صحة الرئيس ومنعت عنا بعضاً آخر.. فقلت للكاتب الكبير: أحسن من مفيش يا أستاذنا.. هوا إحنا طايلين؟ وقلت في عقل بالي: أنت حتعمل زي الولة ريتشارد والبت فيكتوريا اللذيْن اندهشا من انبهاري بشفافية حكومة جوردون براون عندما وفرت أطناناً من الوثائق السرية للجنة التحقيق في الحرب علي العراق قبل بدء أعمالها رسمياً العام الماضي؟ كانت «بي بي سي» قد كلفتني بتغطية الجلسات الأولي في هذا التحقيق، وإذا برئيس اللجنة السير جون تشيلكوت يغيظني وهو يقول لي وللصحفيين الإنجليز مبتسماً: إن اللجنة حصلت من الحكومة علي صلاحية الاطلاع علي كل (ويمط اللام للتأكيد) المعلومات المطلوبة، ومن ضمنها كل (ويمط اللام مرة أخري) الوثائق السرية ذات الصلة بالحرب علي العراق، بما فيها أدلة الإدانة التي يمكن أن تذهب بالحكومة نفسها في أبو نكلة!! ولم يكتف التحقيق بذلك، بل أفسح المجال للجمهور كي يشهد جلسات الاستجواب والاستماع العلنية، سواء بالحضور في قاعة الملكة إليزابيث حيث يجري التحقيق، أو بمتابعتها علي الهواء من خلال التليفزيون أو الإنترنت، ثم الحصول علي النص الكامل للتحقيقات علي موقع اللجنة الإلكتروني بعد نحو ساعة من نهاية كل جلسة.. طب وماذا لو وجه عضو في اللجنة وخاصة الست الأرشانة إللي اسمها البارونة يوشا براشار سؤالاً محرجاً لمسئول كبير زي جوردون براون نفسه، أو سلفه توني بلير؟ هل سيري الجمهور - عيني عينك - الباشا المسئول وهو يتصبب عرقاً، ويعترف علي الملأ بأنه كان علي خطأ؟ تصور آه... هذا بالفعل ما حدث.. وهي دي الشفافية بعينها، مش تقوللي أخبار مرارة وبنكرياس الرئيس.. أري ذلك وأحاول أن أخفي دهشتي وأنا علي الهواء أنقل وقائع التحقيق علي تليفزيون «البي بي سي» من وستمنيستر، وفي المساء علي أحد المقاهي يتحداني الولة ريتشارد والبت فيكتوريا، ويقولان ببرود: عااادي... هي دي الديمقراطية...!!
المصيبة إنه ليست بريطانيا وحدها هي التي تفاخر بقانون عادل وصارم لحرية الحصول علي المعلومات وتداولها، خد عندك مثلاً بلغاريا، الهند، اليابان، المكسيك، باكستان، جنوب أفريقيا، السويد، تايلاند، الولايات المتحدة، وغيرهم... تتفاوت تشريعات الحصول علي المعلومات في هذه الدول بطبيعة الحال في حدود التداول وواجبات النشر والاستثناءات المفروضة لاعتبارات أمنية وإجراءات الاستئناف إذا رُفض طلب الحصول علي المعلومة.. كما تختلف كل دولة عن الأخري في الآليات التعزيزية التي تضمن بها تطبيق القانون وجعل الأولوية لكشف المعلومة، وحماية المبلغين عن الفساد.. لكن كل هذه الدول تشترك في أنها مش خايفة من حصول الشعب علي أي معلومة.. يا تري لماذا تخاف منا الحكومة في مصر؟ هوا إحنا شعب همجي للدرجة دي؟ يعني شعب تايلاند أحسن مننا؟ ولا شعب باكستان؟ ولا جنوب أفريقيا؟ إشمعني هما عندهم مفتاح الكرار وإحنا لأ؟ لماذا يكتب عليّ أن أبتلي بالبت فيكتوريا وهي تسخر مني ليلاً ونهاراً، وتقول بدلع وشماتة: الصراحة راحة يا عيني وأنت مبتعرفش!! يخلصك كده يا ريس؟ ابنك الأسد يتقاله: أنت مبتعرفش؟
أنا عايز من ده يا ريس!! هوا إحنا مش بني آدمين زيهم ولا إيه؟؟ عايز المعلومة تكون متاحة للجميع، فلا تستفيد منها جهة دون أخري، أو فرد دون آخر، وألا يتعين علي من يسعي للحصول علي المعلومة أن يبرر دوافعه أمام المخابرات أو مباحث أمن الدولة، بل ينبغي علي الجهة المعنية إثبات أن هذه المعلومة سرية بحكم القانون، وليس بحكم مزاج المسئول الكبير وحفاظاً علي سمعته، ولا يجب أن تستثني من مثل هذا القانون أي جهة عامة، بل حتي الجهات الخاصة الممولة من الأموال العامة أو تقوم بوظائف عامة يجب أن تخضع للقانون، كما في جنوب أفريقيا...
نِفسي (علي لحن أغنية إيمان البحر درويش هذه المرة) أن تتطوع الحكومة بنشر ما لديها من معلومات بصفة دورية حتي في غياب الطلب عليها.. معلومات بجد، مش ميزانيات وأرباح ومكاسب فقط.. ولن يكلف ذلك جيب الحكومة قرشاً واحداً، خاصة أن التكنولوجيا الحديثة تجعل من عملية نشر وتوزيع المعلومات أسهل وأقل تكلفة مما كانت عليه زمان.. يعني الحكومة ما لهاش حجة إلا إذا كان فيما لديها من معلومات ما يعيبها أو يكشف فساد مسئوليها..
وأول الملفات السرية التي أحلم بأن تَستنفِر الحكومة ما لديها من شجاعة وضمير وتعلن أسرارها علي الشعب هو ملف بيع البلد، قصدي ملف بيع القطاع العام، الذي تربحت منه رءوس كبيرة، وقطعت فيه أرزاق ناس غلابة كتيرة.. مَن اشتري؟ وبِكَم؟ ولماذا تم البيع أصلاً؟ وأين ذهبت الأموال؟ كل هذه أسئلة علي الحكومة أن تتعطف وتتنازل وتجيب عنها، إذا لم يكن فيها ما يلطخ سمعة أحد.. أما الصمت أو الكذب فيعني أن هناك بلاوي مستخبية...
يا ريس، ثمة ثقافة متجذرة من السرية لدي حكوماتنا من قديم الأزل، نعرف أنه من رابع المستحيلات فرض الشفافية بقوة القانون، ولكن علينا أن نغير هذه الثقافة، وذلك أولاً بملاحقة كل من يتعمد إعاقة الحصول علي المعلومات الحيوية، إما عن طريق إخفائها أو إتلافها، وأول هؤلاء هم المستفيدون من سياسة التعتيم والمنتفعون من استمرار الفساد في الخفاء.. كما نريد من كل أجهزة الدولة أن تتكاتف وتتعاون علي تعزيز مقاييس الحفاظ علي البيانات والسجلات، وهذه من أهم وظائف الحكومة الحديثة والمفتوحة..
ومش عايزين مزيداً من الذرائع لحجب المعلومة، زهقنا من العبارات المطاطة مثل: ممنوع لدواعي الأمن القومي، أو للمصلحة العامة، أو لعدم زعزعة الاستقرار والسلم الاجتماعي... ماذا جري لاستقرار بريطانيا عندما طبقت قانون حرية المعلومات؟ استقرارها زي الفل وعلي سنجة عشرة أهو.. يجب أن تكون الاستثناءات واضحة ومحددة وخاضعة لمعايير موضوعية، فأكثر القوانين عدالة يمكن تقويضها بالاستثناءات، والمبادئ الدولية في هذا الإطار تغفر بعض القيود في قوانين حرية المعلومات إذا كان الضرر أكبر من المصلحة في الحصول علي المعلومة، واتفقت معظم القوانين العادلة علي أن هذه القيود تتضمن: الأمن القومي، والعلاقات الدفاعية والدولية، والتحقيق في الأنشطة الإجرامية وملاحقتها، ومساواة الأطراف خلال التقاضي، وأثناء عمليات التفتيش والضبط والمراقبة من قبل السلطات العامة، وسياسات الدولة الاقتصادية والنقدية والخاصة بسعر الصرف.. وبس!! مسمعناش بقي عن السلم الاجتماعي وزعزعة الاستقرار في أي قانون محترم من دُوول!
متآخذنيش يا ريس.. لو معرفتش بالظبط إيه إللي بيحصل من ورايا في البلد، أنا مش حستحمل غلاسة الولة ريتشارد والبت فيكتوريا أكتر من كده.. مضطر أخترع لهم أي معلومات من دماغي عشان ميبقاش شكلي وحش... أيوه حيبقي اسمها شائعات... بس هوا أنا عندي بديل؟
رأيي لا يعبر بالضرورة عن رأي أي مؤسسة عملت أو أعمل معها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.