«Gravity» العزف على الصمت

الفضاء والعزلة والوحدة والصمت فى مواجهة المجهول سمة مميزة لعدد محدد من نوعية أفلام الخيال العلمى يختلف تمامًا عن نظيرتها التى تنتمى إلى نفس النوع، أبرزها أيقونة الراحل ستانلى كوبريك «2001: A Space Odyssey» والتى وجدت من يبارزها فى المكانة بعد عرض فيلم «Gravity» فكلاهما يتخذ من الفضاء مفتاحًا لطرح أفكار تتناول الحياة والموت.

الفيلم هو رحلة رايان ستون (ساندرا بولوك) لاستحقاق الحياة فى 90 دقيقة هى مدة عرض الفيلم أشرف عليها كمنتج ومونتير ومخرج الفيلم ومؤلفه ألفونسو كوارون، الذى استخدم كل أصابعه فى العزف ليصنع فيلمًا جيدًا وليس مجرد فيلم حركة، وإثارة ينتمى إلى نوعية الخيال العلمى التى يغلب عليها دائمًا عامل الإبهار الذى يضمن نسبة مشاهدة وإيرادات عاليين، وخلق من خلال السيناريو الذى شاركه كتابته أخوه جوناس مواقف وأحداث قد تنسى معها أن تتنفس أو أن تضغط على أسنانك بقوة تعاطفًا وانفعالًا مع البطلة، وأحيانا أخرى تكون شجنًا وحنينًا ورغبة فى الصحبة مستغلًا نباح كلب أو أغنية هدهده لطفل يبكى بلغة أخرى لا تفهمها البطل رايان، وطوال الوقت يخاطب عين المشاهد بلغته السينمائية خالقًا رموزًا كأن تتخذ البطلة وضع الجنين وهى تسبح فى الفراغ وتبدو الأسلاك من خلفها، وكأنها حبل سرى لتأكيد حالة الميلاد الجديد بعد مرورها بما كان من شأنه أن يضعها فى عداد الأموات. الرموز والدلالات البصرية التى يزرعها المخرج طوال مدة عرض الفيلم لا تنتهى تسير معها بالتوازى الموسيقى التصويرية التى كتبها ستيفن برايس ببصمته المميزة التى سبق وقدمها فى «Lord Of Rings»، الذى جاءت موسيقاه تسير جنبًا إلى جنب مع أداء البطلة يعلو ويهبط يفرح ويحزن معها، لكن لم يكن هو العنصر الوحيد بل عملت وحدات الإشراف على الصوت فى تضخيم هذا الإحساس سواء الوحدات الخاصة بمونتاج الصوت أو مزجه، حيث تأتى رؤية المخرج الذى سيطر على كل عناصر الفيلم تقريبًا بأن تتوقف الموسيقى التصويرية بشكل مفاجئ فى بعض المشاهد تاركًا أصوات البيئة المحيطة سواء الناجمة عن حوادث التصادم أو الصمت الذى يغلف الفضاء ليكمل المهمة، أو يستعين بصوت تنفس البطلة الذى يعلو ويهبط كوسيلة للتعبير عن الانفعالات.

جورج كلونى مر مرور الكرام على الفيلم، وبدت الشخصية التى يؤديها،والتى تدعى مات كوالسكى، وكأنها إحدى أدوات رايان بطلة الفيلم فى النجاة، ساندرا بولوك تثبت من خلال أدائها شخصية رايان أنها أفضل اختيار لهذا الدور، فالشخصية التى تعكس صلابة غير عادية فى السيناريو يعبر عنها اسمها الذى يعد نصفه الأول هو اسم ذكورى سماه والداها به، لرغبته فى أن يكون أبًا لابن وليس لابنة نهاية بلقب عائلتها الذى يتُرجم للعربية «حجر». تقمصت ساندرا هذه الصلابة وعبرت عنها فى كل الأوقات فى الفيلم، ساعدها فى ذلك الشكل الذى تم اختياره للشخصية ذات الشعر القصير والحركات الحادة الرشيقة حتى عندما فقدت بدلتها الفضائية التى تحمل الطابع الأمريكى الأبيض ولجأت إلى بدلة أخرى تحمل اللون الرمادى المميز لبدل الفضاء الروسية أكد هذا التبديل القوة والحدة، وساهم إلى حد كبير أيضا فى التركيز على حالة التعميم التى رغب مخرج الفيلم أن يصدرها بتحرره من الوقوع فى فخ تفوق البطل الأمريكى الذى يعتبر عاملًا أساسيًّا فى كثير من الأفلام الهوليودية، فالنجاح ليس حليفًا لجنسية بعينها، والإنسان يحتاج إلى الصحبة عمومًا، ويجد دائمًا لغة مشتركة مهما اختلفت الألسنة.