التنظيم يريد التخلص من الطيب لوقوفه إلى جانب الشعب فى 30 يونيو التنظيم حشد طلبته فى الجامعة للانتقام من شيخ الأزهر والتطاول عليه ودفعه إلى الاستقالة.. والحكومة والأحزاب لا حسّ ولا خبر
لم تكن مظاهرات العنف والإرهاب التى قادها ولا يزال طلبة الإخوان المسلمين فى عدد من الجامعات المصرية مؤخرا، إلا مقدمة لسيناريو أضخم من الفوضى بدأت ميليشيات الجماعة فى تفجيره فى جامعة الأزهر مع انطلاق الدراسة بها قبل يومين. وبينما يبدو الهدف المعلن للمظاهرات وعمليات التخريب والحرق التى قادها طلبة التنظيم أمام حرم الجامعة أمس وأول من أمس، ومحاولاتهم الفاشلة لقطع طريق النصر والاعتصام فيه أو الوصول إلى مسجد رابعة العدوية، هو الإفراج عن الطلبة المعتقلين، ومجابهة رئيس الجامعة، الدكتور أسامة العبد، إلا أن المدقق للمشهد يدرك بجلاء أن الهدف الإخوانى هو الانتقام من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذى انحاز إلى إرادة 30 يونيو، وأبى أن يمكن أى خطط للتمكين من المشيخة أو الجامع أو الجامعة.
أمس لم تتردد الأبواق الإعلامية المنحازة إلى الجماعة أو المدعومة منها، وفى مقدمتها قناة «الجزيرة مباشر مصر»، وبنفس منطق التزييف والتلفيق الإخوانى، من تصوير عرض تمثيلى قام به بعض طلبة التنظيم لفض اعتصام رابعة العدوية داخل حرم الجامعة، تضمن الإحياء بسقوط بعض الطلبة على الأرض، كما لو أنهم قتلوا، على أنها مجزرة قام بها الأمن فى حق الطلبة العزل والمتظاهرين السلميين، بعد أن اقتحم الجامعة، فى حين لم يتردد البعض من ضيوف النوافذ الإخوانية من المطالبة برأس الإمام الأكبر، جراء حادثة وهمية لم تحدث من الأساس.
وفى وقت حرص فيه غالبية أعضاء هيئة التدريس، وبتنسيق مع إدارة جامعة الأزهر أمس وأول من أمس، على الانتظام فى المحاضرات، بل وتكثيف المادة العلمية المقدمة، لتعويض الوقت المهدر من العام الدراسى، بعد تأجيله قرابة شهر كامل على مرتين، ورغم انتظام أغلب الطلبة والطالبات فى قاعات الدرس، فى ما اقتصرت كل فاعليات الإخوان على بضع وقفات أو مسيرات فى طرقات الكليات، إلا أن حسابات التواصل الإعلامى الخاصة بالتنظيم، على «فيسبوك» و«تويتر» لا تزال مصرة كذبا، على أن الدراسة عطلت فى جامعة الأزهر، وأن الغضب الطلابى حال دون قيام الأساتذة بإلقاء محاضراتهم، بينما تنتهى دوما تلك الشائعات الإخوانية، بأن شيخ الأزهر أصبح فى ورطة، وأن استقالته باتت مسألة وقت، وذلك بزعم فشله فى الإدارة.
ما تبقى من قيادات تنتمى إلى الصف الثالث أو الرابع بالجماعة، ضمن ما يعرف ب«التحالف الوطنى لدعم الشرعية»، فضلاً عن الإشارات المتناثرة القادمة من القيادات الإخوانية الهاربة، أو تلك التى تتحرك فى إطار التنظيم الدولى، جميعها تدفع نحو تحويل جامعة الأزهر إلى منصة إخوانية جديدة للتظاهر والحشد، والأخطر للاعتصام، ذلك السيناريو الذى يتمنى الإخوان وحلفاؤهم أن يتحقق للإطاحة بالدكتور الطيب من جانب، ومن جانب آخر وضع الحكومة وأجهزتها المعنية فى موقف لا يحسدون عليه، خصوصا إذا ما استخدمت القوة فى مواجهة ابتزاز طلبة الإخوان وفوضاهم ولجوئهم إلى العنف، مثلما دار بالأمس فى طريق النصر وأمام البوابة الرئيسية لجامعة الأزهر، وقبل هذا وذاك محاولة جذب دعم واشنطن والاتحاد الأوروبى مجددا إلى الجماعة، بعد أن انحصر فى الفترة الأخيرة إلى حد كبير.
المعلومات المتواترة بين قواعد التنظيم الطلابية، تشير بوضوح إلى أن التنظيم كان قد أعد خطة لحشد مظاهرات ضخمة ومسيرات عدة تنطلق داخل حرم جامعة الأزهر مع الأيام الأولى لانطلاق الدراسة. على أن ترفع شعارات رابعة العدوية، فضلاً عن شعارات مناوئة للجيش ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى والحكومة الانتقالية، إلى جانب الزعم بأن ما حدث فى 30 يونيو كان انقلابا عسكريا، وأن عودة الرئيس المعزول محمد مرسى إلى الحكم هى السبيل الوحيد لعودة الاستقرار والهدوء للبلاد.
على أن يبقى الهدف المباشر للمظاهرات الإخوانية المنتظرة الضغط على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ودفعه إلى الاستقالة، فالتنظيم لا ينسى ثأره أبدا، فى حين أن عداوته مع الأمام الأكبر تعود إلى نهاية العام 2006 وبداية العام 2007، حينما كان الأخير رئيسا لجامعة الأزهر آنذاك، ومن ثم لم يقف مكتوف الأيدى أمام العرض العسكرى الذى صنعته ميليشيات طلبة الإخوان داخل الحرم الأزهرى، واتخذ إجراءات تأديبية صارمة تجاه المشاركين فيه. ولعل هذا يفسر محاولات الإخوان المستميته طيلة فترة حكم مرسى لعزل شيخ الأزهر، تارة بالتلويح بتغيير قانون الأزهر، وتارة أخرى بتضخيم وقائع تقديم وجبات عشاء ملوثة لطلاب المدينة الجامعية.
كما لا يغفر التنظيم للطيب وقوفه إلى جانب ملايين المصريين الذى خرجوا لخلع محمد مرسى وجماعته وعشيرته فى 30 يونيو، مما انعكس فى كم الهجوم الضارى والتطاول الفج الذى يتعرض له الإمام منذ إزاحة الرئيس الإخوانى عن قصر الاتحادية. ولعل أبرزها حين شحن الإخوان قبل أسابيع طلبة معهد أزهرى بشبرا الخيمة، كانوا يتظاهرون ضد الإدارة، من أجل التظاهر فى المشيخة، ضد شيخ الأزهر والتطاول عليه، قبل أن ينفجر الوضع هناك، وتعتدى ميليشيات الإخوان على أوتوبيس نقل عام، ولم تنته الأزمة إلا بتدخل قوات الجيش والشرطة.
رئيس جامعة الأزهر، الدكتور أسامة العبد، يظل أيضا هدفا هو الآخر لمظاهرات الإخوان، التى يطلقون عليها فى مواقع التواصل الاجتماعى، من «فيسبوك» و«تويتر»، انتفاضة طلبة الأزهر ضد الطيب والعبد. بينما بدأت تحركات طلبة الجماعة للاتصال بزملائهم فى الدفعات الدراسية من خارج التنظيم، لدعوتهم للمشاركة فى التظاهرات بدعوى خروجها ضد الضبطية القضائية والملاحقات الأمنية للنشطاء، ومن أجل الإفراج عن المعتقلين، إلا أنها لا تريد غير الانتقام من شيخ الأزهر وفريق عمله.
المفاجأة أن طلاب «مصر القوية» والسلفيين، هم واجهة طلاب الإخوان فى الحشد وفى المظاهرات. الأيام القليلة الماضية قبل انطلاق الدراسة شهدت تربيطات وتنسيقات بين الطرفين لتجميع أكبر قدر ممكن من المؤيدين والمشاركين فى الفاعليات الإخوانية داخل الحرم الجامعى للأزهر، فضلاً عن استهداف الشرائح الطلابية غير المسيسة، أو التى لا تنتمى تنظيميا إلى أى تيار سياسى، ومن ثم تكتسب المظاهرات زخما يتخطى مجرد ثأر الإخوان من الأزهر وشيخه ومن الدولة.
الأخوات من طالبات الأزهر نشطن طيلة الأسبوعين الماضيين فى الاتصال بزميلاتهن، بل والتردد عليهن فى منازلهن على غرار حملات طرق الأبواب الانتخابية، خصوصا فى الريف، من أجل ضمان توسيع رقعة المشاركة.
كما تم الاستقرار أيضا على إمكانية إعلان الدخول فى اعتصام مفتوح داخل حرم جامعة الأزهر، وربما أيضا بالمدينة الجامعة، على غرار اعتصام طلبة جامعة القاهرة ضد الرئيس الراحل أنور السادات فى عام 1972، بما يصنع تجمعا إخوانيا جديدا، لكن هذه المرة داخل مؤسسة تعليمية، ستعوق بلا شك تدخل الأمن لفضه، وإن تهور الأخير كالعادة وقام بالفض، فإن التنديدات الدولية والحقوقية ستلاحق حتما شيخ الأزهر وتتهمه بالصمت على التنكيل بطلبته، فى حين ستنتقد أيضا ما سيطلق عليه ساعتها «الدولة الأمنية» وسلطة 30 يونيو التى ستبدو بلا شك ساعتها لا تحترم حرية التعبير. غير أن ضعف الأعداد الخاصة بطلبة الإخوان، ونقص التمويل اللازم لتوفير احتياجات اعتصام مفتوح، فضلاً عن الملاحقات الأمنية للقيادات العليا وقيادات الربط بين قيادة الجماعة وقواعدها الشبابية والطلابية، جميعها تحول دون إتمام الاعتصام المنشود.
تنظيم الإخوان يراهن على اعتصام الأزهر، إذا ما تم، كفرصة أخيرة له أو رقصة فاشلة فى الأغلب، للحفاظ على بقائه فى الشارع وفى الإعلام بعد عزله شعبيا وقضائيا، وكذا من أجل تحقيق سيناريو «جذب الأنظار»، الذى استقر عليه التنظيم الدولى للجماعة فى اجتماعاته الأخيرة، وتحديدا فى إسطنبول، وقرر تعميمه على جميع فاعليات الإخوان فى مصر، بحيث يتم تنظيم فاعلية مؤثرة على نحو ما، ومن ثم تلفت الأنظار مجددا إلى معركة الجماعة مع السلطة القائمة وتحشد متعاطفين معها من جهة، ومن جهة أخرى استعادة الدعم الدولى مجددا، إذا ما لجأت الدولة إلى الحل الأمنى فى مواجهة أى مظاهرات أو اعتصامات متوقعة للإخوان فى الأزهر، ومن جهة ثالثة فض أى التفاف شعبى حول الجيش، والضغط للإفراج عن قيادات مكتب الإرشاد المحبوسة، ناهيك بضرب شيخ الأزهر بإثارة المشكلات فى المؤسسات التى يشرف عليها.
فى المقابل لا يبدو الصمت الرهيب من قبل الدولة تجاه تحركات طلبة الإخوان وما تبقى من تنظيمهم لإشعال الوضع فى جامعة الأزهر والضغط على الدكتور أحمد الطيب إلا إسهاما غير مباشر فى تفاقم المشكلة. فالدولة لجأت من قبل إلى حلولها التقليدية فأجلت الدراسة بالجامعة نحو شهر، ولوحت باستخدام الضبطية القضائية، وهو ما جاء بأثر عكسى عليها. لكن أحدا لم يسمع أن الدولة عقدت اجتماعات مع أساتذة الأزهر لحثهم على احتواء الطلبة، ومجابهة أى تطاول ضد الإمام الأكبر بالحوار والإقناع، كما لم يعلن عن أى برامج أو أنشطة طلابية جادة بالتنسيق مع إدارة الجامعة لشغل الدارسين عن فاعليات الإخوان، فى حين لم تقدم حكومة الدكتور الببلاوى أى سيناريو واضح لكيفية مواجهة أى تجاوز أو خروج على الأعراف الجامعية وعلى آليات التعبير السلمى عن الرأى من قبل طلبة الإخوان.
إن شيخ الأزهر يقف بمفرده أمام ابتزاز الإخوان. تاريخ الرجل يؤكد أنه لا يركع أبدا أمام أى محاولة للعنف أو الإرهاب. غير أن تعامل الحكومة مع خطط الإخوان لاستهداف الدكتور الطيب، وكأنها من كوكب آخر، وعدم انتفاضتها للحفاظ على هيبة الرجل، باعتبار أن مسها يمثل اعتداءً على هيبة الدولة نفسها، يبقى سلوكاً غير مسؤول.
كذلك هل ستبقى النخب والأحزاب السياسية فى موقع المنظر المراقب طوال الوقت؟ ألم يحن الوقت لعمل حقيقى وجاد للوقوف بجانب شيخ الأزهر ضد مخطط ابتزازه؟ ألم يحن الوقت بعد لتدفع الأحزاب السياسية بأبنائها وقواعدها، إذا ما كانت تمتلك ذلك فى الجامعات، خصوصا جامعة الأزهر، لبيان حقائق الأمور لغير المسيسين، وفضح خطط الإخوان لجر الجامعات إلى معركة لم تعد تتعلق بعودة مرسى، ولا ب30 يونيو، وإنما الإفراج عن قيادات محبوسة على ذمة قضايا قتل وتحريض على العنف؟