المستثمرون أصبحوا يرفعون شعار «الأرض مقابل العمال» كما يرفع العرب مبدأ «الأرض مقابل السلام» أسوار مجلس الشعب تحولت إلى ملجأ دائم للباحثين عن حقوقهم نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً مهماً عن ظاهرة الاعتصام أمام مجلس الشعب وعلي الأرصفة المحيطة به، وأشارت الوكالة إلي لجوء فئات عديدة من المصريين سواء من العمال أو الموظفين أو الفلاحين إلي الاعتصام أمام المجلس للمطالبة بحقوقهم، نظراً لحيوية هذا الموقع الذي يمر به كبار المسئولين والوزراء وأعضاء مجلس الشعب، وإلي نص التقرير: مثل بضع مئات من العمال والموظفين، تفترش مرفت رفاعي الرصيف المقابل لمجلس الشعب المصري للمطالبة بتحسين شروط عملها، مؤكدة: «نحن هنا منذ 29 يوما، ننام علي الرصيف، ونبحث عن مسجد قريب لقضاء حاجتنا، وهناك تجاهل تام لمطالبنا لكننا سنبقي، فبعد كل هذا لن أعود صفر اليدين». ووسط أغطية صوفية بالية يستخدمها المعتصمون النائمون أمام البرلمان علي الرصيف لمواجهة برد الليل، ولافتات تحمل مطالبهم، يقيم موظفون حكوميون مؤقتون وعمال شركات تم تخصيصها ثم توقفت عن العمل، وأصحاب احتياجات خاصة، منذ أسابيع في انتظار حلول لمشكلاتهم، وللمطالبة بالحد الأدني من الحقوق. وتقول مرفت رفاعي (34 سنة) وهي أم لثلاثة أولاد تركتهم في رعاية الأب والجيران في بلدتها بمحافظة البحيرة بدلتا النيل، وهي تشرح وضعها: «نحن 230 موظفا وعاملا في جهاز تحسين الأراضي التابع لوزارة الزراعة، أنا أعمل منذ 11 عاما ولكن بعضنا تصل أقدميته إلي 17 عاما، أجورنا تتراوح بين 60 جنيها و95 جنيها شهريا (قرابة 11 دولارا إلي 17.3 دولار شهريا) وكان يتم خصم نسبة التأمينات الاجتماعية من هذه الأجور، لكننا فوجئنا بأننا لسنا مسجلين لدي هيئة التأمينات الاجتماعية أي أنه ليست لنا «معاشات» تقاعد. وتتابع: «نريد التثبيت في وظائفنا بأثر رجعي، وتغطية تأمينية وصحية». وعلي بعد بضعة أمتار، يقيم عمال وموظفو شركة معدات هاتفية لم يحصلوا علي رواتبهم منذ أربعة أشهر؛ لأن شركتهم التي كانت تنتج أجهزة هواتف أرضية توقفت عن العمل. ويؤكد العامل هشام حجازي (39 عاما) «تمت خصخصة الشركة عام 2000 وصاحب الشركة يقول لنا الحكومة باعتكم، لماذا تريدون مني أنا أن أشتريكم». ويقول عبد الله الخولي (43 سنة) الذي يعمل في الشركة منذ 16 عاما: «صاحب الشركة يتعمد إيقاف العمل والادعاء بأن الشركة تخسر حتي يبيع أرضها لأن ثمنها سيدر عليه فورا ربحا هائلا يوازي ما يمكن أن يكسبه علي مدي عشرين عاما إذا ما استمرت الشركة في العمل». وتضيف سوزان السيد (49 سنة): «صاحب الشركة استفاد من الإعفاء الضريبي المسموح به لمدة خمس سنوات وبعد ذلك لم يعد يرغب في تشغيلها»، وهي تطالب مثل زملائها بإعادة تشغيل الشركة وترفض اقتراح الحكومة بتشغليهم «بعقود مؤقتة في الهيئة المصرية للاتصالات». ولكن مهندسا في نفس الشركة التي يعمل بها أكثر من 1200 شخص، أكد أن «الأجهزة التي كانت تنتجها الشركة فشلت في منافسة مثيلاتها الصينية الصنع التي أصبحت تغرق السوق المصرية». وإلي جوار هؤلاء وعلي نفس الرصيف المقابل لمبني مجلس الشعب، يجلس عمال «شركة النوبارية للخدمات الزراعية» الذين يشكون أيضا من الأضرار التي لحقت بهم بسبب خصخصة الشركة في العام 1997، ويتهمون المشتري بالوقوف وراء كل مشكلاتها. ويقول محمد سعد إبراهيم (53 سنة) الذي يعمل في الشركة منذ 25 عاما: «المستثمر يريد أن يقايض بنا الحكومة ويقول إن العمال لقطاء الحكومة». ويضيف المهندس في نفس الشركة الحسين محجوب: «نحن 217 عاملا وموظفا معتصمون هنا منذ 25 يوما؛ فشركتنا توقفت عن العمل منذ أبريل 2008، ونحن نحاول منذ ذلك الحين بشتي السبل الحصول علي حقوقنا». ويتابع: «المستثمر يريد الآن من الحكومة أن تخصص له 5 آلاف فدان بسعر تفضيلي في منطقة الضبعة (شمال غرب) ليعيد تشغيل الشركة ويقول لنا: اضغطوا علي الحكومة». وأضاف مازحا علي عادة ظرفاء المصريين: «يريد الأرض مقابل العمال كما نريد نحن العرب من إسرائيل الأرض مقابل السلام». أما أصحاب الاحتياجات الخاصة، فيعتصمون أمام مجلس الشعب. وتقول محروسة سالم حسن (30 سنة) وهي تجلس علي كرسيها المتحرك: «نحن 1500 معوق ومعوقة نقيم علي هذا الرصيف منذ 68 يوما ومطالبنا بسيطة: نريد مسكنا ونريد تطبيق القانون الذي يقضي بتخصيص 5% من أماكن العمل في كل الجهات للمعوقين والحصول علي تصريح بعمل مشروعات صغيرة مثل شباب الخريجين حتي لا نضطر إلي التسول». وتتابع: «نريد عودة البطاقة الصحية التي ألغيت التي كانت تتيح للمعوق العلاج المجاني» وتساءلت: «كيف يحرم المعوق من حق العلاج بينما تحصل زوجات الوزراء علي علاج بملايين الدولارات علي نفقة الدولة»؟! وذلك في إشارة إلي تقارير صحفية لم تنفها الحكومة عن علاج بعض الوزراء وزوجاتهم خارج مصر علي نفقة الدولة مما كلف ميزانية الدولة أكثر من ثلاثة ملايين دولار. وإلي جوار هؤلاء، يعتصم موظفو مراكز معلومات التنمية المحلية التابعة لوزارة التنمية المحلية رافعين لافتات تطالب بتثبيتهم في عملهم حتي يتمكنوا من الحصول علي تأمينات صحية ومعاشات. وقال أحمد ديب: «نحن 32 ألف موظف تم تعييننا عام 2002 وتتراوح رواتبنا بين 99 جنيها و149 جنيها شهريا (8.17 دولار و27 دولارا) ولكن عقودنا مؤقتة وكل ما نطلبه هو التثبيت لنحصل علي حقنا في التأمين الصحي وفي المعاش». وأضاف: «نحن مستمرون وصامدون وصابرون وسنصَّعد الاعتصام حد الإضراب عن الطعام ودعوة مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان لتشكيل لجنة تقصي حقائق حول أوضاعنا». وتتزامن هذه الاحتجاجات مع صدور حكم من القضاء في 30 مارس بإلزام الحكومة بتحديد حد أدني جديد للأجور في مصر التي يعيش 40% من سكانها غير بعيد من خط الفقر. وكان آخر حد أدني للأجور نص عليه قانون صدر عام 1984، هو 35 جنيها (6.4 دولار). وقال وزير التنمية الاقتصادية المصري عثمان محمد عثمان مؤخرا: إن الحكومة تفكر في رفع الحد الأدني للأجور إلي 450 جنيها (81.8 دولار).