ردود أفعال واسعة النطاق، بخاصة بين المحللين والخبراء السياسيين، أثارها حوار الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، مع جريدة «الواشنطن بوست» الذى أكد خلاله مجددا عدمَ ترشحه لرئاسة الجمهورية، إذ أكد عدد من الخبراء السياسيين أن تصريحات السيسى ل«الواشنطن بوست» تؤكد أن هناك محاولة من جانب جماعة الإخوان المسلمين لتشويه ثورة 30 يونيو وإظهارها على أنها انقلاب عسكرى لا رفض شعبىّ للرئيس المعزول محمد مرسى، بخاصة مع تأكيده الحاسم على عدم ترشحه لرئاسة الجمهورية، كما أثنى الخبراء السياسيون على استخدام السيسى لغة قائد دولة، بخاصة عندما وجّه بعض الانتقادات إلى إدارة أوباما. عضو الهيئة العليا لحزب الوفد عصام شيحة قال ل«الدستور الأصلي» إنه لا بد من النظر إلى حوار السيسى فى إطار الظروف السياسية التى تمر بها مصر حاليًّا، مضيفًا أن مطالب السيسى بتدخُّل أوباما لإقناع جماعة الإخوان المسلمين وأنصار المعزول بضرورة الانصياع للحوار لحل الأزمة الراهنة ليس المقصود توجيهها إلى رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية أو إدارتها السياسية، ولكنها موجهة بالأساس إلى الرأى العامّ والإعلام الأمريكى. شيحة أضاف أن السيسى تعمد إرسال رسالته إلى الرأى العام لعلمه بمدى تأثيره فى صناعة واتخاذ القرار فى الولاياتالمتحدة، مؤكدًا أن تلك المطالب من شأنها توضيح توافر الرغبة لدى الحكومة المصرية والقوات المسلحة فى فتح قنوات للتواصل مع الإخوان المسلمين، وسعيهما لحقن الدماء واللجوء إلى الحلول السلمية سعيًا إلى الاستقرار.
عضو الهيئة العليا لحزب الوفد لفت إلى أن السيسى يعى أن مصر تمثل نقطة هامة فى محيطها الإقليمى، وأن استمرار أمريكا فى دعم الإخوان المسلمين ومؤيدى المعزول ضد الحكومة المصرية، وعدم دفعها فى طريق حقن الدماء ووقف العنف فى الشارع المصرى سيجعل مصالحها فى الشرق الأوسط فى خطر، لافتًا إلى أن علاقة أمريكا بالإخوان قديمة جدًّا وأنها توطدت بعد وصول الإخوان إلى السلطة فى مصر، وتوقيعهم عددًا من الاتفاقيات مع الإدارة الأمريكية، مما يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن علاقة الإخوان بالولاياتالمتحدة تقتصر على المنفعة المتبادلة.
أما رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية الدكتور سعد الدين إبراهيم فقال ل«الدستور الأصلي» إن السيسى يعلم جيدًا مدى عمق العلاقة بين الإخوان المسلمين والولاياتالمتحدةالأمريكية، وقدرة الإدارة الامريكية على الضغط على الجماعة لحل الأزمة الراهنة سلميًّا، واللجوء إلى الحوار بدلًا من استمرار العنف فى الشارع المصرى ووقوع ضحايا أكثر، مما يجعل مطالبته أوباما بالوساطة منطقية وفى محلها، مضيفًا أن الوساطة الأمريكية لدى الإخوان المسلمين من شأنها بالفعل تغيير الوضع الحالى تمامًا، وحل الأزمة الراهنة.
الخبير السياسى بمركز الأهرام والقيادى بجبهة الإنقاذ الوطنى الدكتور وحيد عبد المجيد قال إن من يتابع حوار السيسى على وجه الدقة يدرك أنه لم يطلب شيئًا من الولاياتالمتحدة أو غيرها، ولكنه كان يرد على سؤال الصحفى المتعلق بما إذا كان هناك أى ضغوط أمريكية على مصر لعدم فض تجمعات الإخوان، وأن إجابته جاءت واضحة ومكثفة، وتُعَدّ أقوى موقف يعبِّر عن السيادة المصرية ضد السياسة الأمريكية منذ عام 1973.
عبد المجيد أضاف أن أحدًا لم يواجه الإدارة الأمريكية بمثل هذا التصريح الواضح الذى جاء فيه «إذا كانت الولاياتالمتحدة حريصة على تعويض بعض ما أصابها من خسائر لدى الرأى العام المصرى الذى لم ينسَ لها موقفها السلبى من الشعب تجاه 30 يونيو، فتستطيع أن تستخدم نفوذها لدى الإخوان لفض تجمعاتهم»، مشيرًا إلى أن السيسى لم يطلب شيئًا من أحد سوى الشعب، وأنه وضع أمريكا فى موقف حرج لم تتلقَّ مثله من مصر منذ 40 عامًا.
مختار نوح القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين شدد على أن تأكيد السيسى عدم الترشح لرئاسة الجمهورية «شىء متوقع من رجل وطنى، لكن البعض يرهق نفسه من أجل إثبات أن هذه الثورة ليست إلا انقلابًا عسكريًّا». من جانبه قال الدكتور كمال الهلباوى القيادى المنشقّ عن جماعة الإخوان المسلمين إن حديث السيسى عن عدم نيته الترشح للرئاسة مناسب لأنه عليه الاهتمام بالأمن القومى وتقوية الجيش، وهى مسألة أهم بكثير من الرئاسة، وأضاف ل«الدستور الأصلي» أن مهمة الدفاع عن البلاد بعد الاضطرابات التى حدثت فى عديد من الأماكن ومنها سيناء، جليلة لا تقلّ أهمية عن الرئاسة، بل تزيد قدرا، وهو يسعى للحفاظ على أمن الوطن ومواجهة الفوضى والعنف والإرهاب.
وأشار الهلباوى إلى أن «السيسى صدق عندما أكد أنه تدخل بعد 30 يونيو لأن البلاد كانت مؤهلة للدخول فى حرب أهلية، ونحن من طالبنا أولا بتدخل الجيش نتيجة ثورة عارمة فى 30 يونيو، وكان من الضرورى أن يتدخل الجيش حتى لا تحدث فوضى وحتى لا تتفاقم الأوضاع ونكون نسخة ثانية من سوريا والصومال، وكان تدخله بشكل مناسب وفق إرادة الشعب كما حدث يوم فى 25 يناير».
وقال الدكتور أحمد دراج وكيل مؤسسى حزب الدستور، تعليقًا على إعلان السيسى أنه لا يطمح إلى السلطة واتهامه للرئيس الأمريكى باراك أوباما بعدم احترام الإرادة الشعبية، إن ميزة السيسى أنه قارئ جيد للسياسة الأمريكية ولديه تواصل مع المجتمع الدولى وقادر على قراءة المشهد بشكل أفضل، وهو ما تبدى فى قراءته لتصرف وحركة الإخوان الآن الذى ينمّ عن دعم قوى من الإدارة الأمريكية لهم، مضيفا «السيسى يمثل الشعب بجد، ويذكرنا بقادة الجيش الكبار»، مشيرا إلى أن مصر بها قادة عظام ومحترمون، وهو لا يقل وطنية عن عبد الناصر.
وأوضح دراج أن تفكير السيسى يدل على أن مصر لن تخضع لإملاءات من أى دولة أيًّا كانت. وتعليقًا على تصريح السيسى بأن أوباما لم يتصل به منذ الإطاحة بمرسى، قال دراج «هذا يدلّ على أن الموضوع بالنسبة إلى أمريكا يخصّ أمنها القومى ولا علاقة له بالسياسة، والإدارة الحالية لا تحترم الشعب المصرى».