مصر ما زالت فى بال واشنطن. ولم يتبدد بعد بالطبع القلق والحيرة والتخبط والتخوف. المشهد المصرى بكل تقلباته ومتغيراته يزيد من تعقيد الموقف، خصوصا «لكونه مائعا صعب الإمساك بأطرافه». وقد واصل الرئيس الأمريكى أوباما اجتماعاته أول من أمس السبت، مع فريق الأمن القومى من خلال «كونفرنس كول» اجتماع هاتفى جمع الأطراف المشاركة من خلال شبكة «آمنة». وذكر أن الرئيس كان فى منتجع كامب ديفيد. كما أجرى تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكى ثلاث مكالمات تليفونية مع نظيره المصرى الفريق الأول عبد الفتاح السيسى خلال يومى الجمعة والسبت الماضيين. وحسب بيان المتحدث باسم البنتاجون جورج ليتل فإن المكالمات كانت لمناقشة الأحداث الجارية فى مصر. وأن هيجل «شدد على ضرورة انتقال مدنى سلمى للديمقراطية فى مصر». وأشار أيضا إلى «أهمية الأمن للشعب المصرى ولجيران مصر وللمنطقة». هكذا ذكر البيان. واجتماع مجلس الأمن القومى، كما ذكر بيان صادر عن البيت الأبيض: «كان لمراجعة الوضع المائع جدا فى مصر». وأن الرئيس أدان العنف الجارى على امتداد مصر وأعرب عن قلقه تجاه «الاستقطاب السياسى المستمر». وشدد الرئيس أوباما من جديد على «أن الولاياتالمتحدة لا تنحاز ولا تؤيد أى حزب أو جماعة سياسية بعينها. وأن الولاياتالمتحدة ترفض تماما المزاعم المنتشرة من جانب البعض فى مصر بأننا نعمل مع أحزاب وحركات سياسية معينة من أجل إملاء، كيف يجب أن يمضى الانتقال فى مصر» مضيفا: «نحن نظل ملتزمين للشعب المصرى وتطلعاته للديمقراطية والفرص الاقتصادية والكرامة. إلا أن مسار المستقبل لمصر يمكن تحديده فقط من جانب الشعب المصرى».
ثم جاء جون كيرى وزير الخارجية وكمسؤول كبير فى الإدارة لكى يسمى الأشياء بأسمائها ويقول فى بيان له ولأول مرة إن واشنطن لا تؤيد الإخوان المسلمين تحديدا بالاسم. إذ ذكر فى بيانه «نحن نرفض بحزم المزاعم التى لا أساس لها وكاذبة من جانب البعض فى مصر بأن الولاياتالمتحدة تؤيد الإخوان المسلمين، أو أى حزب مصرى أو حركة مصرية تحديدا». وأن الولاياتالمتحدة كانت دائما وما زالت ملتزمة بالعملية الديمقراطية، وليس لأى مجموعة أو أى شخصية». وجدير بالذكر أن كل التصريحات والبيانات الصادرة منذ 30 يوليو لم تكن تتضمن هذه الإشارة المحددة. وكانت تكتفى بالذكر بأن واشنطن لا تنحاز إلى طرف دون الآخر. بيان كيرى صدر بعد ساعات قليلة من بيان البيت الأبيض، وفى الساعات الأولى من صباح الأحد (بتوقيت القاهرة).
كما أن الاضطرابات الأمنية وأحداث العنف كانت ولا تزال مصدر قلق وازعاج لواشنطن، خصوصا أن هناك بوادر تنذر بتزايدها وانتشارها. أوباما فى بيانه كرر من جديد حث كل القيادات المصرية على نبذ العنف واستعمال القوة. كما شدد على المشاركة مع الشعب المصرى وعلى الصداقة الممتدة والقيم المشتركة وعلى «الانتقال لديمقراطية مستدامة». من جهة أخرى فإن الإعلان عن اختيار البرادعى رئيسا للوزراء، ثم التراجع عنه أثار اهتمام وسائل الإعلام ودوائر القرار الأمريكى. وما يلفت الانتباه ما يحدث من «صراع القوى» فى المشهد المصرى، وعما إذا كان «أولو الأمر» فى يوليو 2013 يستطيعون التحرك بشكل أكثر جدية وعملية ومثمرة عما حدث فى فبراير 2011، أم أن اللعبة نفسها ستتكرر بنفس اللاعبين أو بلاعبين جدد؟ وبالطبع تبعات وتداعيات هذا «الشد والجذب» من التيار السلفى فى تشكيل المرحلة الانتقالية. وما قد يقوم به أنصار الإخوان ومؤيدو مرسى ومجموعات أخرى فى «إعاقة» أو «عرقلة» أو «نسف» عملية الانتقال السلمى!
وأمس الأحد تناولت كل البرامج الحوارية الأسبوعية فى الشبكات التليفزيونية الكبرى الأوضاع فى مصر وأيضا السيناريوهات المحتملة والمرتقبة للفترة الانتقالية. كما ناقشت هذه الحوارات مع قيادات فى الكونجرس وخبراء فى شؤون مصر التعامل الأمريكى مع هذا الملف الشائك. وكيف ستقوم واشنطن بمساعدة مصر لاجتياز هذه المرحلة الحرجة. خصوصا أن قضية المساعدات العسكرية لمصر مثارة حاليا وإمكانية «قطعها» أو «تعليقها» واردة. وهناك جدال سياسى وضجيج إعلامى حول هذا الأمر، إلا أن التوجه العام بالنسبة لمصر، وكما قال أحد المراقبين: «لا أحد يريد معاقبة المصريين ومصر». ويبدو واضحا أن الشكوك المنتشرة لدى المصريين تجاه كل ما تأتى به واشنطن أو تقوله أو تعلن عنه قد تتطلب جهدا أكبر من الإدارة ومسؤوليها.. وتتطلب أكثر من بيانات صادرة تصاغ بدقة وبلغة «قد لا يفهمها غالبية المصريين» أو «يفهمها غلط» إذا لجأ للترجمة العربية أو التفسيرات والتلفيقات المنتشرة فى وسائل التواصل الاجتماعى.
لا شك أن إدارة أوباما فى «ورطة» و«أزمة» و«حالة لا تحسد عليها». ولم يتردد أغلب المراقبين فى أن ينتقدوا فى الأيام الأخيرة ومع تداعى الأحداث فى مصر «تخبطها» و«ترددها» و«حيرتها» تجاه حسم الأمور وأخذ المواقف الواضحة والمحددة. ومن لهم باع طويل من أهل واشنطن لا يترددون فى القول بأن «هذا هو أوباما وتعامله أو إحجامه عن التعامل مع القضايا الساخنة والأدلة عديدة». ردود أفعال الإدارة فى حاجة إلى أفعال ومواقف وقرارات.. فهل من مجيب فى البيت الأبيض؟!