إذا مات القرد، أو تحريًا لسلامة اللغة، إذا نفقَ، يغدو القُرداتي عاطلًا، لا يجد قوت يومه، فمعاشه يرتبط بمهارات القرد، في الرقص، ونوم العازب، وعجين الفلاحة. هذه من مأثورات مرسي، ومن الحكم الخالدة، التي ستبقى له، في تراث «الهطل السياسي»، بعد أن يغادر القصر، بغير رجعة، مخلوعًا، أو مسجونًا، وربما مقتولًا، إن هو أخذ يحرن ويرفض، أو يرفس، الفرصة الأخيرة للخروج.
وردًا على المقولة المأثورة، يحق أن نسأل مرسي: إذا خرجت الملايين للمطالبة برحيلك، واستقالت الحكومة، وأعضاء من مجلس الشورى، ونائبك العام، ومرق جهاز الشرطة، عن سمعك وطاعتك، وفر زعماء عصابة الإخوان، خارج البلاد، إلى درجة أن ابن نائب المرشد، خيرت الشاطر، كشف للصحافة، عن أنه لا يعرف في أي جحر يكمن أبوه الآن.
إذا حدث كل ما سبق، ألا يغدو الرئيس عاطلًا، بغير شرعية؟
ما أشبه الليلة بالبارحة؟
الفرعون مبارك، لم يفهم أنه سقط إلا متأخرًا، ساعةَ تحرَّك المتظاهرون، في ميدان التحرير، صوب القصر لانتزاعه من كرسيه، كما يُنتزع الضرس «المسوّس» من الفم، عندئذ أدرك أن الدائرة صارت محكمة، ولا خلاص، من الغضب الساطع.
كان يقول: أنا حاصل على دكتوراه، في العند، أما مرسي، فيبدو أنه حاصل على دكتوراه، في العند، والغباء، والحماقة، والغرور معًا.
مرسي، الذي سيصبح مخلوعًا «بعد سويعات» تحقيقًا، رأى نهاية مبارك، فلم يقرأ من الدرس حرفًا.. تحدى منذ دخل قصر الرئاسة، إرادة الشعب والثورة، عشرات المرات، وناصب الإعلام العداء، ونازع القضاء في صلاحياته، وكانت النتيجة، انتفاضات، ومظاهرات، وإراقة دماء، وشهداء، ورغم ذلك، لم يفهم، أن تكرار السير، على نفس الدرب، سيؤدي إلى تأجيج النار شاملة، وهي نار ستجعله وجماعته، رمادًا منثورًا.
الحمار.. إذا سلك طريقًا مرةً حفظه، أما الإنسان، فيأخذ العبرة والعظة، من أخطائه وأخطاء سابقيه، لكن مرسي، لا يفهم على الإطلاق.. بهذه الطريقة أو تلك.
نشأته في تنظيم إرهابي، يعتمد على أن يخلع الفرد عقله، ويضع مكانه «نعالًا قديمًا»، فيغدو في معية المرشد العام، كالخروف وراء الراعي، قد جعلت بينه وبين التفكير، سنوات ضوئية، لا تُعد ولا تُحصى.
يكرر الحماقات، ويمعن في فواحش الأخونة، والاستئثار بمصر، متوهمًا أن شرعيته مستمدة، من فصيل واحد.. فصيل منتخب، لا يعدو إلا أن يكون رهطًا، من المغرر بهم، من قبل إرهابيين، يحملون تضليلًا وبهتانًا، لقب شيوخ دين، وأيضًا بواسطة تجار مخدرات، وآثار، وعملات، وبلطجية، وعملاء سابقين، لأمن دولة مبارك.. أطلقوا لحاهم، لحضور حفل تنكري شعاره: «الشرعية والشريعة»!
هم الأهل والعشيرة، وقد شب بينهم، فتشربت نفسه مبادئهم المقيتة، ورضع معهم، سموم الكراهية، بعد أن بايع وأقسم على المسدس قبل المصحف، وتعلّم على أن ينحني، لتقبيل يد المرشد.
صعب أو فلنقل: إن المستحيل بعينه، أن يخرج مرسي، عن كونه ابن جماعته.. الجماعة التي لم تؤمن يومًا، إلا بشرعية الإرهاب، والطعن في الظهر، وعض اليد التي تمتد بالسلام.
قاتل النقراشي، كان إخوانيًا شابًا، ومطلوبًا للبوليس السياسي، فأصدر القتيل عفوًا عنه، قائلًا مقولته التي أحيته، وقتلت قاتله: «أنا أب وأخشى أن أفجع والدًا في فلذة كبده»، لكن هذا التسامي لم يشفع، والسادات قتله غدرًا الذين أخرجهم، من السجون.
الذي وُلد يزحف، ليس بوسعه الطيران.. الطبيعة لها قوانين، والحيوانات المفترسة، لا يمكن أن تعقد مع الأيائل، معاهدة سلام، فتتحول إلى مخلوقات نباتية، وهكذا الإرهابي الذي أصبح رئيسًا.
لن يصبح شرعيًا لأنه كرر مفردة الشرعية، نحو مائة مرة، في خطابه أمس.. حتى حسبنا أن «الشريط سف»، فهو لا يعرف إلا شرعية الإرهاب والخراب، والعمل السري، والاغتيالات السياسية.
كل ما حدث بعد خطاب التحريض، من فوضى دموية، كان متوقعًا، وكل الذين تساقطوا، ممن نحسبهم شهداء، في شهر حرام، من هذا الطرف أو ذاك، في رقبة مرسي، الذي لم يفهم بعد، أن رأس نظامه وتنظيمه، صار قاب قوسين، أو أدنى، من المقصلة، وأن مصر ستنتصر لا محالة، وستخرجه وجماعته، كما يخرج الصديد من الخراريج.. وفي هكذا عملية، يكون بعض الألم ضروريًا، حتى يحدث التطهير