للكاتب الكبير الراحل «كامل زهيري» حكمة المفروض أن تصبح دستوراً لكل من يعمل بالصحافة وهي «اقرأ كأنك تعيش أبداً واكتب كأنك تموت غداً».. ولهذا تعودت عندما تفوتني قراءة بعض المجلات أن أحتفظ بها وأعود إليها عندما أجد متسعاً من الوقت.. وهكذا وقع تحت يدي العدد الصادر قبل نحو شهر من مجلة «صباح الخير» وتوقفت مع باب «سماعي» للكاتب اللامع «مفيد فوزي» أذهلتني تلك الفقرة التي يقول فيها هل سحنتي أم ملتي أم مهنتي السبب في عدم إعادة بث برنامج «حديث المدينة» وينهي الفقرة مستبعداً السحنة والمهنة مؤكداً أنها «الملة» ورغم أن الأعراف الصحفية تأبي بالكاتب أن يتناول قضية شخصية هو فيها طرف صاحب مصلحة إلا أنني سوف أتجاوز عن هذا السلوك الذي صار - مع الأسف - طابعاً مميزاً لكثير مما نقرأه حتي «شيوخ» المهنة صاروا كثيراً ما يحيدون عن هذا المبدأ.. ما أدهشني هو اللعب بورقة الدين أفهم أن يشعر بعض الأقباط في عدد من المواقع باضطهاد، ولكن «مفيد فوزي» كيف يضطهد طائفياً.. إنه استغلال سيئ جداً لسلاح أعتبره هو وأسلحة الدمار الشامل سواء.. أنا أري أن الكثير مما يبدو ظاهرياً اضطهاد ديني فإن جذوره تتغذي من أرض الفساد.. الطائفية أحد أعراضها لكنها ليست هي الأصل.. الفساد يطول المسلمين والأقباط.. ولا أتصور بالمناسبة أن هناك من يقترب من «مفيد فوزي» أو حتي يجرؤ علي ذلك ولماذا؟ الرجل قريب من السلطة يتوافق مع قراراتها وبرنامجه «حديث المدينة» وقف وراءه قبل ربع قرن وزير الإعلام الأسبق «صفوت الشريف».. كان البرنامج هو فاكهة التليفزيون وجاء «مفيد» بأسلوب مغاير جرأة غير مسبوقة أتحدث عن الزمن الماضي، ولكن مع انتشار الفضائيات صار البرنامج وأسلوب «مفيد» من أخوات «كان».. استمرار البرنامج بعد ما اعتراه من ضعف يبدو هو اللغز الحقيقي وليس عدم إعادة عرضه.. أتفهم بالطبع دوافع «مفيد» وهو يقاتل بشراسة ويذود عن برنامجه إلا أن استخدام سلاح «الملة» مرفوض فهو أشبه بضربة استباقية وكأنه يقول لقيادات «ماسبيرو» لو لم تعيدوا البرنامج فهذا اضطهاد طائفي.. ماذا لو قرر التليفزيون مثلاً إلغاء البرنامج بالتأكيد سوف يعتبرها «مفيد» طبقاً لهذا المعيار جريمة طائفية وكأنه حادث نجع حمادي في «ماسبيرو».. ينبغي لمن هم في مكانة «مفيد» أن يملكوا رؤية أعمق في التحليل ويراجع مثلاً مخرجاً مثل «داود عبد السيد» عندما قررت الرقابة اعتبار فيلمه «رسائل البحر» للكبار فقط.. بينما أجازت لخالد يوسف فيلمه «كلمني شكراً» بدون أي محاذير رغم ما به من مشاهد صارخة لم يقل «داود» هل السبب «ملتي» لأنه يدرك أن اختلال المعايير وفساد تطبيقها هو الدافع وراء قرار الرقابة.. أستاذ «مفيد» لا تعبث بالكبريت، لأن بنزين الطائفية قابل للاشتعال في أي لحظة!!