أدلى الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما بتصريحات في غاية الأهمية والخطورة. هذه التصريحات قديمة مثل العالم، وتكمن أهميتها وخطورتها لا في قيمتها ومقاصدها ومعانيها، بل في التوقيت فقط. فبمجرد أن أعلن، في مؤتمره الصحفي المتعلق بقضايا ما يسمى بمكافحة الإرهاب، أن "الغرب ليس في حالة حرب مع الإسلام، والإسلام ليس في حرب مع الغرب، على الرغم من وجود أيديولوجية معينة ترى العكس"، أدركت أنه لا ينوي الكذب فقط، بل سيواصله ويمعن فيه. هذا الأكليشيه قديم وممجوج، ولا يعرف أحد إلى مَنْ يوجهه بالضبط: للإرهابيين الذين صنعتهم الإدارات الأمريكية المتعاقبة، أم للأنظمة الاستبدادية التي كانوا يدعمونها في السابق، أم للأنظمة الدينية التي يصنعونها الآن، أم للمواطنين الذين يعتنقون الديانة الإسلامية؟! من الواضح أن هذا الأكليشيه، من شدة التباسه، موجه للجميع، ولا يقصد به إلا تبرير كل ما تقوم به الولاياتالمتحدة وحلفها الأوروأطلسي وحلفائها الصغار من تدمير لشمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
الرئيس الأمريكي أوباما أكد أنه أمر برفع السرية عن المعلومات المتعلقة بتصفية أنور العولقي القيادي في تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، الذي قتل في غارة جوية أمريكية باليمن والذي كان يحمل الجنسية الأمريكية. وكذلك عن المعلومات المتعلقة بمقتل 3 مواطنين أمريكيين آخرين قتلوا في غارات الطائرات بدون طيار. وقال أوباما أن تصفية العولقي كانت ضرورية لأنه "كان يخطط لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الولاياتالمتحدة، ولم يكن من الممكن القبض عليه". ومن أجل حبك القصة وإمعانا في الإقناع، أشار إلى أنه "لا يحق للدولة قتل مواطنيها من دون محاكمة قانونية".
إذن، كان من الممكن أن يواصل العولقي جهاده في حال إذا لم يكن يخطط لعمليات إرهابية ضد الولاياتالمتحدة! وهو بالفعل كان يعيش حياته العادية وجهاده ضد أي دولة أخرى وضد أي شعب آخر قبل أن تقرر واشنطن أنه يستهدفها من جبال اليمن! المسألة هنا تتعلق برؤية الولاياتالمتحدة للعالم باعتباره منطقة مصالح قومية لها. وفي الوقت نفسه تجريدها لهذا العالم لدرجة أن حياة أي إنسان غير أمريكي ليس لها أي قيمة.
وتطرق باراك أوباما إلى موضوع الطائرات بدون طيار، وقال إن "استراتيجية استخدام هذه الطائرات كانت فعالة مع أن استخدامها أثار تساؤلات كثيرة". وأكد أن "تفادي سقوط ضحايا من بين المدنيين سيكون من أولويات الإدارة الأمريكية أثناء اتخاذ القرارات بشن غارات بها". وأضاف بأ "الولاياتالمتحدة قد أنفقت خلال العقد الماضي تريليون دولار على حربها ضد الإرهاب، وفقدت نحو 7 آلاف شخص في هذه الحرب".
إن الإدارة الأمريكية تحاول أن تغسل ضميرها، على طريقة أفلام هوليوود، من دماء عشرات الآلاف الذين قتلوا في غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار. وإمعانا في الكذب والتدليس وخلط الأوراق، يحصي أوباما أمواله وقتلاه من "الجنس الأبيض". والجنس الأبيض هنا ليس له علاقة إطلاقا بلون البشرة. فهل يمكنه أن يحصي عدد القتلى المدنيين في أفغانستان وباكستان والعراق واليمن وليبيا؟ السيد أوباما لم ينتبه لأولويات "عقيدة الكذب والتدليس"، فذكر خسائره من الأموال قبل الأرواح. هذه هي العبارات التي تفضح أصحابها مهما ارتدوا ثياب الفلاسفة وحصلوا على جوائز نوبل! ومع ذلك يتطرق سؤال برئ تماما للذهن: هل صرفت الولاياتالمتحدة، وتصرف الآن أيضا، على حروبها في أفغانستان وباكستان والعراق وليبيا وسورية من خزائنها الخاصة؟! لقد حول أوباما قضية معتقل جوانتانامو إلى قضية سياسية بيروقراطية داخلية عندما كاد يبكي بسبب أن الكونجرس هو الذي منعه من إغلاق المعتقل!
قد تكون كل هذه التساؤلات ساذجة أو مثالية أو قديمة، ولكنها مشروعة وتمتلك الحق في الوجود، طالما عجلة الكذب والتدليس تكرر دوراتها بوقاحة. فالسيد أوباما يمهد، كأي تاجر ومرابي كذاب، للدخول إلى بيت القصيد. إذ يقول في معرض حديثه عن السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط "يجب أن ندعم التحولات في مصر وتونس وليبيا"، ثم يؤكد على ضرورة دعم المعارضة في سورية، مشيرا إلى أنه يجب مع ذلك عزل المتطرفين. وبعد ذلك يقول إن "النظام الاستبدادي في سورية يجب ألا يحل محله المتطرفون".
أي تحولات يقصد السيد باراك حسين أوباما في مصر وتونس وليبيا؟ وهل دعم التحولات في هذه الدول الثلاث هو نفس الدعم للمعارضة السورية؟ وعن أي متطرفين يتحدث، وهو الذي يعرف أن سكان المكتب البيضاوي السابقين هم الذين صنعوهم وأطلقوهم. ويعرف أيضا أن قادتهم كانوا يعيشون في كنف حلفائه الأوروبيين ولهم علاقات بيزنس مع شركات ضخمة أمريكية وأوروبية ولهم علاقات أخرى بأجهزة أمنية مختلفة في أمريكا وأوروبا. ويعرف أيضا أنهم عادوا إلى مصر وتونس وليبيا بعلم أجهزة استخباراته واستخبارات وسفن حلف الناتو أيضا، وإن كان لا يعلم، فالمصيبة مصيبتان!!
إن الرئيس الأمريكي يدرك جيدا أن المتطرفين الذين يقصدهم لن يأتوا إلى الحكم لا في سورية ولا في غيرها، لا لسبب آخر إلا لأنهم أكثر جدوى لواشنطن وهم في وضعهم الحالي. وأن من تريده الولاياتالمتحدة في السلطة، تحت غطاء الصناديق والديمقراطية، لا يختلف كثيرا إلا ملابسه الخارجية!!!