أخذ يتطلع في وجه زوجته الشاحب، وقد راحت في غيبوبة بعد أن وضعت مولودتها منذ أسبوع، انحدرت الدموع ساخنة من عينيه، كأنها قطرات المحلول المغذي تتساقط قطراته في وريدها، وأجهش بالبكاء وهو يتذكر ما حدث في الأسبوع الأخير.. حدثته زوجته منذ أسبوعين حين كان في عمله في الخليج، لتخبره أنها ستدخل إلى المستشفى لتضع مولودتها، فعاد إلى مصر ليكون بجانبها، لم يعرفها حين رآها في المطار بعد ستة أشهر من غيابه، صُعِق عندما أتت إليه تناديه باسمه، فقد فقدت كثيرا من وزنها، ووجهها الذي كان يشع نضارة وتألقا، برزت عظامه وتجعد جلده، وغارت عيناها السوداوان وذبلتا، وبدت بطنها كبيرة ضخمة لا تتناسق مع جسمها الرفيع.. وحكت له ما حدث في الشهور الستة الماضية..
عندما كانت في شهر حملها الثاني؛ أحست بورم صغير في ثديها الأيمن، واستشارت الأطباء الذين صارحوها بالحقيقة الفاجعة؛ الورم في ثديها هو سرطان من نوع شديد الخبث، ويجب أن تبدأ حالا في تلقي العلاج الكيميائي، وأرادوا أن يجهضوا حملها لأنه لا يجوز تلقي جرعات العلاج وفي بطنها جنين، ولكنها رفضت رفضا قاطعا أن تستجيب لأمرهم، وقررت إكمال الحمل مهما كانت النتيجة..
لم تخبر أحدا حتى زوجها وأمها، وقضت الشهور التالية في حديث مع نفسها، ومع الجنين الذي ينمو في بطنها: أريد أن أكون أما لك يا حبيبي، فقد طالت فترة انتظارك، خمس سنوات من المحاولات حتى حملت، فكيف أضحي بك ؟ من أجل حياتي أضحي بحياتك ؟ أبدا.. لقد حزمت أمري وقررت يا حبيبي.. لن أضحي بك حتى لو كان الثمن حياتي. اقترب موعد الوضع، وعندما نظر الطبيب إلى صور الأشعة المقطعية، قال لها في يأس: لقد انتشر الداء انتشارا رهيبا في جسمك.. فسألته متلهفة: هل هناك أي خطر على ابنتي ؟ فأجاب: لا.. ولكن يجب أن نبكر بالولادة، وقد تتاح لنا فرصة أمل، كان يجب.. قاطعته: يا دكتور.. لن أقتل ابنتي حتى لو انتشر الورم في جسمي كله. ويفعل الله بي ما يشاء.
أدخلها إلى المستشفى، ووضعت مولودتها، تشبهها تماما كأنما ولدت نفسها، وحين رأتها ابتسمت ابتسامة باهتة: أخيرا حبيبة قلبي.. اللقاء يوم اللقاء.. وأغمضت عينيها وراحت في الغيبوبة..