«عسكر.. عسكر ليه..هو إحنا في سجن ولاَّ إيه» هتاف يعبر عن الدهشة من وجود العساكر في كل مكان تريد فيه مجموعات من المصريين التعبير عن الرأي. وأمس لم يكن الهتاف ضد السلطة ولا مبارك ولا حتي نظيف. فقط، عشرات النساء ...في مسيرة احتجاج علي ما حدث في الكويت. لماذا تغلق شوارع الدقي المحيطة بالسفارة؟ لماذا اصطفت حشود جنود الأمن المركزي بملابسهم الجديدة وشكلوا حائط صد لكي لا يصل المحتجون إلي السفارة أو السفير الذي قال للصحف إنه كان في انتظارهم؟ وإذا لم يكن للحكومة المصرية علاقة برحيل مؤيدي البرادعي من الكويت لماذا تمنع قوات الأمن المركزي الاحتجاج علي السفارة؟ هل لم يعد النظام يتحمل 30 شخصًا في الكويت يريدون التغيير و200شاب في القاهرة يطالبون بإلغاء الطوارئ وتعديل الدستور؟ هل يعي النظام تأثير الاختناق الذي يشعر به المصريون في الداخل والخارج؟ وأن هذه هي المرة الأولي التي تلتقي فيها مشاعر الداخل والخارج باتجاه هدف: التغيير؟ النظام غالبا في حالة متوترة ولا يلتفت إلي أنه حوَّل البلد كله إلي سجن كبير..أسوار بشرية مزروعة تلقائيًا في كل مكان.. وجوه تختلط فيها القسوة بالدهشة وخوذات وعصي كهربائية وواق بلاستيكي ينتصب للضغط علي المتظاهر ووضع حد لحركته. بهذه الزنازين المتحركة تحاصر أصغر حركة.. ولو كانت احتجاجًا علي انتهاك حق المهاجرين في تكوين روابط اجتماعية وسياسية. احتمت السفارة والسفير وراء السجون المتجولة، لأن الكويت تضامنت مع نظام مبارك وألقت القبض علي 30 مصريًا يوم الجمعة الماضي أثناء محاولتهم تشكيل فرع للجمعية الوطنية للتغيير التي أعلنها الدكتور محمد البرادعي بعد استقراره في القاهرة . ماعلاقة الكويت بصراع سياسي علي أرض مصر؟ لماذا تفرق بين مصريين علي أساس مواقفهم السياسية؟ هل تريد أن تقول إنها تستقبل فقط من يؤيد الرئيس مبارك؟ وهل مَنْ يؤيد مبارك لا يعمل بالسياسة ومَنْ يؤيد البرادعي يخترق قانون الكويت؟..السفير الكويتي قال في تصريح غريب إن الذين تم ترحيلهم خالفوا قانون بلاده!. وأعتقد أنه لا يقرأ جيدًا المواثيق الدولية التي تمنح الحق للمهاجرين بالتعبير عن آرائهم.. وتكوين روابط سياسية واجتماعية..ولا يقرأ التاريخ القريب جدًا عندما كانت رابطة الطلاب الكويتيين أثناء محنة غزو صدام تعمل بالسياسة، كما أن روابط الطلبة الفلسطينيين في الكويت كانت أحد الملاعب الأساسية في تخريج دفعات المقاومة الفلسطينية. عن أي قانون يتحدث السفير ليبرر قطع أرزاق عشرات المصريين، لأنهم يريدون تغيير الواقع الذي أوصل البلاد إلي حالة الجمود والاحتقان؟ أي قانون يبرر حرمان المهاجر من كل حقوقه وطرده دون وجه حق ؟ الحقيقة أن «أمن الدولة» الكويتي أراد أن يرسل تحياته العطرة إلي شقيقه المصري بالقبض علي «الطليعة الأولي» من المجموعة المؤيدة للتغيير والبرادعي...لتخويف بقية ال «340» عضوًا الذين وقعوا علي بيان تأسيس الجمعية في الكويت. «التحيات الكويتية »...لم يسهل تفسيرها...البعض اعتبرها خوفًا من «العدوي» والبعض الآخر أشار إلي «تضامن» عضوي بين أمن الحكام العرب ...وهذا ما يشعرهم بالرعب في اللاوعي الذي يجعل «قرابة الاستبداد» فاعلة علي نحو يتجمع فيه الخصوم تحت مظلة الحماية من التغيير. بهذا المعني ساند الرئيس مبارك مثلا الرئيس السوداني البشير في أزمة المحكمة الدولية رغم الخلافات بين النظامين.. وهو ما يقيم جسور اللقاء حتي عندما تحدث إهانات للشعوب من أنظمة البلدين كما يحدث عادة للمصريين في السعودية والكويت.. تبرز «قرابة الاستبداد» في مواجهة الدفاع عن حقوق «الشعوب». وهناك عامل آخر وهو أن أغلب الأجهزة الأمنية العربية تلقت دروسًا مصرية ( عامة وخاصة) ويبدو أن هذا وقت «رد الجميل»، وهو ما قامت به أجهزة الأمن الكويتي عندما رحلَّت 17 مصريًا ...وساومت البقية وأجبرتهم- حسب روايات المصريين هناك - علي توقيع تعهدات بعدم العودة إلي «خطيئة» تأييد التغيير. الجديد هو أن المصري المذعور أصلا علي لقمة العيش والمهاجر خلفها من بلده إلي مدينة يعيش فيها عبودية الكفيل تحرر نفسيًا ولم يفكر فيما ينتظره.. ربما لحظة طيش أو فوران جماعي لكنها لحظة أقلقت عاصمتين عربيتين ووحدت بينهما في لحظة...وكشفت عن تعاون غير معلن يجعل وزراء الداخلية العرب هم أكثر المسئولين من حيث عدد اللقاءات المشتركة ومن حيث جدية تنفيذ الوعود المشتركة..إنهم صناع عروبة القهر الخالدة.