بدءالجلسة الافتتاحية للمؤتمر القانوني الثامن للجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبي    اليوم.. غلق باب التقديم لوظائف دباغة الجلود بالمملكة الأردنية الهاشمية    مكافأة وعتاب.. محمد رمضان يمنح طالب 50 ألف جنيه ويوجه له رسالة مؤثرة    التضامن الاجتماعي تنظم برنامجا تدريبيا تنشيطيا للعاملين بإدارات الجمعيات    طرح خراف وأبقار حية بشوادر الشركة القابضة للصناعات الغذائية.. اعرف الأسعار    قنا تعلن خلو الأغنام من أي أمراض وبائية    رئيس الوزراء يشهد فعاليات الاحتفال بمرور 123 عامًا على إطلاق خدمة الإسعاف في مصر    البرلمان يناقش قانوني انتخاب مجلس النواب وتنظيم مياه الشرب والصرف الصحي    وزيرة البيئة ونظيرتها الفرنسية تناقشان تعزيز ملف مواجهة التلوث البلاستيكي    وزير الزراعة ومحافظ الوادي الجديد يبحثان فرص الاستثمار في المحافظة    ارتفاع عدد شهداء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة ل 21    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    مهندس صفقة شاليط: نتنياهو مدفوع باعتبارات سياسية ويمنع عمدا اتفاقا مع حماس    صحيفة أمريكية: إدارة ترامب تحاول إقناع الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على الواردات الصينية    وكيل رياضة الدقهلية تهنئ عبد اللطيف منيع الفائز ببطولة كأس وزير الرياضة بالسعودية (صور)    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز.. رمضان وإبراهيم وماييلى بالهجوم    حرس الحدود بوابة سيراميكا للمربع الذهبي في الدوري    ماجد سامي: زيزو فقد لقب أسطورة الزمالك.. وإمام عاشور لا يُشبه الأهلي    تجديد حبس عاطل بتهمة تكدير السلم والأمن العام    إنفوجراف| «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الأحد 25 مايو 2025    الداخلية تضبط 368 قضية مخدرات وتنفذ 87040 حكم قضائى خلال 24 ساعة    8 ضحايا في قلب النار.. قصص مؤلمة من فاجعة انفجار خط غاز الواحات    الداخلية تضبط 35710 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    ضبط عملات أجنبية بقيمة 7 ملايين جنيه فى السوق السوداء    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول 6720 حاجا من بعثة حج القرعة إلى المدينة المنورة    سيكو سيكو يواصل التراجع في شباك التذاكر اليومي    بعد انتهاء التصوير.. "روكي الغلابة" في طريقه للسينمات بصيف 2025    أُحد يحبنا ونحبه.. هنا استشهد حمزة عم النبي في المعركة الشهيرة    بدء التطبيق الفعلي لمنظومة التأمين الصحي الشامل في أسوان 1 يوليو المقبل    الرعاية الصحية تبحث الاستفادة من التجربة السويسرية داخل مستشفيات جامعة جنيف    إيفاد 11 طبيبًا إلى الصين و8 ل«تايلاند» ضمن برامج تدريبية متقدمة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    موسم تاريخي ل"رجال يد الأهلي" بعد التتويج ب6 بطولات والابطال يتحدثون    13 لاعبا ولاعبة يتأهلون لربع نهائي بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    ضربات روسية غير مسبوقة على كييف: 14 صاروخًا باليستيًا و250 مسيّرة تُشعل سماء العاصم    محافظ أسيوط يتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية بجامعة بدر    السكة الحديد: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير في إطار المشروعات القومية    نبيلة مكرم عن شيخ الأزهر:" ما بقلوش غير أبويا وما استحملش عليه كلمة"    أخصائية اجتماعية تكشف أسباب ظهور سلوكيات عصبية الأطفال    د. هشام عبدالحكم يكتب: خد وهات.. لتبسيط المفاهيم الصحية    ميلاد جديد ل«تاريخ لا يغيب».. العالم يترقب «سيمفونية الخلود» على أرض الأهرامات    تعاون شبابي عربي لتعزيز الديمقراطية برعاية "المصري الديمقراطي"    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    رابط نتيجة الصف الأول الابتدائي بالقاهرة 2025 وخطوات الاستعلام عبر بوابة التعليم الأساسي    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    بينهم الشرع، الخزانة الأمريكية تصدر ترخيصا عاما بالتخفيف الفوري للعقوبات على سوريا    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف خيمة تؤوي نازحين في منطقة الصفطاوي بمدينة غزة    صلاح سليمان: مباراة بتروجت مهمة للزمالك لاستعادة الانتصارات قبل نهائى الكأس    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. جوتيريش يرفض أى خطة لا تحترم القانون الدولى بشأن قطاع غزة.. ترامب يتوعد "أبل" ب25% رسوم جمركية.. وإصابة 12 فى هجوم بسكين بمحطة قطارات هامبورج بألمانيا    مصر تعيد 71 مواطنا مصريًا من ليبيا    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    "الثقافة" تصدر "قراءات في النقد الأدبي" للدكتور جابر عصفور    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام عبد الصبور شاهين يكتب: المصريون في زمن المسخ!
نشر في الدستور الأصلي يوم 12 - 04 - 2013

مسخ الشيء أي قبّحه وشوّه صورته، وقد وردت جملة على لسان زكي بك في رواية (عمارة يعقوبيان) لكاتبها علاء الأسواني، حين كان يصف الزمان المصري: إحنا في زمن المسخ، وبرغم أن زكي بك كان يترنح سكرانا من كثرة ما شرب، وهو يردد هذه الكلمة المؤلمة؛ فقد وصف زماننا المصري من 1954 إلى 2011 بوصفه الحقيقي.. هل تظنني عزيزي أتجنى على بلادنا وزمانها ؟ خد عندك..

مسخ المصريون أرض بلادهم الخضراء، فأصبحت مسخا متعدد الألوان، كئيب الطلعة، تعلوها المباني والعمارات، دون أدني لمحة من فن أو ذوق في الشكل أو التصميم أو الألوان، أو راحة لعيون الناظرين.

مسخ المصريون آثارهم؛ أثمن ما ترك لهم أسلافهم، فبنوا حولها مساكنهم، وأكلت قواعدها مياه صرفهم، وأهملت وزارات الثقافة المتعاقبة متاحفهم، فأصبحت مبانيها قديمة متهالكة، وسرقت محتوياتها وهربت وبيعت لحساب الكبار والحكام.

مسخ المصريون زراعتهم، بعد أن كانت بلادهم تطعم العالم حبوبا وقمحا، وتكسو العالم كتانا وقطنا، أصبحت تأكل القمح المستورد، ويلبس أهلها الملابس المستوردة، وبارت الأرض، وفشِل الزرع ونشف الضرع، واعتمدنا في زراعتنا على (خبرة) اليهود التي قصمت ظهرها، واعتمدنا في غذائنا على القرض، لا على الأرض.

مسخ المصريون نيلهم، هبة الله لهم عبر تاريخهم، فبنوا السد العالي نقطة ضعفهم على مجراه، وجاروا على أراضي واديه فزادوها ضيقا، وصرفوا سموم مصانعهم وقذارة مجاريهم في مياهه، وبعد أن كان النيل معبود الفراعنة ومقدس الأقدمين؛ أهانه ومسخه المصريون المحدثون.

مسخ المصريون أخلاقهم وقيم حياتهم، فانقلب الصدق خيبة، والإخلاص في العمل أصبح هبلاً، والتنطع والتبطل أصبحا نصاحة وذكاء، وانعدمت لديهم الرغبة في العمل، وحلت مكانها الفهلوة واقتناص الفرص والسمسرة والعمولات.

مسخ المصريون قواعد دينهم، فقصروه على المظاهر الشكلية والقشور الخارجية، وأهملوا قيمه وأسس عقيدته، إلى درجة أن نسي الكثير منهم يوم القيامة، فانتشر سب الدين، وسب الأحياء والميتين، وأصبح ما نمارسه من الدين بضع شعائر يمارسها الأفراد، ولا تؤثر على تصرفاتهم وسلوكياتهم.

مسخ المصريون فن عصورهم الذهبية، فكوميديا الريحاني وإسماعيل ياسين، أصبحت بالمسخ إفيهات جنسية ونكات قميئة، وروائع أم كلثوم والسنباطي؛ قلّدها المغنون والممثلون بأصواتهم المنكرة، وسرق مقدمو البرامج الساخرة تحف عبد الوهاب الوطنية، فأسقطوا على ألحانه الرائعة كلماتهم السخيفة الضائعة.

مسخ المصريون الشخصيات البارزة في المجتمع، فالمُعلم الذي طلب أحمد شوقي القيام له تبجيلا لأنه كاد أن يكون رسولا، شاهت صورته في عقول أجيال (مدرسة المشاغبين)، فأصبحت شخصية المعلم مهزأة مهينة، وتدهورت قيمته معنويا واقتصاديا، والشيخ والمتدين أهينت شخصيته في الأفلام والمسلسلات، والمأذون – باعتباره رمزا للدين – حرص مخرجو الأفلام على إضحاك المشاهدين على هيئته ولغته وطريقته، ورأينا شيوخا يسبون الناس على الفضائيات، ورأينا مشاهير يدعون إلى حرية الشذوذ الجنسي.

مسخ المصريون الألقاب التي يلحقونها بالأسماء، فأصبح كل من هب ودب باشا، والسباك والميكانيكي باشمهندس، وبتاع الكشري ومبلط السيراميك دكتور، والممثل الكوميدي أصبح مفكرا، والمحاسب أصبح داعية، والضابط المتقاعد خبير أمني أو خبير استراتيجي، والشاب الصايع خبير أناركي، والمحامي أو كاتبه مستشارا، ومجهولون نكرات أصبحوا فقهاء دستوريين.

مسخ المصريون مظاهر الفرحة والسعادة، واختزلوها لتتراوح بين الضوضاء والإزعاج، فانتشرت أجهزة (الدي جي) في ربوع الوطن لتستخدم في كل مناسبات الأعراس والأعياد، وافتتاح المتاجر والمحلات، وأصبحت مكونا أساسيا في المقاهي والمطاعم والمتنزهات العامة، ناشرة الضوضاء والفوضى والنشاز.

مسخ المصريون التعامل مع الطريق على كل مستوياته ومستوياتهم، راكبين وسائقين وراجلين، فأصبحت شوارع مصر وطرقها مقالب زبالة، وبعد أن كانت القيادة (فن وذوق وأخلاق)؛ أضحت القيادة فَتْوَنة وبلطجة وقلة أدب.

مسخ المصريون حدائقهم المزهرة التي ورثوها عن عصور الملكية الزاهرة، فأهملوها وسرقوا نادر نباتاتها وأشجارها، ولم يرعوا الله في رعايتها وسقايتها والعناية بها، فأضحت خرائب تنعق الغربان على أغصانها، وتنعي أخضر أيامها الخوالي.

مسخ المصريون نظام تعليمهم، وبعد أن كان معلمو وأطباء ومهندسو وعمال مصر هم من يبنون الدول؛ أصبحوا لا حول لهم ولا قوة ولا تأثير، وأضحت جامعاتهم لا قيمة لها بين جامعات العالم، لتدهور مستوى التعليم الأساسي والفني والجامعي.

مسخ المصريون نزاهة القضاء المصري العتيد، فقضاة اليوم هم من أشرفوا على جميع انتخابات واستفتاءات العهد السابق، فهل تغيروا بين عشية وضحاها ؟ أبدا هم ذات القضاة الذين عُيّن معظمهم في سلك النيابة والقضاء بالوراثة عن آبائهم، وبالوساطة والمحسوبية علشان خاطر أرباب نعمتهم، على حساب أقرانهم من النابهين المستحقين المظلومين، الذين لا ينتمون إلى العائلات القضائية، أو إلى الوساطات النيابية.

مسخ المصريون لغتهم العربية التي كانت، واستحدثوا في إعلامهم ومجلاتهم وصحفهم اللهجة العامية، وأهملوا تدريس العربية في المدارس والجامعات، فضعفت لغة الأجيال الناشئة، وضعف معها انتماؤهم إلى بلادهم، وطغت لغات الغرب على لغة القرآن، حتى كتب المصريون الألفاظ العربية بالحروف اللاتينية، وانقرض أدباء وشعراء ومفكرو وفلاسفة العربية من المجتمع الأدبي والعلمي واللغوي.

مسخ المصريون جميع العلاقات بينهم، علاقة رجل الشرطة بالمواطن، علاقة المالك بالمستأجر، علاقة صاحب العمل بالعامل، علاقة المسؤول بسائليه، علاقة الموظف بوظيفته، علاقة نائب البرلمان بناخبيه، علاقة رجال الأعمال بمال الدولة ومال الشعب، علاقة المسلمين بالمسيحيين.. علاقة المصريين بمصر..

والآن.. وبعد أن مر أكثر من عامين على الثورة، يحاول بعضنا هذه الأيام تقييم نتائجها، وهنا كانت الصدمة، فلا الثورة آتت ثمارها، ولا حتى رأينا أو شعرنا بأي آثار لأي إصلاح في هيكل الدولة، فالمسوخ أحاطت بنا من كل جانب، وتشابكت أذرعها وقرونها وذيولها وفلولها، لتخلق حولنا مسخا رهيبا، وكلما بدت في الأفق خطوة في الاتجاه الصحيح؛ تدافعت إليها المسوخ لتجهضها، وكلما بدأت محاولة للإصلاح؛ تكاثرت أذرع المسوخ الشيطانية لتنال منها، وهو ما نراه واضحا جليا في حياتنا هذه الأيام.

أنظر حولك عزيزي، لترى ما أصبحت مصر فيه بعد حكم مبارك، وستجد أننا مسخنا بأيدينا؛ عبر ستين عاما من الحكم الديكتاتوري؛ كل قيمة، وكل مبدأ، وكل إنجاز، وكل ثقافة، وكل مَعْلَمٍ من معالم حضارتنا، ومع كل وجوه حياتنا التي مُسخت، وفي معمعة المسوخ التي أحاطت بنا من كل جانب، فقدنا الثقة بكل ما ومن حولنا، لكننا أبدا لن نفقد الثقة في الله تبارك وتعالى.

لقد قام بالثورة المصرية مصريون قاوموا عوامل المسخ التي سلطها الحاكم الظالم المتآمر على شعبه لعشرات السنين، وكانت المفاجأة التي أذهلتنا أن المسخ قد طال كل مناحي حياتنا، من الهواء والماء حتى ضمير الإنسان المصري، ولن تقوم لنا قائمةٌ إلا بأن نتخلص من كل هذه المسوخ الهائلة، بتقطيع أذرعها الشيطانية بالطريقة القرآنية: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) - الرعد 11، ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) - الحج 40.. وإسلمي يا مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.