لأن الصمت على الجريمة أحيانًا يكون جريمة أكبر، تخرج التسريبات من ملف تحقيقات جريمة رفح، لتؤكد أن صمت الرئاسة والحكومة وراءه جريمة أكبر للتواطؤ على دماء شهداء من شباب مصر ذهبوا لخدمة الوطن، ولم يلعقوا الأحذية للحصول على جنسية أخرى تعفيهم من أداء الخدمة العسكرية، ولم يسعدهم الحظ بالمرور صدفة على أبواب وزارة أنيقة ليجدوا إعلان وظائف، ويحصلوا عليها بعد شهور من تخرّجهم، بينما الملايين بلا عمل من سنين، فكان التآمر على دمائهم ثمنًا لصراع تجار الدين والسياسة على الحكم. وبعد مقتل 16 من جنودنا فى رفح فى أثناء تناولهم إفطارهم على أيدى ملثمين مسلحين فى رمضان الماضى، وانطلاق عمليات الجيش لملاحقة أوكار التطرف المسلح الذى ترعاه الحركات الدينية، تراجعت الرئاسة عن تأكيداتها السابقة بأن تعلن نتائج التحقيقات من داخل الرئاسة، وتكشف المتورطين فيها، وهو ما سبق وأكده من قبل المتحدث الرئاسى السابق ياسر علِى، فى كل مرة كان يوجّه إليه سؤال عن التحقيقات، أما المتحدث الحالى أو أحدهما الوزير المفوض، وهو عمرو عامر، فقد رفض الإجابة عن سؤال عن مصير تحقيقات جريمة رفح، فقال هذا تُسأل عنه النيابة ولا دخل للرئاسة بالتحقيقات.
ولم يتّضح من المتحدث الرئاسى ما إذا كان غير مدرك بموقف سابق للرئاسة وتمسكها بأنها الجهة التى سيعلن منها نتائج التحقيقات أم أنه موقف جديد للرئاسة بإغلاق السيرة ولحس الكلام والتعهدات السابقة، وعندما لفتت «التحرير» نظر المتحدث إلى هذا التعهّد، قال: إذن عندما تنتهى التحقيقات نعلنها.
أما القوات المسلحة فتواجه أكثر من معركة فى آن واحد، أولها معركة مع الفصيل الذى يسعى بقوة إلى تفكيك الجيش ونشر الشائعات حوله وحول قادته، ومعركة مع أنصار فصيل فى غزة، الذين تبجّحوا من داخل القاهرة وأعلنوا فى تحدٍ: لماذا سمح لنا الجيش بالدخول إذا كنا قتلنا جنوده؟ ومعركة لحفظ وحدة وسلامة الأراضى المصرية مقابل وعود بلفور جديدة، يمنح مَن لا يملك لمن لا يستحق أراضى فى سيناء لحماس وأراضى فى حلايب للسودان، مقابل أمن الطائفة الإخوانية وبقائها فى الحكم من جهة وتزويدها بمحاليل دعم أى طعم لتبقى على قيد الحياة على كرسى الحكم.
القوات المسلحة تعرف من قتل الجنود فى رفح، لا شك فى ذلك، وما ذكره الخبراء العسكريون والكتاب المقربون من المؤسسة العسكرية عن أوامر وتوجيهات لعدم إعلان نتائج التحقيقات لا شك فيه، وما قاله وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى قبل أسابيع يؤكد ذلك، عندما خرج بتصريحات مفاجئة للرد على ادعاءات حماس، التى أعلنوها فى «الجزيرة»، وقال «لن ننسى مَن قتلونا ونحن صائمون فى رفح» و«الغدر سينكشف» و«لا بد من الانتقام»، وتحليل هذه العبارات يؤكد أن الجناة والمحرضين أصبحوا معروفين لأن كلمات السيسى أشارت إلى عدم نسيان مَن قتلونا أى أنهم معروفون وتأكيد الانتقام لا يكون من أشباح أو أوهام بل من أشخاص أو جهات محددة، أما ماهية هذه الجهات فتكشفها عبارة: الغدر سينكشف.
وبعد القنابل التى فجرتها تسريبات المخابرات عن تورط عناصر من حماس فى جريمة رفح والتى لم تجرؤ أى جهة رسمية مصرية على الخروج لنفيها، جاءت تأكيدات جديدة تشير إلى أصابع تلعب فى تقارير الطب الشرعى والتشريح التى تثبت الكشف عن هوية خمسة من منفّذى المجزرة، بينهم أربعة فلسطينيون، وفقًا لما أعلنه اللواء سامح سيف اليزل مدير مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية، والذى أعلن فى تصريحات لإحدى الفضائيات أن الطب الشرعى المصرى تعرّف على هويات خمس جثث من منفذى حادثة رفح، مشيرًا إلى أنهم 4 فلسطينيين، وواحد مصرى من مرسى مطروح، وأضاف اليزل أن النيابة العسكرية لم يصلها تقرير الطب الشرعى حتى الآن، مما يلقى بتساؤل حول الدور الذى يلعبه الطب الشرعى فى تحقيقات قتل المصريين المتورط بها النظام أو مسؤول عنها وأجهزته.
اللافت أن تصريحات اليزل تتفق تمامًا مع ما سبق وأعلنه السفير حسين هريدى مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن لديه معلومات بأن التحقيقات انتهت والحكومة المصرية تعرف تمامًا من المسؤول، وأن العملية خطّطها ونفذها نحو 35 فلسطينيًّا لكن «الانتماءات الدينية الخاصة بها تمنعها من الكشف عنها». هريدى أكد أيضًا أن المعلومات متوفرة، ويجب على الحكومة المصرية أن تمتلك شجاعة الإعلان عن المسؤول الحقيقى عن هذه الجريمة.
وعلى مستوى التحرك الشعبى أقام المهندس حمدى الفخرانى، دعوى أمام القضاء الإدارى لإلزام د.مرسى والفريق السيسى ود.هشام قنديل، بالكشف عن نتائج تحقيقات مجزرة رفح، وقال فى دعواه التى حملت رقم 37909 ق، «حتى الآن لم يتم الإعلان عن المتسببين فى هذه الحادثة التى قُتل فيها أبناء القوات المسلحة رغم انتهاء التحقيقات ولم يُعرف مرتكبو الحادثة حتى الآن». وهى الدعوى التى أجّلتها المحكمة إلى جلسة 30 أبريل الجارى.