"القومي للمرأة" ينظم لقاء رفيع المستوي بعنوان" النساء يستطعن التغيير"    ضخ كميات كبيرة من اللحوم والدواجن بالمنافذ في قنا قبل عيد الأضحى    ياسمين فؤاد سكرتيرًا تنفيذيًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    بيان منسوب لمُهاجم موظفي سفارة إسرائيل في واشنطن: الفظائع في غزة تتحدى الوصف    حماس: الاحتلال يخطط لإقامة معسكرات اعتقال جنوب قطاع غزة تحت غطاء المساعدات    ترتيب الدوري السعودي بعد الجولة 33    أتلتيكو قد يجعل ألفاريز أغلى لاعب في تاريخ ليفربول    تحويلات مرورية بالجيزة لتنفيذ الأعمال الإنشائية الخاصة بمشروع الأتوبيس الترددى الذكى    تختاري الحب ولا التمثيل؟ رد غير متوقع من دينا فؤاد    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    سعر السكر اليوم الخميس 22 مايو 2025 داخل الأسواق والمحلات    نتنياهو: بناء أول منطقة لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة خلال أيام    لا سلام بدون دولة فلسطينية    تفاصيل خطة إسرائيل للسيطرة على غزة.. القاهرة الإخبارية تكشف: محو حدود القطاع    الهيئة القبطية الإنجيلية تطلق مشروع «تعزيز قيم وممارسات المواطنة» بالمنيا    م. فرج حمودة يكتب: سد عالى ثالث فى أسوان «2-2»    صلاح: شعور الفوز بالدوري الإنجليزي هذا الموسم ليس له مثيل    فيفا يرفع القيد عن الزمالك بعد سداد مستحقات بوطيب وباتشيكو    منتخب مصر في المجموعة الخامسة ببطولة العالم لسيدات اليد    أول رد من الزمالك على شكوى بيراميدز في «الكاس» (تفاصيل)    تعرف على موعد قرعة كأس العرب 2025 في قطر بمشاركة منتخب مصر    «المصريين»: مشروع تعديل قانون الانتخابات يراعى العدالة فى التمثيل    السجن المشدد 4 سنوات لصياد تعدى على ابنه جاره فى الإسكندرية    إعدام مواد غذائية منتهية الصلاحية وغلق وتشميع منشآت مخالفة بمطروح    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية: أي عمل روحي لا يمكن أن يدوم دون تعليم    ميرنا جميل تسحر محبيها بالأزرق في أحدث ظهور | صور    أهمية المهرجانات    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    علي جمعة لقناة الناس: توثيق السنة النبوية بدأ في عهد النبي.. وحي محفوظ كالقرآن الكريم    مكتب نتنياهو: ترامب وافق على ضرورة ضمان عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًا    "الأعلى للإعلام" يصدر توجيهات فورية خاصة بالمحتوى المتعلق بأمراض الأورام    9 عيادات طبية و3 ندوات توعوية بقافلة جامعة المنيا المتكاملة بقرية الريرمون    وزير الشباب والرياضة يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    المنطقة الأزهرية تعلن ختام امتحانات نهاية العام الدراسي للقراءات بشمال سيناء    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أسعار الفضة اليوم الخميس 22 مايو| ارتفاع طفيف- كم يسجل عيار 900؟    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    ماتت تحت الأنقاض.. مصرع طفلة في انهيار منزل بسوهاج    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عصام العريان يكتب: بناء نموذج ديمقراطي «5»
نشر في الدستور الأصلي يوم 29 - 03 - 2010

اتضح لنا من التاريخ الإسلامي أن المسلمين عرفوا المذاهب الفقهية المتعددة في فروع الفقه المختلفة، كالعبادات والمعاملات وبعض أحكام السيرة والجهاد وأقروا التنوع في الآراء، ومما يترتب عليه من اختلاف في القضاء بين الناس.
كما اتضح لنا أيضا أن المسلمين عرفوا المذاهب المختلفة في الأصول، كالعقائد والسياسة ومما هو معروف أن الحكم في الإسلام يعد في عرف العلماء من الأصول وليس من الفروع، ولكنهم ويا للأسف الشديد لم يتسامحوا في تلك التعددية، بل حارب بعضهم بعضا، وعذب بعضهم بعضا، كما حدث مع الإمام الجليل الممتحن «أحمد بن حنبل» في مسألة «خلق القرآن» علي يد قاض معتزلي هو «أحمد بن أبي داود» وخليفتين عباسيين «المعتصم، والواثق»، حتي فك قيده المتوكل.
إذن المطلوب بحثه ليس هو البحث عن وجود الأحزاب، بل هو الاعتراف بوجودها والاعتراف في حق كل مجموعة من المسلمين أن تلتقي سلميا للتداول في أمر المسلمين والرعية وطرح رؤيتها وبرنامجها للإصلاح علي الناس لحيازة ثقتهم.
وهنا يترتب عدة مسائل، أهمها:
1- الحق في المعارضة السلمية.
2- تنظيم الحق في التجمع السياسي السلمي.
3- الإقرار بمسئولية الحاكم وكيفية محاسبته وطريقة عزله سلميا والتوسع في ذلك وعدم الاكتفاء بأن يخرج من الملة بكفر واضح لنا من الله فيه برهان.
4- تحديد مدة الحاكم أو الحكومة بمدة زمنية، والبحث في المصلحة العامة المترتبة علي ذلك.
5- دور الشعب، مسلميه وغير مسلميه في كل النقاط السابقة، وهل يكتفي بعقد البيعة للحاكم في النخبة المزعومة ثم يأتي دور الشعب في البيعة العامة، كما كان يتم قبل ذلك في مصر، بترشيح البرلمان «مجلس الشعب» الاسم الرئيسي ثم إجراء استفتاء صوري عليه؟
أم أن دور الشعب يتعدي ذلك، بالحق في الترشح لموقع الرئيس أو الأمير بضوابط محددة عامة، ثم الاختيار بين بدائل مطروحة علي الناس، ثم الحق في المحاسبة والعزل لأي رئيس أو حاكم إذا لم يحقق المصلحة العامة للرعية والبلاد وللعباد؟
الإجابة عن تلك الأسئلة قدمتها لنا التجربة الغربية في النظم الديمقراطية التي يمكن وصفها بالنظام الدستوري النيابي الذي يقوم علي التعددية الحزبية والتداول السلمي علي السلطة عن طريق الانتخابات الدورية وهو ما أخذت به الحركة الإسلامية مؤخرا.
وعندما سئل ابن تيمية -شيخ الإسلام رحمه الله ورضي عنه -عن الأحزاب في فتوي مشهورة قال ما مفاده «إنها مشروعة، إذا التقوا علي حق وصلاح يريدون الخير للمسلمين والناس، وإنها باطلة إذا كان اجتماعهم علي شر أو فساد في الأرض، أو أدت إلي تعصب مذموم وانتصار للنفس بالحق والباطل علي غير تناصح بيننا بينهم».
في ضوء هذه الفتوي كان بناء الجماعات والأحزاب والحركات الإسلامية، وتعددها حيث أصبح اليوم مشاهدا في معظم البلاد العربية والإسلامية وجود أحزاب سياسية لها مرجعية إسلامية وليس مجرد حزب واحد في البلد الواحد، ولهذا دلالة خاصة، ففكرة التحزب وبناء أحزاب سياسية لها برامج وتتنافس مع التيارات والأحزاب الأخري علي ثقة الشعب وأصوات الجماهير للوصول إلي سدّة الحكم ولتولي السلطة التنفيذية لوضع برامجها موضع التنفيذ، هذا في البلاد التي يسود فيها نظام ديمقراطي يسمح بتداول السلطة، وأبرز مثال علي ذلك، تركيا.
وفي البلاد الأخري تسعي معظم تلك الأحزاب إلي تحقيق إصلاح سياسي ودستوري يسمح في نهاية المطاف بتداول السلطة رسميا، وعلي الأقل تتدرب تلك الأحزاب علي العملية السياسية والمعارضة الموضوعية وتدرب كوادر وكفاءات سياسية تصلح فيما بعد ليكونوا رجال دولة قادرين علي إدارة شئون المجتمعات والعلاقات الدولية المتشابكة.
ومن ناحية أخري تشهد معظم البلاد تعددية واضحة في الأحزاب الإسلامية من المغرب إلي تركيا إلي العراق إلي باكستان إلي ماليزيا وانتهاء بإندونيسيا، وفي هذا دليل علي التعددية في النشاط السياسي مثل التعددية في المجال الفقهي، ولكن من المشاهد أنه في غالب الأحيان يكون هناك حزب رئيسي إسلامي قوي وعدد حوله من الأحزاب الصغيرة التي صاحب نشأتها ظروف خاصة كالانشقاق «تركيا» أو اختلاف في المرجعية التفصيلية أو تعدد وجهات النظر تجاه قضايا محددة «الأردن» أو اختلاف مذهبي «العراق».
وللإمام الشهيد حسن البنا قول جامع في الإطار الذي يجمع بين الحركات الإسلامية النشطة «يجمعنا الهيئات الإسلامية، حب وإخاء، وعمل وولاء» كما له قول ذاع وانتشر يمكن أن يسري بين الهيئات الإسلامية في مجال العمل الدعوي أو الاجتماعي أو حتي السياسي «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه» وهي قاعدة المنار الذهبية التي رفعها الإمام محمد رشيد رضا تلميذ الإمام الكبير الشيخ محمد عبده -رحمهما الله تعالي.
كان للإمام الشهيد حسن البنا رأي خاص «كما وصفه هو» في الحزبية السياسية، وأنها تخالف قاعدة سياسية جامعة وهي «وحدة الأمة» وأن حرية الرأي والتفكير لا يترتب عليها بالضرورة حزبية سياسية، وكان له رأي شهير مكتوب في الأحزاب المصرية في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي، ودمغها بصفات سلبية قاسية بسبب خضوعها لرغبات الاحتلال الإنجليزي «لا يجتمعون إلا زواره» ولنلاعب القصر الملكي بزعمائها ورجالاتها وقادتها، ولعدم وجوب برامج واضحة لها، فقد نشأت وتفرقت حول شخصيات زعمائها واختلافاتهم السياسية أو تعارض مصالحهم الخاصة، ولا يوجد تمايز حقيقي بينها، وكان الهتاف دائما بأسماء الزعماء والقادة بتعصب واضح وشديد يترجمه الهتاف الوفدي الشهير «الاحتلال علي يد سعد ولا الاستقلال علي يد عدلي» وقد أشار البنا -رحمه الله -إلي أن هذا الرأي يمكن أن يتغير إذا جدت ظروف جديدة ونشأت أحوال مختلفة «في إشارة واضحة إلي تغيير الفتوي بتغير الزمان والظروف والأحوال» حيث دعا كل الأحزاب وقتها إلي الوحدة لتحقيق هدف رئيسي هو الاستقلال، وأشار بوضوح إلي قبوله فكرة التعددية الحزبية المقيدة عندما مدح النظام البريطاني الذي يعرف حزبين كبيرين أو ثلاثة فقط وذم النظام الفرنسي الذي أدت التعددية المفرطة في الأحزاب السياسية إلي ضياع البلاد وسقوطها أمام الغزو النازي بسهولة شديدة.
وقد راجع «الإخوان المسلمون» في بداية التسعينيات من القرن العشرين الميلادي تلك المسألة عندما فكروا في التقدم برخصة لحزب سياسي بعد اندماجهم المحدود في الحياة السياسية ونزولهم الساحة البرلمانية علي قوائم أحزاب أخري «الوفد ثم العمل» ووجود قانون انتخاب لا يعطي فرصا متكافئة للأفراد المستقلين، ووصول 37 نائباً من الإخوان عام 1987 بعد وصول عشرة منهم عام 1984، فكان لابد من دراسة مسألة التعددية الحزبية من منظور فقهي وشرعي وسياسي، وشاركت في لقاءات عديدة مع حضور علماء وفقهاء ومفكرين أذكر منهم الأستاذ الدكتور أحمد طه ريان ود. محمد عمارة، والمستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا والأستاذ فهمي هويدي وغيرهم بحضور قيادات إخوانية كبيرة ونشأته بين المرحومين الأستاذ مصطفي مشهور والمستشار المأمون الهضيبي والأخ العزيز د. عبدالمنعم أبو الفتوح، وانعقدت تلك اللقاءات في دار الإخوان المسلمين بالتوفيقية ومركز الدراسات الحضارية بالقاهرة.
انتهت تلك اللقاءات والمداولات والمراجعات إلي القبول بالتعددية السياسية الحزبية في المجتمعات الإسلامية بهدف تداول السلطة والرجوع إلي الجماهير والأمة لتستمد الحكومات منها سلطتها السياسية وتحديد مدة الحكومات والرؤساء في الجمهوريات الإسلامية بمدتين فقط، فالأمة مصدر السلطات، والحاكم له مدتان فقط لمنع الاستبداد.
تأسس ذلك الرأي الواضح القاطع علي ما عانته الأمة في العصر الحديث والعصور السابقة استبداد الحكام وقمعهم للمعارضة السياسية وأدي إلي انتهاك شديد لحرمات المسلمين والمواطنين، وقد انتهي ذلك إلي تخلف في جميع المجالات بسبب وأد الحريات العامة مما أدي إلي إحباط المواطنين وعدم تنفيذ أي خطط للتنمية وقد جعل ذلك الأمة الإسلامية في ذيل الأمم وسهل علي أعدائها احتلال بلادها ونهب ثرواتها.
كانت مراجعة شجاعة انتقلت من مصر إلي الإخوان في جميع البلاد فتم تأسيس أحزاب سياسية في الدول التي سمحت بذلك وشاركت تلك الأحزاب بقوة في الحياة البرلمانية وحصلت علي ثقة الجماهير فكانت في المواقع الثلاثة الأولي في كل انتخابات نزيهة وأثبتت قدرتها علي تبني برامج جيدة تتطور مع الأيام إلي الأفضل مما يبشر بإمكانية بناء نموذج ديمقراطي إسلامي جديد.
والله الموفق والمستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.