يوسف عبد الحميد السويفي .. بطل رائعة فتحي غانم " الرجل الذي فقد ظله " .. كان مجرد شاب طموح .. عنده مثل ومبادىء .. يدافع عن الحرية ويضحي بعمره من أجلها .. فقير نعم ، غير أن فقره لم يكسره ويذله .. اجتهد ونبغ وصار صحفيا يُشار إليه بالبنان .. وحينها وللحفاظ على ما وصل إليه باع كل شيء .. حريته وقضيته.. بل راح يسخر مِن مَن كان معهم مؤمن بأفكارهم الثورية وأمالهم في التغيير .. بل أكثر من ذلك ، راح يحاربهم مستخدما قلمه فيما لم يُخلق له .. وقد كان قبل ذلك يعتبره سلاحا فتاكا يطلق رصاصا على النظام بغية خلعه وتبديله .. فلما أصبح واحدا من هذا النظام راح يلعق الأحذية النجسة .. ويتبارك بها .. فخسر نفسه .. لم يصبح له وجود لا مادي ولا معنوي .. ففقد ظله.
مثله مثل رؤوف علوان في " اللص والكلاب " .. أيضا من الفقر والنقمة على السلطة والحكومة ، إلى واحد من هذا النظام .. فتحول من مدافع عن سعيد مهران ومشجع له على انتزاع حقه بيده ، إلى سيف مسلط على رقبته .. لم يهدأ ويرتاح له بال الا على جثة من كان يسمع له وينفذ تعاليمه.
والمستشار احمد مكي وزير العدل في حكومة قنديل وتحت إمرة مرسي.. هو - مع فارق بسيط - يوسف السويفي وهو نفسه رؤوف علوان .. الفارق ان السويفي وعلوان كانا معدمين .. أكل الفقر منهما وشرب .. أما المستشار مكي فكان له منصبه ووقاره وعلو شان يُغنيه العمر كله عن أن يسعي إلى منصب سياسي كوزير للعدل .. كان المفترض ان يشرُف المنصب بهذا الرجل .. لا ان ينحط بسبب من تقلده.
الكلام قاس .. أدرك ذلك .. لكن مع احمد مكي تحديدا ، لابد أن تقسو في الكلمات وتقذفها ككرات اللهب في وجه الرجل الذي فقد ظله ، حين باع نفسه لمرسي والجماعة ، وباع تاريخا مشرفا قبل سنوات قليلة حين كان مدافعا بإصرار أصحاب الحق عن استقلال القضاء والحفاظ على هيبته.
ان كان ليوسف السويفي ورؤوف علوان عذر نتيجة الفقر والعوز - وان كان العذر غير مقبول - فما هو عذر المستشار احمد مكي وهو كما قلت ليس بحاجة إلى المنصب .. وليس بحاجة - وقد بلغ عمره 73 عاما - لأن يكون مادة طيّعة في يد مرسي وجماعته.. بوق يردد ويبرر حججهم الواهية ، بل القذرة.. وهو يعلم علم اليقين ان رئيسه على باطل ومع ذلك يدافع عنه باستماتة من يخافه .. ولا يخاف ربه.
اى رجل هذا ؟ .. والى هذه الدرجة تغير المناصب أصحابها لينقلبوا 180 درجة .. من قمة الدفاع عن الحريات إلى سفح مباركة انتهاكاتها .. من الرفعة والرقي إلى الخزي والمذلة .. ومقابل ماذا ؟ .. كام مليون في السنة مثلا .. سفرية وتأمين مستقبل لإبنه المستشار في قطر ؟ .. شكلك ايه يا سيادة المستشار حين تنظر في المرآة وليس معك في الغرفة أحد إلا الله .. وقفة صادقة مع النفس ستدرك بعدها أنك لم تفقد نفسك وبالتالي ظلك .. بل فقدت احترام ملايين كنت عندهم المثل والقدوة والنموذج الأمثل للنزاهة والشرف وقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.
كيف لك يا وزير العدل ان تعلن بلا خجل أنك كنت ضد الإعلان الدستوري .. وضد إقالة النائب العام عبد المجيد محمود .. كيف تعلنها جهرا .. وفي الوقت نفسه تبقى في منصبك ولا تدوسه بحذائك هو ومن جعلك تعتليه.. على رأى واحد صاحبي " كسبنا صلاة النبي " .. وزير العدل يرى العدل منهارا في دولة مرسي ولا يستقيل من هذا المنصب المخزي .. على الأقل ليختم حياته بشرف وعزة مثلما بدأها وصار على النهج لسنوات قليلة مضت.
انقد نفسك يا سيادة المستشار الجليل من هذا الماعون القذر وهذه المجاري العفنة .. لا ترجئ استقالتك كما صرحت بعد عيد الفطر .. " محدش ضامن عمره دقيقة واحدة " .. ارميها في وجه مرسي .. بيعه واشتر نفسك .. ربما تستعيد ظلك مرة أخرى.