مجمع إعلام الفيوم ينظم ندوة بكلية السياحة عن الأمن القومي والتحديات الراهنة    رئيس جامعة دمنهور: حريصون على توفير بيئة تعليمية بالجامعة الأهلية    نتنياهو: مصرون على تحقيق جميع أهداف الحرب في غزة ونزع سلاح حماس    فتح باب التقدم لجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 57    انطلاق الدورة الرابعة من ملتقى التميز والإبداع العربي لتكريم رموز الفن    قافلة طبية جديدة إلى مركز شباب شرق حلوان    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    إلغاء مباراة الأهلي وبيراميدز بسبب الاعتراض على ركلة جزاء فى بطولة الجمهورية    سيراميكا كليوباترا: لم نمنع القندوسي من الانتقال للزمالك.. واللاعب خارج حساباتنا    السكة الحديد تعلن عن طرق جديدة لحجز التذاكر ووسائل دفع متنوعة للتيسير على الركاب    حبس الأب المتهم بدهس طلاب فى بيفرلي هيلز الشيخ زايد 4 أيام    استدعاء باعة أدوات الجريمة ومالكي الكاميرات.. تفاصيل الساعات الأخيرة في تحقيقات ضحية المنشار الكهربائي بالإسماعيلية    تعرف على أسعار جرام الذهب عيار 21 اليوم    لتحقيق الانضباط المدرسي .. وكيل تعليمية قنا يشدد على التسجيل الفعلي لغياب الطلاب    ليلى فاروق تنعى والدة طليقها أمير عيد    ليلى علوي تسرق الأضواء بكلماتها المؤثرة عن يسرا في الجونة    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    نتنياهو: قصفنا غزة يوم الأحد الماضى ب150 طن متفجرات    خلال اجتماع اليوم .. رئيس الوزراء يتابع جهود تعظيم الاستفادة سياحيًا من مسار العائلة المقدسة    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    الذكاء الاصطناعي أم الضمير.. من يحكم العالم؟    ياسر الزابيري بطل كأس العالم للشباب مرشح للانتقال إلى أتلتيكو مدريد    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة غرب الإسكندرية لتيسير حركة المرور    ليست الأولى.. تسلسل زمني ل محاولة اغتيال ترامب (لماذا تتكرر؟)    بعد تهنئة إسرائيل له.. من هو الرئيس البوليفي الجديد رودريغو باز؟    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    الأمين العام الجديد للشيوخ يجتمع بالعاملين لبحث أليات العمل    لا تهاجموا صلاح.. انظروا ماذا يفعل مدرب ليفربول    طلب عاجل من توروب في الاهلي    بروفة ريهام عبد الحكيم على أنغام الموجي استعدادًا لمهرجان الموسيقى العربية    حزن وبكاء خلال تشييع جثمان مدرب حراس المرمى بنادى الرباط ببورسعيد.. صور    مدبولي: الحكومة تعمل على مواصلة تكثيف الجهود لتعزيز قدرات الدولة في مجال زيادة الاستثمارات في مراكز البيانات    وزير الخارجية: نقدر جهود الدكتور مجدي يعقوب في تسخير العلم والخبرة لخدمة الفئات الأكثر احتياجا داخل مصر وخارجها    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    اغلاق مزلقان التوفيقية في سمالوط بالمنيا لمدة يومين للصيانة    طارق العشري: زعلت على نفسي بعد رحيلي من فاركو    احمي نفسك بهذه الخطوات.. لماذا يقع برج السرطان ضحية للتلاعب؟    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    وزير الصحة يترأس الاجتماع الدوري للجنة التنسيقية لمنظومة التأمين الصحي الشامل    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    سعر الأرز الأبيض والشعير للمستهلك اليوم الإثنين 20اكتوبر 2025 فى المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-10-2025 في محافظة الأقصر    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    ضبط 3 أشخاص بالمنيا تخصصوا في النصب على أصحاب البطاقات الائتمانية    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    دار الإفتاء توضح حكم تصفح الهاتف أثناء خطبة الجمعة    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إكرام يوسف تكتب: بفلوسنا!
نشر في الدستور الأصلي يوم 28 - 01 - 2013

اكتب هذا المقال والساعة تقترب من السابعة صباح السبت؛ بعد ليلة ليلاء كما يقولون، لم أذق فيها للنوم طعما مع سعال متواصل، نجم عن استنشاق كمية لا بأس بها من غاز الإخوان الجديد.

وكنت للحقيقة جربت غاز المخلوع، ثم غاز العسكر، ثم غاز الإخوان في نوفمبر الفائت وبالأمس. وأشهد بالحق، أن غاز الأخوان أقوى وأشد تأثيرا من سابقيه.. ويبدو أن حكومتنا الجديدة، تراعي ربنا في دافعي الضرائب؛ فلا تشتري بأموالهم سوى أفضل الأنواع!

كنت قد استطعت دخول ميدان التحرير رغم الزحام الفظيع عصر الأمس، بعد أن لحقت مع أصدقاء بمسيرة مصطفى محمود قرب كوبري أكتوبر..وبعد جولة مرهقة بالميدان وسط الزحام، لمحت أصدقاء يجلسون لاحتساء الشاي في وسط الميدان، بالقرب من المجمع. ولما كانت قدماي لا تكادان تحملانني، استجبت فورا لدعوتهم إلى الجلوس، مع إغراء منظر أكواب الشاي في أيديهم. بين حين وآخر، تصل إلينا رائحة

الغاز من القصر العيني، فتدمع العيون ونسعل، أو نبتعد قليلا عن المكان، ثم نعود بعدما تخف الرائحة؛ نستكمل حديثنا..كانوا خمسة من الأصدقاء؛ زميلة وزوجها وشقيقتها وصديق لهم وزوجته عاشقة مصر رغم أصلها الأجنبي! كان زوج زميلتي يعاتب صديقه، على عودته بعد غربة دامت 25 عامًا، ويقول في يأس " يبدو أننا لن نشهد ثمرة ثورتنا قريبًا." صارحتهم أنني، بكل تأكيد، سأكون سعيدة إذا سمحت لي الأقدار أن أشهد بعيني انتصار الثورة. لكنني أشعر على أي حال بأن حظي أسعد من رفاق حلموا معنا بالثورة، وآمنوا بحتمية انتصارها،

وأمضوا حياتهم يعملون من أجلها ويدفعون الثمن، لكن العمر لم يمهلهم كي يشهدوا بداية تحقيق الحلم على أيدي أبنائهم! وضحكت قائلة:"أشعر أنني كمن شاهد اللقطات الأولى من فيلم يعلم مسبقا أن نهايته سعيدة، لكن القصة تضم أحداثًا مؤلمة، كأن تختطف العروس وتغتصب، ويضرب العريس على رأسه فيفقد الذاكرة، وتستمر الحوادث المؤلمة، إلى أن يلتقي الحبيبان مرة أخرى، وتتوج قصتهما بالزواج السعيد وينعمان بالرفاء والبنين. ضحكوا من التشبيه! فأكدت أنني جادة، وأنني قلت لاصدقائي في أول أيام الثورة قبل عامين، أنني سأكون سعيدة لو مت الآن، فقد كنت ضمن من راهنوا على هذا الشعب، ولم يهتز إيمانهم به لحظة! وها هي الأحداث تثبت صحة رهاننا. وأوضحت أنني لن أحزن إذا ما لم يكن في العمر فسحة لمعايشة لحظة النصر النهائي؛ يكفيني أن يعبش أحفادي وطنًا حلمت لهم به..وأن حياتي لم تضع عبثا في هذا الحلم. قلت لهم أيضا أنني أؤمن أن الانتصار النهائي للثورة لن يتحقق إلا بوجود تنظيم ثوري قوي، يستطيع إدارة البلاد، تدعمه جماهير واعية، قادرة على أن تفرز قياداتها من بين صفوفها؛ ومن ثم، فكل من يعتقد أن تغيير النظام يمكن أن يتم في عدة أسابيع من التظاهر والاعتصام، حالم، أو على الأقل

ضعيف الخبرة، قليل المعرفة..وأن من يعرف المعنى الحقيقي للثورة عليه أن يتحلى بطول النفس، والاستعداد لخوض طريق ليس قصيرا من التعب والتضحيات. وأننا أطحنا بالمخلوع في 18 يوما، لكن نظامه لم يسقط بعد! هنا، توقف الكلام، وجاء الهول في صورة قنبلة غاز ألقيت علينا؛ قمنا نتخبط، ونسعل ونحن مغمضي الأعين.. نار حارقة، تبدأ من الأنف إلى الحلق حتى المعدة، لتصعد جمرتين في العينين، لا تستطيع معهما أن تفتح جفنيك.. و بعد لحظة ، اختفى صوت الأصدقاء، ولا أعرف كم من الوقت مضى وأنا أتخبط بين الزحام؛ إلى أن امتدت ذراعا حانية تضم رأسي لتلبسني "كمامة أنف" استطعت بعدها أن أفتح جفني قليلا لأرى فتى لم يصل إلى العشرين من عمره ملثما ببلوفر، قلت له "بتاعتك؟" وعندما رد بالإيجاب، حاولت أن أخلعها لأعطيها له، فثبتها على أنفي قائلا أن "البلوفر يكفيه"! وسحبني من يدي، ولم يتركني إلا بعد أن ابتعدنا عن المكان.
واصلت سيري وأنا أتأمل، كم دفعت حكومتنا السنية في شراء هذا الغاز لتقتل مواطنيها، وكم دفعت في شراء مركبات الشرطة المجهزة على أحدث طراز، وأدوات القمع المتطورة لتسكت أصوات الغاضبين. وقارنت ذلك، بما كان مطلوبا لإصلاح قطارات دهست أجساد أطفال وشباب، أو لتحسين ظروف علاج، مرضى يغادرون دنيانا لأن أسرهم لا تملك ثمن الدواء، أو شراء مقاعد مدرسية يجلس عليها أطفال يمضون يومهم جلوسا على الأرض في المدارس الحكومية وغيرها!
تذكرت قبل 36 عاما، عندما كنت في سجن القلعة مع اثنتين من زميلاتي المقبوض عليهن على خلفية انتفاضة يناير الشعبية. ولاحظت أن ضابطا معينا كان يمر، بعد كل تحقيق، في فترة الحبس الانفرادي الأولى، ليسألني عن الأحوال بابتسامة لزجة، أدركت منها أن مهمته تقييم الحالة المعنوية بعد كل تحقيق. واختفى هذا الضابط بعد انتهاء التحقيقات، وترحيلنا إلى سجن القناطر للنساء. ثم عدنا إلى القلعة أثناء الامتحانات الجامعية لتكون مهمة نقلنا إلى كلياتنا أسهل. وفي هذه المرة لم يكن الحبس انفراديا، ولم تكن أبواب الزنانزين مغلقة، وكان مسموحا لنا

بالمذاكرة في فناء السجن. ثم صدر قرار الاتهام في القضية، وكنا ثلاثتنا ممن شملهم القرار؛ وإذا بهذا الضابط يظهر أمامنا فجأة ليسألنا عن الأحوال.. فقلت له "تمام.. زي الفل! بابا من دافعي الضرايب اللي بتبنوا بيها السجون.. ومن حق كل مواطن في البلد انه يتسجن بفلوس أبوه"! أشاح بوجهه غير مستملح النكتة، ويبدو أنه كان يتوقع أن يرى في العيون خوفا.. تذكرت يومها كلمات أحمد فؤاد نجم :"كان مناه يلمح علامة خوف بسيطة.. طب حييجي الخوف منين ابن العبيطة.. هو مين فينا الجبان.. واللا مين فينا اللي خان"..قلت لنفسي ضاحكة، وأنا أحاول الابتعاد عن مرمى قنابل الغاز" أنا الآن أدفع الضرائب التي يشترون بها الغاز، ومن حقي أن أستنشقه!".. وقال لي صديق على الفيس بوك"الجماعة مش حياكلوا حقنا. لو فضل في فلوسنا باقي حيدونا بيه خرطوش أو رصاص حي".. بفلوسنا.. ولكن إلى حين.


وقديما قالوا "دولة الظلم ساعة".. هانت، باقي دقائق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.