طوال السنوات الماضية ومع تصاعد التوتر بين المسلمين والأقباط.. والأقباط والمسلمين.. في الاتجاهين.. نظرت ملياً في الأحداث التي تجري، والتي تعكس شعورا بالظلم لدي قطاع من الأقباط من الفقراء وأبناء الطبقة الوسطي تعرفه كل الأقليات في العالم، وتعكس تحاملاً - وهو لفظ مخفف جداً - لدي قطاعات من المسلمين الذي يعتقدون أن التدين قرين التحيز ضد من يخالفهم في الدين. وفي مربع صغير مثل هذا لن أستطيع أن أوفي الموضوع حقه بأي حال من الأحوال، لكنني كنت ببساطة من الذين تعاونوا علي محاولة تجنب هذا المصير منذ ما يقارب العشرين سنة حين شاركت في جلسات الحوار الوطني التي جمعت فريقا متنوعاً من المسلمين والمسيحيين من أطياف سياسية وثقافية متنوعة، وكانت تجتمع في أماكن مختلفة تحت مظلة لجنة العدالة والسلام تارة، ومع بعضها البعض كأصدقاء في مناسبات متنوعة تارة أخري، تسعي لتأسيس دائرة تتجنب مصير الطائفية الذي تخطط له قوي خارجية وداخلية لهذا الوطن. ولم يكن اختياري لموضوع المواطنة كي يكون عنوان راسلتي للدكتوراه من قبيل الصدفة، فقد كان محاولة متواضعة لفهم هذا المفهوم الذي يراه البعض الحل السحري لمشكلات التعصب والنزاع الديني، ويراه آخرون محواً للدين وجنوحاً نحو العلمانية وطمساً للهوية الإسلامية، وبين الفريقين تقف أغلبية صامتة حائرة تتحرك بردود الأفعال وتتغير رؤيتها من يوم لآخر في اتجاهات متناقضة. خلقت الأحداث الطائفية التي شهدتها مصر بشكل تراكمي ثم بشكل متصاعد مناخاً من المزيد من الوعي ببعض المظالم، لكنها توازت مع خطاب راديكالي من قلب الجماعة القبطية، خاصة بعض رجال الكنيسة وشباب الأقباط وأقباط المهجر، وكان هذا الخطاب مستوراً لكن انتشار استخدام الإنترنت والفضائيات حمله للعلانية، ويمكن بسهولة متابعة ما يكتب ويتم ترويجه بين الأجيال الجديدة من الشباب القبطي بشأن الغزو الإسلامي والمظالم التي ارتكبها المسلمون في حق المسيحيين والإساءة للدين الإسلامي بترويج الشبهات حول الإسلام، والمبالغة الهيستيرية بشأن ما يحدث للأقباط، بل التحريض أحياناً علي القتل والعنف، فحين قام إخوة امرأة اختارت الإسلام وتزوجت وأنجبت بقتل الزوج المسلم في مذبحة مخططة بعناية نزلت صور القاتل علي مواقع مسيحية علي الإنترنت باعتباره البطل، في تحريض سافر علي نسف مفهوم التسامح المسيحي بزعم أن المسيحيين الآن عليهم أن يدافعوا عن وجودهم المهدد. التفاصيل كثيرة والأحداث لو وضعت علي طاولة واحدة لأصابك الفزع لما يجري. ما دفعني للكتابة استمرار الغموض في مجزرة نجع جمادي التي ما زلنا لم نفهم خلفياتها بعد لتناقض الكلام والروايات، ولا نعرف هل من تم القبض عليهم هم الجناة أم لا، وما صلة الجريمة باغتصاب طفلة مسلمة، والتي هي جريمة غير عادية بكل المقاييس، والجريمة الأولي والمجزرة المخيفة أفسدت علينا كمسلمين القدرة علي تهنئة أصدقائنا وجيراننا بعيدهم، إذ انشغلنا بتقديم العزاء في الذين قتلوا وهم خارجون من دار عبادتهم يوم عيدهم، والمذهل أنه تلا ذلك منع وفد شعبي توجه لنجع حمادي لتقديمه لأسر الضحايا بل القبض عليهم (لم أفهم فلسفة الأمن في اعتقال المعزين من النشطاء لمدة يوم- ما المنطق؟!!).. وتوقفت طويلا أمام أحداث مرسي مطروح، فالثابت من التحقيقات أن الكنيسة قامت ببناء سور يغلق شارعا عمومياً، ومن الممكن توقع الباقي، تم حشد المسلمين، وحدث اشتباك بين الطرفين، وطلب الأمن من الكنيسة هدم السور (رغم أن الدولة من واجبها اتخاذ إجراءات الهدم بحسب القانون)، وتم هدم السور وتصريح رجال الكنيسة بأنهم فعلوا ذلك تجنباً للفتنة (وليس لأنهم خرقوا القانون وعليهم إصلاح ما أفسدوه)، ثم تم عقد مؤتمر مصالحة (بين من ومن؟؟) وانتهي الأمر بالتأكيد علي الوحدة الوطنية! لا قصة وفاء قسطنطين منا ببعيد حين طالبت الكنيسة بتسليم وفاء لها وكأنها مواطنة في الكنيسة وليست مواطنة مصرية، ولا مشهد مرسي مطروح يمكن السكوت عنه لأنه يعني أن الكنيسة تقترب من أن تكون فوق القانون ولا تلتزم به إلا إذا كان رد الفعل يدفع لكارثة. حقوق الأقباط كمصريين ليست محل تفاوض، والدماء التي تسيل من الطرفين في أحداث الفتنة يجب أن يتحملها الذين أسالوها من الطرفين، ولا يجب أن يكون أي أحد فوق القانون، من أي طرف، وإدارة الأمن للقضايا حتي الآن أضاعت الكثير من حقوق الأطراف المضارة وذهبت دماء الضحايا سدي، والتصعيد والاستفزاز وتحدي القانون من أي طرف غير مقبول بأي شكل، والوطن في خطر، والعقلاء قلة، والمتاجرون زاد عددهم، وخطاب الكراهية يتصاعد من كل الاتجاهات، والشارع في حالة استقطاب.اشتباكات مرسي مطروح لن تكون الأخيرة.. وناقوس الخطر ندقه منذ عقود، وآن لنا أن نعمل بجدية وتفان أكبر من أجل وطن آمن يمنح الحقوق للجميع، ويطبق فيه القانون علي.. الجميع.