في عالم الشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيا، يجب على الشركة -كي تستمر- أن تتوقع وتتنبأ باهتمامات المستخدمين، والاتجاهات التي تتجه إليها السوق، بل وما تسعى إليه الشركات الأخرى! يبدو الأمر غاية في الصعوبة! سوق التكنولوجيا لا ترحم الخاسرين، ولعل Nokia التي احتلت المركز الأول بين شركات الهواتف المحمولة لسنين طويلة بلا منازع، خير مثال لما يمكن أن تصير إليه الأمور. Nokia تكاد تكون على حافة الإفلاس، وقد تُعرَض للبيع في وقت لاحق، وذلك لأنها فشلت في التنبؤ بما يرغب فيه المستخدمون في هواتفهم الجديدة، وأصرت على الثبات على النظام القديم الذي تعمل به أجهزتها، في سوق تتغير بشكل درامي وبسرعة هائلة. يعتمد التنبؤ بحاجات السوق على دراسة عادات الزبائن، واتجاهات الطلب على المنتجات المختلفة، ومحاولة معرفة ما تفكر فيه الشركات الأخرى وما تسعى إلى تحقيقه. هذا أمر بالغ الصعوبة حقا، وكم من شركات استثمرت الملايين في منتجات لم يرغب في شرائها أحد، وقد أخذتها هذه المنتجات الفاشلة إلى قاع السوق ثم للخروج منها نهائيا! لكن قد يكون هناك حلٌّ! والحل هو أداة تكنولوجية جديدة ابتكرها باحث يُدعى بيتر إردي من الأكاديمية الهنجارية للعلوم في بودابست، تعمل هذه الأداة عن طريق تحليل مدى تكرار الإشارة إلى براءات الاختراع الأخرى، عند تسجيل براءة اختراع؛ فكل براءة اختراع جديدة يجب أن تذكر الفكرة الأوَّلية التي أُسِّست عليها، وبراءات الاختراع الأخرى التي اعتمدت عليها للتوصل إلى الابتكار الجديد. عن طريق متابعة هذه البراءات الجديدة، وملاحظة مدى تكرار الإشارة إلى براءات اختراع معينة، يمكن تصنيف هذه البراءات في مجموعات تتفرع إلى مجموعات أخرى، ثم يمكن أن تتفرع ثانية أو تندمج، وهكذا. البرنامج الذي كتبه بيتر إردي يستطيع -عن طريق إجراء مجموعة من الحسابات الرياضيّة تتعلّق بنوع براءات الاختراع ومعدل تكرار ذكرها- أن يتنبّأ باتجاه السوق: ما التقنيات التي تسعى الشركات المختلفة إلى تحقيقها، وما إذا كانت هناك تقنيات معينة تميل إلى الاندماج، أو ربما إلى التفرع والتفرق لتكوين مجموعات جديدة من الابتكارات. يبدو هذا البرنامج وكأنه ينقّب في منجم من الذهب، حيث يبيّن هذا التنقيب الاتجاهات التي تسير فيها عمليات الابتكار، وستشعر الشركات التي تستخدم النظام أنها تسير في طريق واضح، بدلا من أن تشعر بأنها تعمل وحدها، في طريق غير محدد المعالم. لكن بالطبع لا يمكن الاعتماد على هذا البرنامج بنسبة مائة بالمائة، ولا يمكن أخذ توقعاته باعتبارها حقائق لا تقبل الجدال، فقد تكون براءات الاختراع التي نقب فيها في مجالات معينة قديمة نسبيا، مما يعطي نتائج منحرفة إلى حد ما، من ناحية أخرى لا يمكننا التنبؤ بشكل دقيق بتحوّلات تطلّعات الزبائن وتغيّر أمزجتهم، فهناك أشياء تخرج عن التوقع دائما، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع!