"هذه البلاد، بكل مؤسساتها، تنتمي للشعب الذي يسكنها.. وعندما يضيقون ذرعا بحكومتهم الحالية بإمكانهم ممارسة حقهم الدستوري في تعديلها، أو ممارسة حقهم الثوري في الإطاحة بها". الرئيس الأمريكي السادس عشر إبراهام لنكولن في حقيقة الأمر، أيام قليلة تفصلنا عن تظاهرات 30 يونيو الحاشدة التي من المنتظر أن تضم مجددا أطيافا كثيرة من المصريين، الذين ضاقوا ذرعا بالنظام الحالي بكل مفرداته. معظم المتظاهرين المنتظرين إن لم يكن كلهم، يرفعون شعارا ينادي بالانتخابات الرئاسية المبكرة والإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطي في تاريخ البلاد، بالرغم من مرور عام واحد فقط من فترة ولايته المفترض أن تنتهي في عام 2016. يرى المؤيديون للرئيس محمد مرسي وأغلبيتهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين والتيار السياسي الإسلامي بالبلاد، بأن الرئيس لم يتم إعطاؤه الفرصة كاملة، أسوة بباقي الرؤساء السابقين الآخرين، كما أنه ورث تركة كبيرة من المشكلات المحلية التي يئن بها الوطن ويشيب لها الولدان، بعد عقود طويلة من الفساد المستشري في جسد الأمة والإهمال التام تحت حكم الرئيس السابق حسني مبارك. وفي المقابل، يرى المعارضون للرئيس محمد مرسي أنه يضع مصلحة "أهله وعشيرته" من جماعة الإخوان المسلمين فوق مصالح الوطن، كما أنه يسير على طريق أخونة الدولة المصرية، ناهيك بأن المشكلات تفاقمت بدرجة كبيرة خلال العام المنصرم من حكمه، إلى الدرجة التي بات يستحيل معها العيش أو التعايش مع تلك الأزمات المتكررة. بين هذا الرأي وذاك، أرى من وجهة نظري الشخصية، أن هناك ستة أسباب تدفع الرئيس المصري وجماعته للخوف من تظاهرات يوم 30 يونيو المقبلة، قد يختلف معي فيها القراء أو يتفقون، ولكنها رؤية شخصية محضة تقبل الصواب كما تقبل الخطأ. أولا: بخلاف أحزاب وجماعات المعارضة في مصر التي تفقد أرضا ومصداقية كل يوم، بسبب اختلافاتهم الأيديولوجية والفكرية العميقة، أطلت حملة "تمرد" لتلعب هي دور المعارضة، وتسير على خطى جماعات شبابية سابقة شأن "6 إبريل" و"شايفينكم" و"كفاية" وغيرها. تلك الحملة التي يزعم أعضاؤها أنهم جمعوا ما يقرب من 15 مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، تعوّل كثيرا على مشاعر الإحباط واليأس من غد مشرق لدى الفئة الشبابية من جموع المصريين. قد يختلف البعض على العدد الحقيقي لتوقيعات المصريين، الذي تمكن ما يقرب من 6000 شاب من متطوعي الحملة من جمعه في معظم محافظات مصر، ولكن لن يختلف الكثير حول دور هذه الحملة في إحياء أمل التغيير لدى البعض، بعدما أصبح نسيا منسيا من فرط توغل فصيل سياسي وحيد في الحياة السياسية المصرية، ومن ثم التحكم بأقدار المصريين. ثانيا: ضم الجمع الغفير من حشود المعارضين لسياسة الرئيس محمد مرسي وجماعته، فصيل جديد من المصريين وهم المثقفون والفنانون الذين ضاقوا ذرعا بسياسات وزير الثقافة الجديد المُعيّن حديثا د. علاء عبد العزيز. وفي هذا السياق، يتهم الفنانون والمثقفون الوزير الجديد بمحاولة نشر الأفكار المتطرفة في جميع أنحاء الوزارة، ومن ثم الهيمنة على السياسات الثقافية المصرية فيما يعرف ب"أخونة" وزارة الثقافة. د. عبد العزيز حاول اتهام بعض المثقفين والفنانين المرموقين بالفساد خلال حملته لتسريح موظفين مرموقين، شأن رئيسة دار الأوبرا المصرية إيناس عبد الدايم. قد يختلف البعض أو يتفق على توجه وزير الثقافة باجتثاث جذور الفساد في الوزارة، ولكن طريقته في التعبير من خلال تصريحاته النارية وقراراته المفاجئة البعيدة كل البعد عن التأني، فضلا عن معاداة المبدعين والمثقفين والفنانين وتصويرهم على أنهم شرذمة من المرتزقة، خلقت جوا غير محبب داخل أروقة الوزارة، مما ساعد على إشعال الموقف المتأزم للبلاد وحمل بذور الكراهية ضد الرئيس محمد مرسي الذي عينه وجماعته. ثالثا: التعيين المثير للجدل لمحافظ الأقصر الجديد أثار حنق العديد من المصريين، وعلى رأسهم أبناء محافظة الأقصر. فبالرغم من أن عادل محمد الخياط محافظ الأقصر ينتمي إلى جماعة إسلامية متشددة أدينت في العمل الإرهابي الذي نجم عنه مصرع 58 سائحا في الأقصر عام 1997، لكن ذلك لم يمنع الرئيس محمد مرسي من تعيينه في منصبه. ورغم أن محافظ الأقصر المعين الجديد قد تقدم باستقالته مؤخرا، ليضع حدا لمشاعر الاحتقان والغضب التي غمرت أهالي الأقصر، لكن قضية تعيينه من الأساس رغم ما يحيط به من شبهات، تثير العديد من علامات الاستفهام. ولكن مثلما حاول بعض المحللين تفسير تلك الخطوة، فإن الرئيس كان يأمل في إقامة تحالف سياسي جديد مع الجماعات الأكثر تشددا، والتي تضم ميليشيات للتعامل مع التظاهرات الحاشدة المخطط لها يوم 30 يونيو، وذلك إذا ما تفاقمت الأمور، وباتت التظاهرات تشكل خطرا على الرئيس وجماعته. رابعا: دائما وأبدا تتجه الأبصار نحو الجيش ودوره المتوقع خلال تظاهرات 30 يونيو المحتملة. وعلى الرغم من أن الرئيس محمد مرسي هو من عيّن الفريق عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع خلفا للمشير حسين طنطاوي الذي حكم البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، لكن الجيش المصري لن يقف مكتوف الأيدي في حال تواصل التظاهرات الحاشدة دون انقطاع، الأمر الذي قد يجبر الإخوان المسلمين على اللجوء إلى ميليشياتهم لصد المتظاهرين الغاضبين. وهذا السيناريو الأخير قد يحمل معه حمّامات دماء ويشكل مؤشرا على تفكك الدولة المصرية، وهو ما لا يرغبه أو يريده الجيش المصري. وقد ظهر ذلك جليا من خلال كلمة القائد العام عبد الفتاح السيسي التي حذر فيها جميع الأطراف السياسية من إمكانية تدخل الجيش إذا ما تحولت التظاهرات إلى حرب أهلية، يقتل فيها الشعب بعضه بعضا. خامسا: نحن شعب متدين بطبعه ويدين بالولاء لرموزه الدينية، وهو أمر لا يخفى على أحد، حتى الرئيس محمد مرسي الذي -وفقا لبعض التقارير- حاول أن يستميل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، والبابا تواضروس الثاني، للحصول على دعمهما قبل تظاهرات 30 يونيو المرتقبة. ولكن كليهما رفضا مناشدة الرئيس بإصدار بيان يوصم المتظاهرين ويحض على عدم النزول يوم 30 يونيو. الطيب منذ أيام أصدر بيانا وصف فيه المعارضة السلمية ضد الحكام بأنها "مقبولة ومباحة شرعا"، كما أن العنف والتحريض عليه من "المعاصي الكبرى" ولكن لا يعد ذلك "كفرا". وبالمثل، أعلن البابا تواضروس الثاني في مقابلة تليفزيونية بأن الكنيسة لا يمكنها ولن تقوم بتوجيه رعاياها لاتخاذ أي موقف أو توجه سياسي. موقف القيادات الإسلامية والمسيحية في البلاد قد يربك حسابات الرئيس وجماعته، لا سيما إذا ما أرادوا تبريرا وغطاء دينيا لاستخدام العنف ضد أولي الأمر يوم 30 يونيو. سادسا: الأزمات المتكررة التي يعيشها المواطن المصري البسيط تحت حكم الرئيس محمد مرسي، قد يدفعه دفعا إلى التظاهر يوم 30 يونيو، لعل رياح التغيير تأتي بجديد وتزيح الغمة التي يعيشها حاليا. أزمات شأن الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي وأزمة المياه المنتظر أن تستمر بسبب سد النهضة الإثيوبي، فضلا عن غلاء الأسعار بصورة غير مسبوقة، وعدم الشعور بالأمان في الشارع المصري، وفوق هذا وذاك، أزمة السولار والبنزين الأخيرة وما شكّلته من شلل مروري متواصل في جميع ربوع البلاد، وتعطيل مصالح آلاف بل ملايين المصريين إذا جاز التعبير. كل هذه الأزمات مجتمعة، تجعل المواطن المصري يقول لنفسه: "وهل يمكن أن يسوء الوضع أكثر من ذلك؟" هذه القضايا والمشكلات الملحّة فشلت حكومة الرئيس مرسي في التعامل معها بحنكة، تارة بسبب تعيين وزراء غير أكفاء مسوغات تعيينهم فقط تتعلق بانتمائهم إلى تيار سياسي ديني بعينه، وتارة أخرى بسبب التوجه بحلول مسكنة مؤقتة نحوها أو حتى الاستعانة بحلول غير ناجعة وإهدار مزيد من الوقت والجهد. ختاما.. يصعب التنبؤ بما قد يحدث يوم 30 يونيو المقبل، فقد يتكرر سيناريو الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، وإن لن يكن حرفيا هذه المرة. ولكن الخطر الأكبر يكمن في انتشار العنف بصورة متعمّدة أو غير متعمدة خلال هذه التظاهرات. لذا أرى أنه من الضروري الحفاظ على سلمية التظاهرات واعتناق سياسة المهاتما غاندي في المقاومة دون استخدام العنف، وهي التي أطاحت بحكم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس للهند بعد عقود طويلة من الاحتلال البريطاني. إذن السلمية ولا غير السلمية هي الطريق الوحيد نحو التغيير، وحتى لا نعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى!