اليوم هو الثلاثين من يونيو.. ذكرى انتخاب أول رئيس مدني.. الجماهير تهتف بحرارة: "مش هنمشي هو يمشي".. الهتافات تهز مبنى الاتحادية: "الشعب يريد إسقاط النظام".. لقد نجح المتمردون في حشد الملايين، وتجمعوا حول مقر الرئاسة بكل سلمية ورقي مطالبين الرئيس بتنفيذ وعده بالرحيل إذا خرج عليه الملايين.. وفي لحظة صاعقة للجميع توقفت فيها الأنفاس وجحظت لها العيون، انقطع البث التليفزيوني وخرج الرئيس حزينا يبدو الامتعاض على وجهه، وأعلن أنه سيستجيب لمطالب المتظاهرين، وسيدعو لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. ويقيل الحكومة ويكلف أحد الرموز الوطنية المشهود لها بالمصداقية والحيدة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تدير العملية الانتخابية.. وتقف على مسافة واحدة من جميع التيارات.. أليس هذا هو حلم كل الكارهين للرئيس مرسي؟؟ أليس هذا هو أقصى ما يجول بخيالهم من نجاح، وأكثر ما يتمنون حدوثه، ويزورهم طيفه بالليل والنهار؟ سأبدأ أنا إذن من هذه النقطة.. وسألقي بعض الأسئلة ونحن في هذه اللحظة تحديدا.. الرئيس دعا لانتخابات رئاسية مبكرة.. وحكومة إنقاذ وطني محايدة.. اسمحوا لي بأن أسأل: 1- هل سيكون الرئيس الحالي أحد المطروحين في الانتخابات القادمة أم سيتم عزله قانونا؟؟ إذا بقي مرسي في قائمة المرشحين القادمين فهذا يعطيه فرصة مثل غيره في الفوز بالمنصب من جديد.. بل فرصته قوية بحكم العقلية المصرية، وإذا أردنا عزله فعلى أي أساس قانوني؟؟ ولا يفوتنا أنه إذا تم عزله قانونا فسيلزمه تسليم السلطة لغيره، وليس أمامنا في هذه الحالة إلا الجيش ليستلم السلطة مدة وجيزة يدير فيها العملية الانتخابية التي ستأخذ على الأقل ستة أشهر.. أو المحكمة الدستورية العليا التي لا دراية لها مطلقا بالسياسة وهو ما قد يسبب أخطاء قاتلة.. 2- إذا أجريت الانتخابات الرئاسية فهل سيقوم الرئيس الجديد بحل الدستور ومجلس الشورى أم لا؟؟ غالبا سيفعل إرضاء لرغبات من انتخبوه -هذا إذا لم يكن من التيار الإسلامي- وقتها على أي أساس ستدار البلاد؟؟ على أساس إعلانات دستورية مؤقتة يصدرها الرئيس منفردا وهو يملك كل الصلاحيات أم على أساس توافق وطني؟؟ 3- التوافق الوطني المتوقع القبول به، هل يقبل بوجود الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية بين صفوفه أم سيتم إقصاؤهم كما يتهمون النظام الحالي بإقصاء معارضيه؟؟ في حال شاركوا سيكون لهم صوت كغيرهم في تغيير دفة "الثورة الجديدة"، خصوصا مع اجتماعهم ككتلة شعبية لا يُستهان بثقلها.. وإذا تم إقصاؤهم سيلجأون إلى الشارع للضغط وربما إسقاط القيادة الجديدة المنتخبة.. 4- الانتخابات أولا أم الدستور أولا (في حال إلغاء العمل بالدستور الحالي)؟؟ وإذا سبق الدستور فعلى أي أساس سيتم كتابته؟ وإذا سبقت الانتخابات فهل الأغلبية هي التي ستكتبه أم ستشكل لجنة محايدة من الخبراء؟ ومن الذي يعينها؟ وبأي صفة؟؟ سنحتاج هنا إلى انتخاب جمعية تأسيسية عبر الاقتراع المباشر، لعمل دستور يتم الاقتراع عليه لعمل انتخابات برلمانية يتم الاقتراع عليها، هذا بعد إجراء انتخابات رئاسية يتم الاقتراع عليها (لاحظ كمية حرفي القاف والعين في الفقرة)! 5- وهو من الأسئلة المهمة.. ما مصير الملف الاقتصادي؟ وما الحالة المتوقعة لاقتصاد يعاني النزيف في ظل عاصفة سياسية لا تؤمَن عواقبها؟ 6- ذلك الكائن الغامض، المتخفي في ثوب غيره، المسمى بالفلول، ما المتوقع منهم؟ وما النتيجة التي سيحصلون عليها؟ وهل من المنطق تجهيلهم بهذه الدرجة رغم أنهم نافسوا بقوة في الانتخابات الرئاسية الأولى، وكادوا ينتصرون؟؟ أنا وجهت الأسئلة وأريد إجابات منطقية.. ربما الشيء الوحيد الذي أجد نفسي مدفوا لأن أجيب عنه هو أن الانتخابات والتغيير الفعلي على الأرض لا تملكه وسائل الإعلام ولكن يملكه من يملك الشارع، ولهذا انحصرت المعركة سابقا في القوتين الوحيدتين المنظمتين في مصر الإخوان والفلول.. ودون تنظيم وتوفير بديل قوي يقنع رجل الشارع العادي فإننا نصنع بأيدينا نهاية رواية "باب الخروج" تماما كما رسمها المبدع عز الدين شكري.. وسنفاجأ بعودة النظام البائد.. هذا خوف لا تخويف.. فقدان البديل يجعل العاطفة الثورية جامحة تحتاج إلى تعقل.. وإيجاد البديل ليس صعبا ولكنه يأخذ وقتا هو الفترة الأولى للرئيس الحالي.. من كان يرى في نفسه الجدارة فليستعد لخوض انتخابات رئاسية بعد ثلاث سنوات، ليضرب مثلا في تداول السلطة لا الانقلاب عليها، وأي تيار يرى في نفسه القوة الشعبية والقدرة على إدارة البلاد فليتقدم لانتخابات برلمانية تتحدد على أساسها الحكومة والسياسات الاقتصادية والتعديلات الدستورية، الأمر لا يتعلق منطقيا باسم الرئيس وحده.. والمعارضة التي لا تملك إلا أشخاصا وتسعى لتسكينهم في موقع الرئاسة تحتاج إلى إعادة بناء هيكلي يستطيع أن يفرض نفسه كقوة حقيقية فاعلة.. والذي ينطح الآخرين يجب أن يكون من القوة بحيث يتحمل عندما ينطحه الآخرون كذلك..