تحدّثنا في الحلقة السابقة عن المهن والصناعات التي ظهرت وانتشرت في مصر منذ سنوات وكان يعمل بها كثيرون، ولكنها اختفت بمرور الزمن، واليوم سنستكمل عددا مِن هذه المهن القديمة التي نسيناها، ولم يعد يعرفها أحد إلا مَن عاصرها أو قرأ عنها في التاريخ. في هذه الحلقة سنتطرّق لبعض المهن والصناعات المنسيّة الأخرى؛ وهي: مكوجي الرجل، وسمكري بواجير الجاز، وسروجي الأحذية. * مكوجي الرجل: مهنة مكوجي الرجل مهنة بسيطة ومميّزة، وقد ظهرت في مصر منذ سنوات عديدة، ولكنها توارت مع الزمن، ولم يتبقّ مَن يعمل بها الآن سوى النّزر القليل. ومكواة الرجل لا تحتاج إلى كهرباء أو غاز، وتكون مصنوعة من الحديد وخامة الزهر وتتخذ شكل مثلث، يقوم المكوجي بوضعها على باجور الجاز لكي يتمكّن مِن تسخينها، ولها يد طويلة يُمسكها المكوجي بيده، ويضع قدمه على المثلث. ثم يبدأ المكوجي في تحريك المكواة في اتجاه فرد القماش، ولعل أكثر ما يميّز مكواة الرجل أنها تجعل الملابس لا تتكسّر أو تتجعّد لمدة يومين أو 3 أيام، وهي تزن تقريبا حوالي 28 كيلو. ويقوم مكوجي الرجل بتحديد درجة الحرارة التي يكوي بها الملابس، وفقا لنوع القماش المصنوعة منه؛ فإذا كانت الملابس مصنوعة من الحرير مثلا، يقوم المكوجي بتسخين المكواة قليلا على الباجور، ويرفعها سريعا حتى لا تؤثّر درجة الحرارة المرتفعة على القماش وتحرقه. ومن ناحية أخرى، فمكواة الرجل لا يمكن أن تتعطّل؛ لأنها مصنوعة من الحديد، وهذه المهنة مستمرّة حتى الآن برغم التغيّرات المتلاحقة الحادثة للمجتمع، وقد اختلفت أسعار كيّ الملابس حاليا عمّا سبق.
يستخدم السمكري أدواته في إصلاح البواجير * سمكري بواجير الجاز: منذ قرابة القرن، كانت بواجير الجاز لها وضع خاص في المجتمع المصري، وكانت ورش سمكرية بواجير الجاز منتشرة في جميع المناطق الشعبية في مصر مثل منطقة باب الشعرية. ويعتبر الباجور هو الشكل البدائي للبوتجاز متعدّد الشعلات الذي نستخدمه حاليا، ولكنه يملك شعلة واحدة فقط، وقد كان النساء يعتمدن عليه بشكل كبير في الطهي وغليان المياه. وهناك 3 أجزاء رئيسية يتكوّن منها الباجور؛ هي: "البلف والفونيا والماكينة"، وهي ذاتها نفس الأجزاء التي غالبا ما تتعطّل، وهو ما يجعل الناس تذهب للسمكري لإصلاحها. وبالرغم من صغر حجم الباجور واستخداماته القليلة؛ فإنه ما زال موجودا في بعض البيوت المصرية ولم ينقرض حتى الآن، ولكنه له أضرار ومخاطر عديدة، فإذا قمت بالضغط على البلف ضغطة قوية من الممكن أن ينفجر في وجهك وتموت، وقد حدثت الكثير من الحوادث من هذا النوع. ويستخدم سمكري بواجير الجاز عددا من الأدوات في إصلاح البواجير المُعطّلة، وهي: أدوات اللحام مثل: الكاوية والقصدير والنحاس وماء النار وإبرة الباجور، ويقوم بالحصول على احتياجاته من تلك المواد بنزوله إلى حارة "النحّاسين" بباب الخلق حيث يقوم بشرائها من هناك. وإلى الآن ما زالت بعض النساء يستخدمن بواجير الجاز في صعيد مصر؛ نظرا لعدم انتشار الغاز الطبيعي كما هو الحال في الوجه البحري. يقوم السروجي بتثبيت وجوه الأحذية على نعالها * سروجي الأحذية: مهنة سروجي الأحذية هي مهنة تصنيع الأحذية من الجلد الطبيعي، وهي مهنة يدوية تحتاج إلى الصبر والبال الطويل. يستخدم سروجي الأحذية أنواعا مختلفة من الجلود الطبيعية؛ مثل جلود الخرفان والجمال والثعابين، ويتمّ دباغتها على 7 ألوان مختلفة حتى تتناسب مع كل الأذواق. وكان يستخدم جلد الخرفان والثعابين لوجوه الأحذية، وجلد الجمال لنعالها؛ فبعد مرحلة الدباغة يبدأ السروجي بتقطيع الجلود على حسب المقاس المطلوب منه، ثمّ يقوم بتشميع الخيط، ثم يقوم بشدّ النعل الجملي على قالب حتى يجف. وبعد ذلك يقوم السروجي بخياطة وجوه الأحذية وتثبيتها على نعالها، ولم تقتصر مهنة السروجي على الأحذية فقط، بل امتدت لتشمل الحقائب والأحزمة. كان الجميع يعتمد على السروجي في تصنيع أحذيته، ولا يذهب أحد إلى شرائها جاهزة من محال بعينها؛ فهي كانت تفصّل بالطلب مثل الملابس. ولم تختفِ هذه المهنة، ولكنها تطوّرت مع مرور الزمن، وأضيف لها بعض الإكسسوارات، واتخذت معظم تصميماتها الشكل الفرعوني، وأصبح يُقبل على شرائها السيّاح والأجانب، كنوع من أنواع التراث المصري القديم. السمة الأساسية التي تميّز أغلب هذه المهن أن صانعيها يتوارثونها تباعا بمرور الزمن؛ فغالبا ما يتوارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم.