تعددت العادات والتقاليد والثقافات في مصر على مر السنين وتباينت فيما بينها، فمنذ عقود عديدة، بل قرون، كانت العادات الاجتماعية مختلفة بشكل كبير عما نمارسها حاليا، فمنها ما تغيّر وتحوّر شكله ليتناسب مع البيئة الثقافية والواقع الاجتماعي، ومنها ما اختفى تماما رغم كونها من صميم المجتمع، ومنها ما استبدلناه بعادات وثقافات أخرى. واليوم نستعرض عددا من هذه العادات والثقافات التي اندثرت مع مرور السنين، ومنها: * الخاطبة: كانت مهمة الخاطبة لا تخفى على الجميع، فكان كل من يرغب في الزواج يقصدها، وكانت تعتمد الخاطبة على التعرف على الناس من مختلف طبقات المجتمع، أو كما يقولون من الوزير إلى الغفير، وتعمل كحلقة وصل بينهم. كانت الخاطبة تتظاهر ببيع البخور والعطور والمرايا وغير ذلك من لوازم النساء، وتمر على البيوت وتتعرف على النساء وبناتهن، وتعرف جيدا من صاحبة الحسب والنسب ومن حالتها متوسطة ومن هي رقيقة الحال. وكان يأتيها راغبو الزواج من الرجال، فتخبره الخاطبة بالمعلومات التي توافرت لديها عن العروس التي ترشّحها له، فإذا رضي بها يقوم بإحضار هدية من الذهب ويرسلها إلى أهل العروس لتبلغهم برغبته في الاقتران بابنتهم. فتذهب إلى أهل العروس وتخبرهم بمعلومات عن هذا العريس المرشّح للزواج من ابنتهم، وتعطيهم هديته وتظل تذكر لهم في محاسنه، حتى تتم الخطوبة وحينها ينالها ما ينالها من الخير من الطرفين. وقد ظهرت وظيفة الخاطبة في مصر في العصر المملوكي، أي منذ ما يقرب من 7 قرون، وكانت الخاطبة يلجأ إليها كل من يرغب في الزواج، ومُهمتها الأساسية إتمام الخطوبة، ولكنها اقتصرت على المصريين، وكان الأمراء والملوك في عصر المماليك لا يلجأون إلى الخاطبة، ويتزوجون بعضهم من بعض. واستمرت الخاطبة في القيام بمُهمتها هذه في مصر حتى وقت قريب، ولكنها مع مرور السنين اندثرت وظيفتها نظرا لتغيّر عادات وتقاليد المجتمع. * الزار: كان المصريون يخافون من الحسد بشكل كبير، ويعتقدون أن المريض تتلبسه الشياطين والأرواح الشريرة من العالم السُفلي، فكانوا يقيمون له زارا لطرد الأذى والشر عنه. وكانوا يستدعون "الكودية" أو "شيخة الزار" لإقامة حفل الزار، فتحضر إلى بيت المريض، وتقوم بوضع كرسي في وسط المجلس، يجلس عليه من أقيم له الزار مرتديا ثوبا أبيض اللون.. وتقوم "الكودية" بوضع ديك على رأسه وفرختين على كتفيه ثم تقوم بتلاوة بعض التعاويذ، وتنشد أناشيد وتردد الحاضرات كلمة "دستور يا أسيادي"، ثم تضرب مساعدات "الكودية" بالدفوف وينشدن الأناشيد على دقات الطبول. وتبدأ "الكودية" في الرقص بطريقة سريعة مصاحبة ببعض التشنجات، ويشترك معها المريض في الرقص حتى تسقط من التعب، ثم يذبح خروف تلطخ بدمائه الثياب البيضاء لصاحب الزار. وهناك أنواع من حفلات الزار، فمنها الخاص: والتي تُقام عندما تحدد "الكودية" إصابة المريض وتقرر له العلاج بالزار، ويكون الحفل مفتوحا لعدد محدود من أقارب المريض، والعام: ويتم عندما تكون هناك رغبة جماعية بإحياء حفل زار، وغالبا ما يكون عند انقطاع حفلات الزار الخاصة لفترة طويلة، وهناك حفل الزار السنوي الذي يُقام في شهر رجب بمناسبة انتهاء العام لنشاط الزار، ففي شهري شعبان ورمضان يتوقف نشاط الزار، لإيمانهم بأن الشياطين والجن تكون مقيدة في شهر رمضان. * طاسة الخضة: تُعدّ طاسة الخضة أيضا من أشهر الوسائل التي اتّبعها المصريون في الشفاء من الأمراض والوقاية من الحسد وطرد الأرواح الشريرة. وهي طاسة مصنوعة من النحاس الأحمر، ومكتوب عليها تعاويذ معينة، وقد أطلق عليها "طاسة الخضة" لأنها كانت تستخدم في علاج الحسد والأمراض العصبية خصوصا، ثم شملت باقي الأمراض بعد ذلك، مثل التسمم والمغص ولسعة الحية والعقرب والصرع. وقد كانت تستعمل بطريقة معينة، وهي أن يوضع داخلها ماء أو تمر أو حليب ثم توضع في مكان مكشوف في الليل ويتم تعريضه للندى، ويشرب منها المريض في الصباح ويتكرر ذلك عدة مرات حتى يُشفى تماما من مرضه. * العصافير المحبوسة: ومن ضمن العادات الغريبة التي كان يمارسها المصريون سابقا، شراء العصافير المحبوسة وإطلاق سراحها. واقتصرت ممارسة هذه العادة على الأغنياء، حيث كانوا يذهبون إلى سوق الدجاجين، ويشترون العصافير المحبوسة ويطلقون سراحها كنوع من أنواع البر، والتقرب إلى الله. وقد حرصوا على مزاولة هذه العادة، واعتقدوا أن من أطلق سراح عصفور محبوس دخل الجنة، لكن هذه العادة توارت مع الزمن، وقد نتج عن هذه العادة المثل الشعبي القائل: "اللي عنده مال ومحيّره.. يجيب حمام ويطيره"، الذي أطلقه العامة للتهكم على هذه العادة. * الداية: الداية هي المرأة التي كانت ترعى الحوامل، وتشرف على ولادتهن، وعادة ما تكون بارعة في المداواة بالأعشاب والتطبيب الروحاني. كانت أغلب النساء من قبل يحرصن على أن تكون ولادتهن على يد الداية، وقد كانوا يفضلونها بأدواتها ومعداتها البسيطة، عن الطبيب. وغالبا ما كانت الداية امرأة كبيرة السن، ولها خبرة طويلة في العناية بالأطفال، واختيار الداية كانت تُجمِع عليه نساء الحي الواحد أو القرية الواحدة، مما يعزز من مكانتها لدى الجميع. وكانت تتسم الداية دوما بالطمأنينة والرحمة، حيث كانت تقوم بدور كبير في تهدئة الزوج إذا كانت المولودة بنتا، أو في حال وفاة المولود أو أمه. ولكنها تكاد تكون اندثرت هذه العادة أيضا، نظرا للتغيّر الكبير الذي حدث في ثقافة النساء في مجتمعنا، فمن النادر جدا أن تجد من تلد على يد داية حاليا. وبذلك نكون قد ألقينا الضوء على بعض العادات والثقافات المصرية الغريبة التي كانت تنتشر في المجتمع بشكل كبير، ولكنها توارت واندثرت مع مرور السنين.