ترجمة وإعداد: أحمد مجدي هزّت جريمة قتل جندي بالجيش البريطاني يُدعَى "لي ريجبي" في منطقة وولتش جنوبي لندن قرب ثكنة عسكرية يوم الأربعاء الماضي، على يد اثنين من البريطانيين من أصل نيجيري -انحدرا من أسرة مسيحية قبل أن يعتنقا الإسلام- أرجاء المجتمع البريطاني المحافظ؛ حيث تمكّن المشتبه بهما من طعن الجندي البريطاني بالسكاكين والسواطير حتى الموت تحت زعم أن "الجنود البريطانيين يقتلون المسلمين كل يوم"؛ وذلك على حدّ قولهما، وهما يخضعان للعلاج حاليا من جرّاء إطلاق الشرطة النار عليهما واعتقالهما تمهيدا لمحاكمتهما. وفي سياق تداعيات اعتداء وولتش؛ أفاد تقرير بالموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) -نُشِر يوم الأربعاء الماضي- بأن هذا النوع من الاعتداءات لطالما تخوّف من وقوعه كبار المسئولين الأمنيين في المملكة المتحدة؛ لأن "إشارات التحذير باستهداف جندي بشوارع بريطانيا يوما ما، نجدها ضمن أيديولوجية القاعدة العنيفة، وكيف جرى ترجمة ذلك من خلال مؤيّدين لها في المملكة المتحدة وبدول غربية أخرى". وأشار كاتب التقرير "دومينيك كاسياني" -مراسل الشئون الداخلية- إلى أن عقلية الجهاديين العدائيين تتأثّر بعوامل عدّة، ولكن أشهر هذه العوامل على الإطلاق هي المتعلّقة بمعارضة التواجد الغربي في العالم الإسلامي، علما بأنه أحيانا ما يُشير الإسلاميين السياسيين إلى هذا التواجد بوصفه "تلوّثا ثقافيا"، وهو يتمثّل في استقبال تأثيرات خارجية لا يرغبون فيها؛ تحديدا مثل صور نجوم الموسيقى الذين بالكاد يسترهم ملابس والمنتشرة عبر القنوات الفضائية حول العالم. ولكن، وفقا للتقرير -الذي شهد تفاعلا كبيرا من القرّاء حيث تُرجم إلى قرابة الألفي تعليق على صفحات موقع الBBC- فإن الجهاديين يرون وجود الجنود مهما كان دورهم المنوط إليهم تحت مظلّة القانون الدولي، ما هو إلا مظهر من مظاهر العداء للإسلام. وغالبا ما يتم تعضيد هذا المفهوم بصور حيّة على صفحات الإنترنت تُظهر معاناة النساء والأطفال العاديين، "وجميعها مصمّمة لتوليد مشاعر الغضب والشعور بظلم شديد؛ وهو هذا النوع من الظلم الذي يجعل العامة يقتنعون بأن شيئا ما يجب فعله". ويذهب التقرير إلى أن معظم مَن يشعرون بالظلم يُحاولون مقاومته بوسائل سلمية، ولكن، مع الإرهاب، يتحوّل الشعور بالظلم إلى انقلاب فكري في الرأي في قرارة نَفس أحدهم، يرى معه أن العنف العشوائي دون تمييز يمكن معه فقط الوصول للعدل. ويستشهد "كاسياني" في تقريره بالطبيب العراقي بلال عبد الله الذي حاول تفجير مطار جلاسجو عام 2007، والذي تحدّث بوضوح في أثناء محاكمته عن كيفية تحوّله إلى الفكر الراديكالي من خلال رؤيته للبريطانيين والأمريكيين وهم يقتلون شعبه، عوضا عن مفهوم تحرير بلد ما من ديكتاتور يحكمها. وألقى التقرير كذلك الضوء على التظاهرات التي شهدتها المملكة المتحدة، والتي نظّمتها "جماعات إسلامية راديكالية ضد الجنود الذين خدموا في أفغانستان"، ومن ضمن الأحداث المخزية المثيرة للتوتّر ما حدث عام 2009 عندما اعترضت منظّمة باتت محظورة حاليا عَرْضا محليا لوحدة "أنجليان" العسكرية الملكية في لوتون، وهو أحد الألوية الملكية العسكرية العائدة وقتذاك من العراق، الأمر الذي أثار عاصفة من الضجة الإعلامية على ما أسمّتهم وسائل الإعلام البريطانية ب"المسلمين المتشدّدين" الذين "تحرّشوا بالجنود البواسل"! وأشارت الBBC في متن تقريرها إلى أن الأمر الصعب لقوات الأمن يكمن في التفرقة بين مَن يريد فقط التنفيس عن مشاعره المكبوتة، ومَن يُوشك أن يكون خطرا على الأمن العام. وما يجعل المهمة أكثر صعوبة، هو أن المخطّطين لمثل هذه الأحداث باتوا يعملون غالبا وحدهم، أي غير موجّهين ممن تبقّى من نفوذ القاعدة وقيادتها، والمُضي قدما في تنفيذ أي من خططهم المريعة مسلّحين بأيديولوجيتهم في المقام الأول. لذا؛ فإن أي عملية للاستخبارات المكافحة للإرهاب تبدأ بمعرفة ما يدور برأس شخص مشتبه به، لتُصبح في النهاية تتمحور حول معرفة ما إذا كان هذا الشخص يُمثّل خطرا أم لا. وتطرّق التقرير إلى بعض المحاكمات والدعاوى العامة المتعلّقة بقضايا مكافحة الإرهاب التي تتمحور في باطنها حول مشاعر الغضب من الدور الذي تلعبه القوات المسلحة خارج البلاد؛ ففي عام 2007 أسفر تحقيق مشترك من قوات الشرطة وجهاز الاستخبارات البريطانية عن اعتقال رجل يُدعَى "برفيز خان" من برمينجهام، أراد أن يختطف جنديا بريطانيا على طريقة الجهاديين في العراق؛ من خلال قطع رأس جندي وتصوير العملية بأكملها على شاشات الكاميرا قبل نشرها وتداولها على صفحات الإنترنت، والآن هذا الرجل يقضي عقوبة السجن مدى الحياة. ولا يُمكن غضّ الطرف عن المثال الأشهر للحوادث المفتعلة ضد الجنود، وهو حادثة إطلاق النار بقاعدة فورت هود العسكرية بولاية تكساس الأمريكية في عام 2009، والتي أسفرت عن مصرع 13 شخصا على يد رائد بالجيش الأمريكي، أشارت تقارير إلى أنه تأثّر بأفكار راديكالية لأحد رجال الدين بتنظيم القاعدة! ووفقا ل"كاسياني"؛ فإن التبرير المتواصل الذي يسوقه المتطرّفون المعنيّون بهذه الحوادث يتمثّل في أن القوات المسلّحة شنّت حربا على الدول الإسلامية، لذا فإنهم الآن يجلبون الحرب إلى عقر دارهم، ويستشهد المقال بمنفّذ اعتداء وولتش الذي قال بلهجة لندنية خالصة: "يجب علينا محاربتهم مثلما يُحاربوننا.. العين بالعين والسن بالسن". وتعرّض التقرير إلى سبب آخر لتخوّف المسئولين من هذا النوع من الاعتداءات، وهو يتعلّق بالفشل؛ فمثلما تمّ "اكتشاف أن المشتبه بهما معروفون لدى السلطات؛ فإن هذا لا يُفسّر حتى الآن أي وكالة عرفت بدقة ماذا وأين، بخلاف ما استعرضوه في الاستجوابات العديدة على مدار السنوات الماضية، ولكن لم يثبت التورّط في التخطيط للاعتداء. وهناك مقترح أن واحدا مِن منفّذي الاعتداءات قد يكون جرى توقيفه من قِبل وكالة أمنية في أثناء سفره للخارج، ولكن المعلومات المتعلّقة بهذا الأمر ما زالت غير واضحة". ولأن الشرطة وأجهزة الأمن لديها موارد محدودة؛ فإن هذا يُفسّر لماذا يركّزون على التهديدات الحالية أو الأكثر خطورة، ثمّ يقومون بمحاولة اكتشاف ما يستطيعون فعله حيال أي شخص آخر في "محيط" أو "دائرة" هذا التحقيق، علما بأن مصطلح "محيط" أو "دائرة" التحقيق قد ظهر قبل أعوام مضت عندما تبيّن أن أجهزة الاستخبارات والشرطة لا تعرف سوى معلومات جزئية عن العقل المدبّر وراء تفجيرات 7/ 7 الانتحارية في لندن عام 2005، وجميعهم أصرّوا على أنهم كانوا لا يملكون أي معلومة استخباراتية مفادها بأن هذا الشخص قد يسبّب خطرا أو تهديدا للأمن العام. ويختتم تقرير الBBC بسؤال مهم يُوجّه إلى أجهزة الأمن المعنية ويحتاج إلى إجابة شافية: "هل كانوا يعرفون معلومات ضئيلة؟ أم إنهم عرفوا معلومات كافية لتبرير تخصيص موارد إضافية للتحقيق مع أي شخص؟". يُشار إلى أن "تفجيرات 7/ 7 تُلقي بظلالها على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية؛ لأن هؤلاء المسئولين لا يريدون أن يتمّ اتهامهم بارتكاب خطأ قد يكلّفهم حياة أشخاص".