جميل الذيابي لا تعلم الشعوب الخليجية طبيعة علاقات بلدانها مع إيران! وما هية أسباب التأزم في تلك العلاقات! مَن يخشى مَن؟ مَن يُجامل مَن؟ مَن يُحاول كسب الآخر، أو كسب الوقت، ورفع شعار سياسة "النفس الطويل"، واحترام الجار؟ هناك توتّر في العلاقات الخليجية-الإيرانية، وشكوى خليجية دائمة من التدخّلات الإيرانية في شئون بلدان الخليج، كما أن إيران تحتلّ الجزر الإماراتية الثلاثة، وتلوّح من فترة لأخرى بأن البحرين "محافظة" تابعة لها لا بد مِن أن تستعيدها، لكن العلاقة قائمة، والسفارات مفتوحة، والوفود مستمرّة. الأكيد أن صبر دول الخليج يمتدّ مِن البحر إلى البحر، وأخشى أن تحلّ كارثة في البحر قبل أن يَنْفَد الصبر، وتغوص المنطقة في وحل مِن صنع إيران، وحينها ربما نقول: "فات الفوت وضاع الصوت"، وتسخط الأجيال على سياسة الصمت تجاه ممارسات إيران حتى لوّثت الماء واغتالت الحرث والنسل! بعد الهزة الزلزالية التي تعرّضت لها إيران، سارعت دول الخليج العربية إلى نفي تأثّرها، كأن المطلوب منها تقديم النفي، أو كأنه مكتوب على شعوبها الاستماع إلى تصريحات "النفي"، بدلا من معرفة حجم تأثير تلك الهزات في مفاعل بوشهر النووي، وتأثيره في حياة شعوبها، ومستقبل أجيالها، وبالتالي تأثيره في المنطقة الخليجية، علما بأن الكلفة باهظة من النواحي الصحيّة والبشرية والبيئية والمادية. تأثّرت إيران بعد الزلزال الأعنف منذ نحو نصف قرن -الذي ضرب جنوب شرقي البلاد على الحدود مع باكستان وقتل العشرات- واهتزّت بعده دول الخليج والهند، ويأتي الزلزال بعد أسبوع على هزة قوتها 6.3 درجة، أسفرت عن مقتل حوالي 40 شخصا في محافظة بوشهر (جنوب غربي إيران)، وهو ما أثار مخاوف من تسرّب إشعاعي من محطة بوشهر النووية، على الرغم من نفي طهران وموسكو تعرّض المحطة لأضرار. يكمن القلق الشعبي الخليجي في خطورة التسرّبات من مفاعل بوشهر؛ ففي حال تسرّب مواد إشعاعية من المفاعل ستكون مدمّرة ومهدّدة لحياة الناس؛ خصوصا أن "بوشهر" أقرب إلى الكويت وأبو ظبي والدوحة والمنامة والمنطقة الشرقية في السعودية، أكثر من قربه إلى العاصمة الإيرانية (طهران). في الأيام الأخيرة -وبعد الزلزال الذي ضرب "بوشهر"- تداول الخليجيون -عبر قناة "يوتيوب"- لقاءً تليفزيونيا مع الدكتور عمر بن عبد العزيز الزيد الذي حذّر كثيرا -كما فعل غيره- من تأثيرات مفاعل بوشهر في حياة الخليجيين، ومِن حقيقة أن ذلك المفاعل النووي يبعد عن طهران 1600 كيلومتر، لكنه يجاور الكويت، ولا يبعد عنها سوى 200 كيلومتر! ذَكَر الزيد أن مياه الخليج محلّاة؛ إذ إن المياه السطحية قليلة، والمياه التي يشربها أهل الرياض ودول الخليج الأخرى محلاة مِن مياه الخليج العربي، ولو "حدث زلزال قوي سيُدمّر حياة أهل الخليج العربي، ولن يجد أهله قطرة ماء يشربونها لو تسرّب إشعاع نووي؛ فمحطات التحلية ستتوقّف، والناس لن تشرب ماءً فيه إشعاعات نووية مدمّرة". وأضاف: "لو كانت درجة الزلزال الأخير أعلى بقليل؛ أي كانت 8 درجات، وحدث شرخ في مفاعل بوشهر، وتسرّب الإشعاع، لمات أهل الخليج من الظمأ، ولن يجدوا ما يشربونه". ويُشير الزيد إلى أن جبال زاغروس -المجاورة لمفاعل بوشهر- تعدّ منطقة زلازل، وقد تكلّم علماء الزلازل عنها، وقالوا إن زلازل قريبة ستحصل في هذه المنطقة، محذّرا بقوله: "يا أهل الخليج.. يا مجلس التعاون.. ارفعوا شكوى إلى الأممالمتحدة، ومجلس الأمن الدولي، لإبعاد هذا المفاعل عنكم؛ لأنه سيُدمّر البيئة والحياة، ولو حصل تسرّب بفعل الزلازل لأهلك الأخضر واليابس والحرث والنسل، وتذكّروا أن الإشعاعات النووية سيبقى أثرها في البيئة مئات، بل آلاف السنين". ويلفت الزيد النظر إلى أن إيران تعلم جيّدا أن بوشهر منطقة زلازل، لكنها لا تُبالي لأنه لن يُصيبها مكروه؛ لأنها تُدرك أن بينها وبين "بوشهر" سلسلة جبال زاغروس (ارتفاعها 5 آلاف متر)، وتبعد عن عاصمتها 1600 كيلومتر، لكنها لا تبعد كثيرا عن قطر والإمارات والكويت والدمام! ويُوضّح أن إيران تستنزف النفط والغاز والمياه في منطقة الأهواز العربية، ولا تكتفي بذلك، بل شيّدت هذا المفاعل "المشئوم"، ووضعته في بوشهر بالقرب من دول الخليج، مشيرا إلى أن التقنية الروسية في المفاعلات النووية رديئة وسيّئة، مستدّلا بما حدث في "تشيرنوبل"! الأكيد أن إيران تستفز دول الخليج سياسيا، وفي الوقت نفسه تمارس تعتيما إعلاميا على طبيعة مفاعلها النووي، وحجم التصدّعات والتسريبات الإشعاعية جرّاء الهزات المتلاحقة، وهو ما يزيد المخاوف مع كل هزّة أرضية حيال سلامته النووية. وعلى رغم ذلك ترفض سماع صوت الجيران والتحذيرات الدولية، وهو ما يوجب على دول الخليج التقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن، والطلب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إرسال فريق فني متخصّص لمعاينة المفاعل النووي الإيراني في بوشهر بعد الهزة الأرضية الأخيرة، والتأكّد من سلامته وخلوّه من تسرّبات إشعاعية، والوقوف على أضراره المحتملة التي ربما تؤدّي إلى كارثة على المنطقة وأهلها. كما يجب على دول الخليج رفض "التغييب"، والمطالبة بالانضمام إلى الاجتماعات والمحادثات بين الغرب وإيران في شأن برنامجها النووي، لكون تأثيراته المباشرة تقع على الشعوب الخليجية قبل غيرها، حتى لا تكون كالشاهد الواقف على المدرجات، فاقدا التأثير على نتيجة المباراة، ولمنع أي صفقة غربية-إيرانية قد لا تراعي مصالحها الحيوية. نُشِر بجريدة الحياة اللندنية