نستكمل معاً الجزء الثاني من قصة أول سيدة مصرية تحقق حلمها في تسلق قمة جبال الكليمنجارو. أصعب اللحظات كان آخر يوم، خرجنا من الكوخ تمام العاشرة مساء، واستمررنا في الصعود إلى السابعة والنصف صباحاً بزاوية 90 درجة، وبعد ذلك ارتحنا ساعة وأكملنا إلى الساعة الرابعة وارتحنا قليلاً، وأكملنا مرة أخرى إلى الساعة السابعة صباحاً حتى وصلنا إلى القمة، ولم نمكث فيها سوى دقائق ونزلنا مرة أخرى.
روح الفريق لقد كان معي سيدتان؛ الأولى كانت دكتورة تخدير قررت أن تقضي الويك إند بشكل مختلف؛ فاختارت أن تتسلق الجبل والثانية كانت أمريكية قد خاضت العديد من المغامرات في التسلق، وتستعد لتسلق إفريست، ومثلت هذه السيدة حافزاً قوياً لي ولصديقتي؛ خاصة في آخر يوم لنا؛ حين تمكّن منا التعب والإرهاق بشكل كبير؛ فكانت تؤخّر نفسها حتى تجارينا وتظل وراءنا تدعمنا بترديد عبارات مثل: "لقد اقتربتم، أنتم أقوياء، لقد فعلتموها، لم يتبقَ سوى وقت قليل".
وفعلت أيضاً شيئاً يستحق الإشادة: كانت صديقتنا الثالثة تعاني من ضيق في الأوعية الدموية، ومن المعروف أن انخفاض الحرارة يعوق حركة الدم؛ فكانت دائماً مهددة بالتوقف بسبب عدم قدرة يديها على الحركة، وبالفعل توقفت يداها بشكل كامل في آخر يوم، وطلبت منا أن نكمل الرحلة من دونها؛ فكان رد فعل هذه السيدة الأمريكية أنها خلعت قفازها وأخذت تدفئ يديها ببعضها، ثم بعد ذلك أعطت لها القفازات الخاصة بها لكي ترتديهم وتدفئ يديها.
وارتدت هي جورباً خفيفاً كان معها، ولم تفكر وقتها بأنها بهذا الأمر قد تضر نفسها؛ بل كان شاغلها أن ننجز جميعاً -كفريق- هذا الأمر بنجاح.
فوق القمة لا شيء على الإطلاق، كمّ التعب الجسدي والنفسي دفعني إلى البكاء وترديد عبارة واحدة (أنا نجحت وقدرت أوصل... أنا وصلت).
سر النجاح الفضل الأول لله في كل ما فعلته، أنا كنت ربة منزل في الأساس، والجميع يندهش من هذا؛ فبعد تخرّجي من كلية الطب مكثت في المنزل لمدة 7 سنوات أنجبت خلالها أطفالي، وجعلت كل تركيزي منصبّاً على حياتي الأسرية فقط، وبعد هذه الفترة اشتقت إلى العمل؛ ولكني لم أكن أرغب في العودة للطب مرة أخرى؛ فأخذت كورساً في تصميم المواقع وأنا لا أعي لماذا؟ وخلال هذه الفترة اتصلت ببعض الأصدقاء، وكان موقع إسلام أون لاين في بدايته؛ فطلبوا مني الكتابة معهم، وعملت لفترة طويلة بشكل حر من المنزل، وبعد أن تحسّنت ظروف أطفالي وكبروا قليلاً؛ بدأت بالتعمق في مجال الكتابة الصحفية، وحصلت على درجة الماجستير في الإعلام، وبدأت من هنا رحلتي مع الإعلام.
أما بخصوص التوفيق؛ فتنظيم الوقت وتحديد الأولويات مهم؛ فاليوم 24 ساعة وهي كافية جداً لكي تفعل فيهم أكثر من شيء؛ السر في التنظيم والتخطيط.
خلاصة التجربة هذه مجموعة من الدروس المستفادة والتي تهديها نادية العوضي لكل أصدقاء بص وطل:
* غامر؛ فحياتك تستحق المغامرة، اقرأ تجارب الآخرين واستفد منها؛ لكن من المهم أيضاً أن تصنع أنت تجارب تحمل خاتمك الشخصي، ولا تجعل كل دورك في الحياة مراقبة من حولك وتتبع نجاحاتهم الشخصية.
* لا تتحجج بأسرتك وبأنهم لا يقدّمون لك الدعم والثقة الكافية لكي تنجح، أثبت لهم أولاً أنك قادر على الفعل وليس مجرد الحديث فقط، عندما يشاهدون قدرتك على تخطي الأزمات والمحن سيثقون بك؛ فإن الثقة تأتي مع الممارسة؛ فهي ليست فعلاً مكتسباً، فأنا مثلاً عندما كنت أبلغ من العمر الخامسة والثلاثين وسيدة ومتزوجة وأم لأربع أطفال، لم توافق أسرتي على سفري بمفردي أول مرة، وسافرت بصحبة أخي، وفي المرة الثانية سافرت بصحبة صديقتي، وبعد هذا أصبح الأمر معتاداً بالنسبة لهم؛ فهم أيقنوا أنني قادرة على التصرف بمفردي.
* ابحث حول المشكلة لكي تعبرها سريعاً؛ ففي الوقت الذي تقطعه في التفكير في حجم المشكلة وأثرها عليك من الممكن أن تتخطى المشكلة ذاتها، لا تقف طويلاً أمام العقبات وحاول أن تعبرها في أقصر وقت ممكن بأي طريقة كانت حتى لو كانت بالقفز من فوقها.
* قم كل فترة بوضع مجموعة محددة من الأهداف واعمل على ربط كل هدف بوقت معين للتحقيق، ولو كان هذا الهدف من الصعب تحقيقه في الوقت الحالي مثل قصتي مع الكليمنجارو؛ فقم بإعداد نفسك له، وطول فترة الإعداد تلك قم بتحقيق بعض الأهداف الصغيرة التي تتشابه مع ما ترغب في تحقيقه؛ حتى تكون دافعاً لك على فعل هذا الشيء.
* ساعد من حولك ولا تبخل بتقديم يد العون والمساعدة لهم؛ هذه المساعدة ستنمّي داخلك أشياء كثيرة وستعمل على خلق علاقات ود وحب لا يمكن أن تتخيلها مع كل من حولك.
* اختبر نفسك كل فترة بفعل شيء ما من خلال مغامرة أو رحلة؛ هذا الأمر سيساعدك بصورة كبيرة على أن ترى حياتك من الخارج بشكل أفضل؛ ليس هذا فقط؛ بل تعيد تقييم أشياء وقدرات كنت سلمت بأنها غير موجودة فيك.
* تعلّم كل شيء وأي شيء، وقم دائماً بإعادة اكتشاف نفسك بنفسك؛ أنا مثلاً اكتشفت بعد 7 سنوات من دراستي للطب أنني لا أفضّله كمهنة، وتجلت هذه الحقيقة أمامي من سنوات قليلة فقط، وكانت بسبب فشلي أو تكاسلي في الحصول على درجة الماجستير في الطب منذ فترة، وكان لديّ قناعة وقتها بأنني فشلت في التوفيق بين البيت والدراسة، وأن الأمر صعب جداً؛ لكنني وجدت نفسي بعد سنوات أفعل أشياء أكثر صعوبة من الطب بمراحل، والسبب الحقيقي كان أنني لم أشعر بالسعادة في ممارسة الطب؛ لذلك لم أفعله بحب؛ لذلك لم أنجح فيه.
* لا تقارن نفسك بمن حولك وتفهّم قدراتك جيداً؛ فالأمر الذي تفعله في ساعة يمكن لآخر أن يقوم به في عشر دقائق؛ هذا ليس قصوراً منك؛ ولكنها قدراتك، المهم أنك وصلت لنفس الهدف معه؛ الأمر الذي يدفعك في المرة القادمة إلى تحسين قدراتك.
* الخوف مفيد جداً وليس مضراً كما يتخيل البعض؛ فالخوف الطبيعي يساعدك على تفادي الوقوع في الأخطاء، أنا مثلاً في رحلتي خفت من مرض تسلق الجبال؛ الأمر الذي دفعني إلى استخدام عقلي في كل خطوة أخطوها.
* ابحث عن الشيء الذي يجعلك مسروراً بفعلك له.
وأخيراً لا توجد تجربة فاشلة وأخرى ناجحة؛ فكل ما يمر به الإنسان مفيد حتى لو أثبتت التجربة فشلها في وقتها، ستحقق لك شيئاً ما في حياتك، وستساعدك على عدم الوقوع في نفس الخطأ الذي أدى إلى الفشل مرة أخرى.
اقرأ أيضا: الجزء الأول
نادية العوضي في كليمنجارو * تنمية ذاتية اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: