أنا الفرح سطر غلط مكتوب في حياتي، لا أجد الفرح؛ أنا شاب عمري 15 سنة، وأسرتنا تتكون من خمسة أفراد ولكن أحس بمنتهى الوحدة وأنا معهم.. فجميعهم يمتلكون غرفا يصنعوها كأنها جزيرة منعزلين عني تماما؛ لا أحد يسألني، لا أحد يتحدث معي، كان كل شيء على ما يرام، وبدخول الجهاز المخرّب (الكمبيوتر) ضاع كل شيء، الأب مشغول بعمله والأم لم أرها إلا وقت الغداء، ووقت العشاء تجلس أمام الكمبيوتر طوال اليوم، وإخوتي أيضا يجلسون أمام الكمبيوتر طوال النهار وأنا في حالة صمت تام.. اكتأبت ووزني زاد بطريقة مخيفة، لكن لا يبالي أحد، أصبحت انطوائيا؛ أخرج مع الناس لا أتحدث، أزور أشخاص لا أتحدث، أخاف من جميع الناس، هذه قصتي أرجو الرد.. ماذا أفعل؟
hocomoco
الصديق العزيز والابن الغالي.. أشعر بك وبكل كلمة كتبتها بمشاعر متدفقة صادقة، ولا أخفيك سرا أني سعيدة بك، لأننا دوما كأطباء نفسيين نواجه شكوى الأسر من إدمان الأبناء للكمبيوتر، وأنه قد أذهب عقولهم وأطاح بحياتهم الاجتماعية، فهم يفضّلونه على الأقارب ويمكثون أمامه بالساعات بين الجيمز والشات بلا حراك، جاحظة أعينهم وإذا حدثتهم كأنهم مصابون بالصم، ولا عجب في ذلك لأن الكمبيوتر والتلفاز من أكثر الأجهزة التي تؤثر سلبا على المخ والتركيز أو الانتباه. أما سر سعادتي برسالتك أن من يشكو اليوم هو الابن الذي لم يفعل مثل باقي الأبناء الذين يسعدون بغياب الحوار الأسري، لأنهم ببساطة (مش عايزين وجع دماغ) فيما يخص أسئلة الأهل، ورحت فين وجيت منين وما شابه، فكثير من المراهقين والشباب يفضّلون قلة الحوار حتى يفعلون ما يروق لهم، أما أنت فيبدو أنك ما زلت تحتفظ بأصالة المشاعر الدافئة الفطرية وتبحث عن الأسرة، وهذا حق لك، ولكن أختلف معك في إصابتك بالاكتئاب والانطواء واللجوء إلى الطعام لتفريغ طاقة الاحتياج، لأن ذلك سيضر بصحتك، لكن عليك ما يلي: - أن تصمد وتلح في طلب حقك خصوصا من والدتك، فوالدك يبدو أنه مشغول في عمله، أما أن تقضي الوالدة أوقاتها أمام الكمبيوتر بلا هدف فهذا أمر يثير الدهشة وعليك أن ترفضه وتتحدث إليها طالبا منها ذلك برفق وتودد، أخبرها أن لديك مشكلة ما وتريد رأيها فيها مثلا، وإذا قالت لك كلمة مثل "بعدين" ألحّ في طلبك ولا تكن حساسا لرفضها الحوار، فاعتبر نفسك من الآن تسعى في إعادة لم شمل هذه الأسرة. - تخيّر مناسبة، ولتكن عيد ميلاد الوالدة أو الوالد أو أحد أشقائك وأخبرهم أنك ستقوم بعمل احتفالية رائعة بهذه المناسبة، وقم بالفعل بالترتيب والتنظيم لهذا الحفل وعليك بدعوة الأقارب والأصدقاء. - اقترح عليهم أن يكون هناك يوم تلتقي فيه الأسرة بالأقارب، إما في المنزل أو خارج المنزل. - اقترح أن يكون هناك يوم كل شهر تخرج فيه الأسرة للنزهة معا. - تقرّب إلى أفراد أسرتك بالسؤال عن حالهم كأنك تطمئن عليهم، مثلا إذا شعرت أن أحدهم مشغول ومهموم بأمر ما فتودد إليه واسأل بلطف عن السبب وساعده في حل مشكلته، أي أنت هنا تعكس الأمر بجعلهم يحتاجون إليك ويلجؤون إلى الحوار معك، ثم تجعل الأمر متبادلا بعد ذلك، فأنت اليوم تطلبني لمساعدتك وأنا سأحتاج إليك غدا وتساعدني، وهكذا.. - تقرّب إلى والدتك بمساعدتها في أعمال المنزل مثلا، واعرض عليها المزيد من المساعدة يوميا. عليك أن تحاول ولا تيأس ولا تجعل الأمر يصل بك إلى حد الاكتئاب والشراهة في تناول الطعام، لأنك حتى وإن فشلت في أن تعيد الحوار لهذه الأسرة التي أصيبت بلعنة الكمبيوتر وخرس التكنولوجيا فعليك أن تبحث عن ذاتك بما يرضي ربك، وذلك بأن تملأ وقتك بكل ما هو مفيد: 1- العبادة. 2- الأصدقاء الذين يملؤون وحدتك، مع مراعاة حسن اختيارهم من حيث الدين والأخلاق، فالصديق الوفي قد يملأ حياتك بهجة ويساعدك على تخطي أزمتك مع أسرتك، فرُب أخ لك لم تلده أمك. 3- الرياضة ثم الرياضة ثم الرياضة، التي هي علاج ووقاية من الآفات النفسية، فبذل الطاقة البدنية يفرز بعض المواد الكيمائية في المخ التي تحمي من الإصابة بالاكتئاب، ثم أنك لو شغّلت عقلك بالتفوق الرياضي بجانب دراستك لكان ذلك كفيلا بأن يخفف من حدة تأثرك بسلوك أسرتك وانشغالك بما يفعلون. 4- لا بأس من أن تستعمل الكمبيوتر أنت أيضا لكن بشكل مقنن ومفيد، كتعلّمك مثلا لمهارات متقدمة من أجل الحصول على شهادة الرخصة الدولية للكمبيوتر، أو دراسة تصميم الويب أو الجرافيك.. إلخ. صديقي العزيز نحن من نطوي صفحات السعادة بحثا عن صفحات الحزن والهم في حياتنا، كن مرحا ولا تعاقب أهلك بجسدك وصحتك، فاعلم أن انطواءك وشراهتك في الطعام وزيادة وزنك كلها محاولات لا شعورية منك لجذب انتباههم، فأنت تعاقبهم بصحتك النفسية والجسمانية، فأنت من سيخسر في النهاية، فتوقف عن هذا وواجه مشكلتك وابدأ في الحل؛ كن رجلا من الآن.. وفقك الله.