السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. مشكلتي هي مدح الناس؛ فأنا فعلا أحب المدح، ولكنه يُضايقني، وأريد أن أتخلّص منه؛ لأن له انعكاسات نفسية سلبية عليّ. كما أن أفضل وصف لشخصيتي هو "شوي" من كلمة Show؛ حيث دائما ما أمشي في الشارع ظنا منّي أن كل الناس ينظرون إليّ، أو أكون في ميكروباص فأحسن من كلامي وطريقتي، وأتحدّث مع مَن معي من أصدقائي بمرح واضعا بين الحين والآخر معلومة قيّمة. حتى مَن يسمعني ممن حولي أو ممن خلفي يقول إنه مثقّف مرح، وما إلى ذلك فيجنّ جنوني وأظنّ أني مريض نفسي. كثيرا ما ألوم نفسي وأتضايق كثيرا من هذا وتكتئب نفسيتي بسبب تلك الأشياء، أريد أن أتخلّص من كل هذا، وأتخلّص من إحساس أني مهم أوي، وأن الجميع يهتم لأمري.. وجزاكم الله خيرا.
a.gh
صديق "بص وطل" مرحبا بك.. الإنسان مخلوق اجتماعي، ومن أهم أولوياته أن يشعر بانتمائه للناس وبحبّهم له، ومن الطبيعي كذلك أن يشعر بنزعة داخله تجعله يرغب في أن يكون جميلا في نظر الناس مهما أخفى من عيوب داخله؛ فهذه صفة متأصّلة داخل الإنسان أن يُحاول الظهور دائما بشكل أفضل، وأن يحصل على احترام الناس وحبهم. ومن الطبيعي كذلك أن يشعر الإنسان أنه يلفت النظر ويهتمّ به الناس، وهذا شيء طبيعي جدا؛ خصوصا إذا كان يمتلك الكاريزما التي تشعر من حوله بالمرح والبهجة في وجوده، وهذه الصفة من الواضح أنك تتحلّى بها، والدليل أن هناك مَن أخبرك بذلك. لكن المشكلة في أن هذا الأمر بدأ يؤرّقك ويزيد من مساحة الاهتمام لديك، إلى درجة أن يُسيطر على تفكيرك، ويجعلك تشعر طوال الوقت بالناس، وهذا معناه أنك تضع اهتمام الناس في مقام كبير جدا على حساب اهتمامك أنت بنفسك وبحكمك على الأمور؛ فنظرة الناس لديك لها الأولوية والصدارة، وهذا ما يجعلك تبحث عنها طوال الوقت؛ لأن عقلك الباطن يضخّم منها كثيرا، وبالتالي لم ينشط لديك تركيزك على أفكارك أنت، بل أهمل هذا الجانب؛ لأنه لا يستحق من وجهة نظرك بعكس نظرة الناس. فأنت لديك ترسّبات في عقلك الباطن ربما منذ الطفولة تعطيك الإحساس بغير أهميتك وبأنك لا تستحق، وأن قيمتك لا تنبع من ذاتك، وأن عليك فعل أمور معيّنة لكي تحصل على الاهتمام والحب؛ حيث إن فترة الطفولة شعرت فيها بعدم تقدير الآخرين لك وتجاهلهم، وكذلك تخلّيهم عنك. وجعلك ذلك تحبّ أن تكون مركز اهتمام الآخرين دائما، وأن يركّزوا عليك في كل مكان، وتفعل ما يجعلهم يهتمون بك. وبسبب شعورك الداخلي بعد استحقاقك للأمر وعدم شعورك بأهميتك؛ فإنك تقوم برفض المدح والمجاملة على الرغم من أنك تحتاج إليهما، وربما تشعر أن المدح فيك يكون لشيء خارج عن إرادتك وليس لك يد فيه؛ لأنك لا تثق في نفسك ذاتيا بشكل كافٍ. صديقنا.. عليك أن تجلس مع نفسك، وتخرج من نفسك ذكريات وأحداث كوّنت ذلك الشعور لديك؛ فعندما تبحث داخل نفسك وتتذكّر المواقف التي خزنت بداخلك يمكنك وقتها أن تحذفها لتضع مكانها الصورة الحقيقية لذاتك؛ لأن المواقف التي حدثت لك ليس بالضرورة أن تكون صحيحة، وتقصير الآخرين معك في وقت من الأوقات نابع من ضعفهم هم أيضا، لذا أنت الذي لك كل التأثير على نفسك، وذلك ينبع من أفكارك وطريقة تفكيرك، وهي كلها ممكن أن تتغيّر إلى النقيض ما دمت امتلكت الإرادة والتصديق الكامل في ذلك يمكنك السيطرة على عقلك الباطن الذي له قدرة جبارة على فعل كل ما تريده منه. ركّز على إنجازاتك الحالية وأعمالك التي تحبّها ولقيت منها التشجيع، واستشعر فعلا النتائج الفعلية لهذه الأعمال، وسوف تُدرك أن مدح الآخرين لك جاء بناء على حقيقة وليس لمجرد المجاملة، وبالتالي سوف تشعر أنك تستحق بالفعل، وعندما تركّز على الحقائق والأمور الملموسة في حياتك سوف يقلّ اهتمامك بأقوال وتأثير مديح الناس؛ لأنك تركّز على أمور أهم. لا تحاول التقليل من نفسك بإرجاع أسباب نجاحك أو حب الناس لك إلى أي شيء بعيد عنك؛ كأن تستقبل المجاملة مثلا بأن ثيابك جميلة فتقول إنها قديمة وتريد تغييرها؛ لأنها غير ملائمة لك، وهذا لأنك تشعر بميل للرفض لتلك الأمور غير المصدقة داخلك، لكنك حينما تشعر بالفعل أنك تستحق وأن الناس يحبّونك لذاتك ويرون فيك مميّزات وصفات جميلة وكذلك يرون مثلها من العيوب سوف تُدرك أن هذا الأمر عاديا، وأنك لست بحاجة للشعور بكل ذلك القلق إذا سمعت عبارة مديح. يُمكنك تدريب نفسك على استقبال المديح بكلمات بسيطة؛ مثل "شكرا"، ولا تكثر بالتفكير في ذلك الأمر كثيرا، وكذلك عوّد نفسك على مجاملة الآخرين ومدحهم ورؤية صفاتهم الطيبة؛ لأنك ستُدرك أنك أحببت فيهم أشياء وكرهت فيهم أشياء، إذن من الطبيعي أن يحدث معك ذلك، وتجد من يحبّ فيك صفاتك الطيبة وشخصيتك كما هي، واحذر أن تنتقد نفسك للحصول على مديح الآخرين؛ لأن الناس يرون فيك ما تراه أنت في نفسك، وسيصل لهم ذلك الشعور، وستؤكّد لنفسك أنك غير مستحق؛ لأن عقلك الباطن يصدّق ما أنت تعتقده وتكرره وتشعر به جيدا. حاول أن تستقل في أمور كثيرا في حياتك بعيدا عن الناس حتى لا يؤثّر فيك نظرتهم إليك؛ فكلما جعلت وجودهم في حياتك سطحي أمكنك ذلك من التفكير بشكل أفضل، افعل دائما ما تريده أنت وعبّر عن مشاعرك الحقيقية، واعلم أن لكل إنسان مشكلاته وأفكاره التي يركّز عليها، وبالتالي من حقّك أن تعيش حياتك برؤيتك أنت وبطريقتك؛ لأنك لن تجد الناس طوال الوقت يركّزون عليك. اعلم أن أغلى اعتقاد عنك وأغلى حب لك هو حب الله لك؛ لأنه يراك دائما في كل تصرّفاتك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو يحبّك وإلا لما خلقك، ومن حبّه لك جاءت رحمته بك في أن يعفو عنك وعن هفواتك وأخطائك، لذا ما يهمّك في نظر الناس المخلوقين الذين ينقصهم الكثير لكي يحكموا عليك، ماذا يأتي مدحهم لك وتقديرهم لك أمام حب الله لك وعنايته بك. لذا.. فمن أكثر الأمور التي ستطمئنك هو أن يصغر كل شيء في حياتك أمام مراقبة الله لك في أفعالك لأن ذلك هو الأساس؛ فعندما تأتي تصرّفات في إطار رضا الله ماذا سيهمّك في رضا مخلوقاته الضعيفة بعد ذلك، وشيئا فشيئا عندما تتركّز تلك الحقيقة داخلك ولا ترى سوى رؤية الله لك لن يهمّك أي شيء غير دائم في هذه الحياة، وستكون في منتهى القوة والاستقلالية وسيحميك الله من تغيّرات من حولك التي لا تؤتمن، ويكفيك الحديث الذي يقول: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس". مع أطيب تمنياتي بالحياة السعيدة،،،