يبدو أن النجاح الهائل الذي حققه المخرج النيوزلندي بيتر جاكسون في ثلاثية "سيد الخواتم" -والتي صارت ملء السمع والبصر في جميع أنحاء العالم- قد أغراه ليكرر التجربة من جديد. قلّب في أوراقه القديمة، ليجد نفسه يعود إلى عوالم الكاتب العظيم جون تولكين، والذي كان لهذا الأخير فضل إطلاق شهرة جاكسون كمخرج وكاتب سيناريو ومنتج متميز، ويكفي أنه استطاع انتزاع تفاصيل عوالم الأرض الوسطى بدقة من الثلاثية الروائية، ليجسّدها على الشاشة، وبتقنية مبهرة، وبعزف ناعم على قيم البطولة، والتضحية، والحب، والصداقة. وقف جاكسون أمام القصة -التي بسببها اشتهر تولكين ككاتب روائي، بالإضافة إلى سمعته كأكاديمي بارع، وأستاذ لغويات قدير- أمام قصة ال"هوبيت" التي تُعد قصة بسيطة كُتبت للأطفال، وبالتحديد كان تولكين يحكيها لأطفاله قبل النوم، لينصع منها من جديد فيلما سينمائيا، فهل تحتمل أن تتحول إلى ملحمة أسطورية جديدة مثل ثلاثية "سيد الخواتم"؟! جدير بالذكر أن جاكسون لم يكن سيخرج الفيلم في البداية، لكن بسبب انسحاب المخرج السابق، وضع على عاتقه مهمة إخراجه، بالإضافة إلى كتابة السيناريو والإنتاج، وعندما صوّر الفيلم، كان ينوي طرحه على جزئين، ثم أن ضخامة المادة المصوّرة جعلته يستقر على أن تكون ثلاثية أيضا. زمنيا، حدثت القصة قبل أحداث "سيد الخواتم" بستين عاما في الأرض الوسطى، حين كان "بيلبو باجينز- الهوبيت" في عزّ شبابه، يستمتع بالطبيعة وبتدخين الغليون وشرب الشاي ولا يحلم بتغيير العالم، حتى يأتيه الساحر "جاندالف"، فيطلب مرافقته في مغامرة لاستعادة الكنوز التي سلبها التنين المرعب "سماوج" من بلدة الأقزام، حيث اكتمل فريق الساحر إلا من حاجتهم إلى لصّ يتسللّ للجبل. رفض "بيلبو" في البداية أن يرافق الساحر، والثلاثة عشر قزما، لكنه رضخ في النهاية بعد أن خدعه الساحر، وأقيم حفل عشاء في منزله على الرغم من أنفه، وشيئا شيئا يجد نفسه يميل إلى مرافقتهم، ولنا أن نتصور كمّ المخاطر التي قابلوها في طريقهم، من عمالقة متوحشين يقررون أكلهم، وأجناس غريبة تتسم بالخطورة والقسوة، وشيء ما مظلم يتحرك في الأرجاء دون تحديد هويّته، ومطاردات مثيرة تحبس الأنفاس في ظل مؤثرات بصرية وصوتية جبارة. الفيلم تحفة بصرية مدهشة، وخصوصا أنه بتقنية 3D الحقيقة أن بيتر جاكسون لم يخرج- كعادته- عن خط الرواية الأصلي، والتي تكاد تكون أحداث الفيلم متطابقة معها، ويمكنك لو قرأت الرواية أن تتخيل أنك شاهدت الفيلم بالفعل، لكن مقدرة جاكسون وفريق المؤثرات والتصوير والميزانية المهولة التي وضعت للفيلم بأجزائه الثلاثة، جعلت منه تحفة بصرية مدهشة، وخصوصا أنه صُنع بتقنية 3D، لذا فعندما تشاهده وأنت ترتدي النظّارة المخصصة للمشاهدة، فستدخل تدريجيا في الأحداث وتندمج معها. سيخفق قلبك للدمار الذي حلّ ببلدة الأقزام، وستشعر بالضيق من تحفّظ "بيبلو باجينز" وحرصه على النظافة، وستندمج مع التحوّل الذي طرأ عليه من جرّاء المخاطر التي يواجهها هو ومن معه، ومرة أخرى- لو كنت شاهدت ثلاثية سيد الخواتم- ستقابل الكائن العجيب "جولوم"، والذي يعيش في الأنفاق مع خاتمه الغالي، وقد حلت عليه اللعنة، وجعلت منه مخلوقا بائسا، وستضحك من قلبك للعبة الألغاز التي تجري طوال الوقت، وغيرها من مواقف مميزة، صُنعت على مهل، وبضمير يستحق الإشادة والتقدير. كان اختيار الممثل الإنجليزي "مارتن فريمان" موفقا، وقد برع بدقة في تصوير التحفظ ال"هوبيّتي" كما يجب، قبل أن تتغير شخصيته بالتدريج. ومرة أخرى يعود الممثل العظيم "إيان ماكلين" في دور الساحر "جاندالف"، ونراه كعادته يساعد الآخرين ويعيد الحقّ للمظلومين، قبل أن يتحول إلى أسطورة مذهلة في ثلاثية "سيد الخواتم". لم يكمل الفيلم في صالات السينما في العالم شهر، وها هو ذا يحقق ما يقرب من 700 مليون دولار، وأتوقع له المزيد، لذا أنصحك بمشاهدة الجزء الأول من ثلاثية ال"هوبيت" الجديدة، فهو يستحق بكل تأكيد. شاهد تريللر الفيلم هنا