بمنتهى الوضوح، أنا أرفض ذلك الإعلان الدستوري الأخير، الذي أصدره الرئيس مرسي.. أرفضه جملة وتفصيلا.. ولديّ أسبابي.. ربما كان بين قرّاء المقال من يقبله.. وربما هناك من يؤيده.. أو يفرح به.. وهذا حق لكل صاحب رأي وفكر.. أن يقبل.. أو يرفض.. البعض يقبل عن اقتناع.. والبعض عن انتماء.. والبعض عن غضب.. والبعض عن كراهية.. وكلها أسباب للقبول.. ولكنني، وفي كل مقالاتي السابقة، أؤكد وأصر، أنني لا أؤمن بأي انفعالات، في اتخاذ القرارات المصرية.. كل الانفعالات بلا استثناء.. حتى الحماس بكل صوره.. فما أؤمن به وأتشرف بتدريسه، هو التوازن الفكري، والهدوء النفسي، في حساب كل ما يواجهه الإنسان.. ولقد رفضت ذلك الإعلان الدستوري المعيب، بعد تفكير طويل.. وهذه هي أسبابي.. السبب الأول يكمن في إجابة سؤال، ينبغي أن يطرحه كل منكم على نفسه.. ماذا لو أن فصيلا آخر هو من أصدر هذا الإعلان الدستوري، ومنح نفسه كل هذه الصلاحيات المطلقة، التي تجعله أشبه بالآلهة، لا يسأل عما يفعل أو يقرر؟! أو حتى لا تتعاطفون معه؟! هل كنتم -عندئذ- ستؤيدونه، وتهتفون له؟! تصالحوا مع أنفسكم وضمائركم، وأجيبوا السؤال في صدق مع النفس.. وبعدها انتقلوا إلى السؤال التالي.. هل تؤيدون الإعلان الدستوري، أم تؤيدون من أصدره، والجماعة التي ينتمي إليها؟! وبعد أن تجيبوا السؤالين، دعوني أطرح عليكم أسبابي.. أولا: ما أؤمن به، هو أن الله سبحانه وتعالى وحده، لا يراجع، ولا يسأل عما يفعل، ولا راد لقضائه.. أما البشر، حتى الرسل والأنبياء، فهم يراجعون ويسئلون عما يفعلون.. كل البشر.. فكيف لبشري منهم أن يقرر، بإرادة منفردة، أنه قد صار أشبه بالله عز وجل، لا يسأل عما يفعل؟! حتى صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يمنحوا أنفسهم هذه الصلاحية، بل كانوا يدركون أنهم بشر، قابلون للصواب والخطأ، وأنه لا بد من مساءلتهم ومحاسبتهم.. ثم إنهم كانوا يؤمنون بالواحد القهار، الأحد الصمد، ذي الجلال والإكرام، العزيز الحكيم، المعز المذل، المنتقم الجبار.. وكانوا يدركون أنه عز وجل وحده، لا يسأل عما يفعل.. ولكن إعلان مرسي الدستوري الأخير، يقول لنا: إن هناك بشري لا يسأل عما يفعل! وأنا أرفض هذا.. أرفض أن أجعل لله سبحانه وتعالى، الواحد الأحد، شريكا آخر، يمتلك نفس القدرة، على ألا تسأل عما يفعل.. هذا لأن الله عز وجل، يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به.. وقد تختلفوا معي، ولكنني أؤمن بأن منح بشري، أيا كان، صفات إلهية، هو شرك صريح بالله عز وجل.. اقتنعوا أو أرفضوا، هذا شأنكم، ولكن لا تطالبوني بالقبول، بما أراه الأمر الوحيد، الذي لا يغفره خالقي العزيز الجبار.. فأعوذ به سبحانه وتعالى، أن أشرك معه بشريا، أضعه بيدى في مصاف الآلهة، لا يسأل عما يفعل.. فالأمر هنا أخطر بألف مليون مليار مرة من السياسة والقرارات، والحياة نفسها.. إنه أمر يتعلق بالآخرة والأبدية.. وما دمت أشك فيه، ويهدينى عقلي إليه، فكيف أجازف به، وهذا الأمر الذي لا يغتفر، وغيره أيا كان يغتفر، كما قال المولى عز وجل؟! كيف؟! بالله عليكم كيف؟! وثانيا: كيف أشعر بالأمان والاطمئنان، في غياب أي نظام، يحميني من سلطة حاكمة، ترى أنها سلطة إلهية، لا راد لقراراتها؟! أيا كانت هذه السلطة.. هذا أشبه بأن تمنح شخصا سلاحا فتاكا، يصوّبه إلى صدرك، ثم تقضي عمرك وأنت تدعو الله سبحانه وتعالى ألا تدفعه النفس البشرية، الأمارة بالسوء، إلى أن يطلقه عليك! ألا تبدو لك هذه حماقة ما بعدها حماقة؟! هل يمكنك أنت أن تفعل هذا؟! لو أنه يمكنك، فهذا شأنك.. ولكن تذكر أنك تسن سُنّة سيئة، وديننا الحنيف يقول: افعل ما شئت، فكما تدين تدان، واليوم توافق على قرار ديكتاتوري، متصورا أنه سيحقق صالحك، ولكن الأيام دول، والزمن دوّار، وسرعان ما سيأتي آخر، مستعينا بموافقتك على الأمر، ومستمدا من هذه الموافقة شرعية، قد يستخدمها بالتنكيل بك.. وكما تقول الحكمة: من عاون ظالما، سلّطه الله عليه.. فإذا ما حدث هذا، وارتد السهم إلى صدرك، فتذكر عندئذ أنك أنت أطلقته، دون أن تتوقف للتفكير والتدبير.. وافعل ما شئت، فكما تدين تدان.. وافقت على ديكتاتورية اليوم، لأنها تحقق صالحك، وستدفع ثمنها غدا، عندما تنتزع، نفس الديكتاتورية التي وافقت عليها، كل ما هو في صالحك.. ولهذا أرفض الإعلان الدستوري.. وأرفضه.. وأرفضه ألف مرة.. ثالثا وأخيرا: في أي عصر من العصور، لم يكن للقضاء سلطة، حتى على الحاكم نفسه؟! في أي زمن؟! أخبروني أنتم.. حتى في أشد العصور ظلاما، كان هناك قضاء.. وكانت له سلطة.. فماذا لو اختلفت مع نظام حاكم، انتزع منك ما هو من حقك؟! من سيوقفه، ويتصدى له، وينتزع منه ما أخذه منك، ويعيد إليك حقك، لو أن النظام قد منح نفسه صفات إلهية، وقرر -وحده- أن لا يسأل عما يفعل؟! ماذا لو تجبر النظام وتكبّر وطغى واستكبر؟! من سيقول له قف؟! من سيمنعه؟! أخبرني من؟! والأهم أن تخبرني عن عصر واحد، لم يكن فيه قضاء.. ألهذا قمنا بالثورة؟! هل انتزعنا نظاما يمنح نفسه الكثير من السلطات، ليأتي نظام يمنح نفسه كل السلطات بلا حدود؟! احسبوها أنتم.. احسبوها بعقل مفتوح، وصلاة استخارة خالصة، لله عز وجل وحده.. وحذار أن تسقطوا فيما لا يغتفر.. حذار.. احسبوها.. احسبوها ألف مليون مرة.. فأنتم وحدكم ستحملون الذنب، فلا أنا سأحاسب بذنوبكم، ولا أنتم ستحاسبون بذنوبي.. قرروا ما شئتم، وأيّدوا أو ارفضوا ما تشاءون.. ولكن احسبوها أولا.. فلا خير في إن لم أقلها، ولا خير فيكم إن لم تسمعوها.. أما بالنسبة إليّ، فأنا أرفض.. تماما