ثمانون ألف شهيد سوري منذ بدء الثورة الشعبية ضد نظام بشار الأسد لم تكن كافية لكي ينظر مثقفون وسياسيون مصريون في مرآة الضمير قبل أن يدبّجوا بيانا متهافتا يعلنون فيه تأييدهم للقاتل، وسلخ جلود ضحاياه بعد استشهادهم. في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي أصدر مثقفون وسياسيون مصريون من القوميين و"القومجية" والعروبيين و"العربجية" بيانا يسوغون به جرائم بشار الأسد، ويدينون الثورة وشهداءها، باجترار المقولات التي ثبت زيفها وكذبها من عينة أن ثوار سوريا ليسوا إلا عصابات إجرامية ممولة من الخارج، ويلوكون الكلام الخادع عن مؤامرة كونية إمبريالية ضد البطل بشار الذي يحارب الصهيونية والإمبريالية الأمريكية المتوحشة، باعتباره شبل المقاومة والممانعة الهصور؛ امتدادا لأبيه الأسد الكبير على الرغم من أن كليهما لم يطلق رصاصة واحدة على الاستعمار الصهيوني للجولان المحتل منذ أكثر من أربعة عقود! لم يستفزّ ضمائر هؤلاء أن الأسد الذي يقتل شعبه بالطائرات والمدرعات وأسلحة الدمار لم يجرؤ يوما على تحريك دبابة واحدة في اتجاه الذين يحتلون بلاده ويصفعونه في عقر داره. إن أسوأ ما في هذه النوعية من البيانات أنها صارت ورقة في لعبة المكايدة و"المهارشة" التي تمارسها بعض قوى المعارضة في مصر بهمّة منقطعة النظير هذه الأيام؛ لمجرد أن رئيس الجمهورية الذي ينتمي لتيار مخالف صدّر خطابا قويا في انحيازه للشعب السوري، ومطالبا بمساعدة الثورة؛ للتخلص من نظام دموي قطع شوطا غير مسبوق في ممارسة إرهاب السلطة الباطشة. ومن اللافت أن هذا البيان الطافح بمباركة القتل والقمع الوحشي من جانب النظام السوري جاء متزامنا مع تحالفات واندماجات مفاجئة بين فرقاء المدّ القومي الذين توحدوا على حين غرة، وابتلعوا ما بينهم من معاركات ومشاحنات وصلت إلى اتهامات متطايرة بالبلطجة وخطف المقار والأحزاب، ومن بعدها لم نعد نسمع لهؤلاء صوتا يكفكف دمع الأطفال الذين عرفوا اليتم والأمهات الثكالى والرجال الهائمين على وجوههم في مخيمات اللاجئين على الحدود السورية من كل اتجاه. كل ما سمعناه منهم ترديد أعمى لخطاب إعلام بشار الأسد، وكأنه قدر للثورة السورية أن تدفع الثمن مرتين، مرة على يد آلة الإبادة النظامية في سوريا، وأخرى في أتون الصراع السياسي داخل مصر عن طريق تيارات تسبغ على نظام طائفي بامتياز قومية وممانعة تكذّبها الوقائع على الأرض كل يوم. ولو نظرت بعيدا عن تلك النخب العلوية، ونزلت إلى قاع المجتمع المصري ستجد مبادرات شعبية نبيلة شديدة الرقيّ تتداعى لتقديم الدعم المادي والمعنوي للأشقاء السوريين الذين ألقت بهم سفن الهروب من المجزرة الأسدية على أرض مصر، سواء على صفحات فيسبوك أو في الشارع، حيث ينشط مجموعة من الشباب والشابات في تقديم المساعدات الخاصة بالسكن وفرص العمل والدراسة في مختلف محافظات مصر. وهؤلاء هم صوت الضمير الإنساني والوطني من خريجي مدرسة ثورة الحرية والكرامة المصرية في 25 يناير، يقدمون المثل الأعلى في الانحياز المتحضر لقيم العدل والخير، أحسب أن الأحزاب والتحالفات السياسية التي صارت موضة هذه الأيام يجب أن تتعلم منهم، وبدلا من هذه المعارك اليومية الصغيرة، عليها أن تمارس أبسط مبادئ الاتساق مع الذات؛ إذ لا يصحّ أن تملأ الدنيا نحيبا على اختطاف الثورة المصرية، وفي اللحظة ذاتها تكون مشاركا بالكلام في حفر القبور للثورة في سوريا الشقيقة. استقيموا يرحمكم الله. نُشر بموقع الشروق تحت عنوان "دماء سورية ثمنًا لمكايدات المعارضة المصرية"