في سياق تداعيات عَرض الفيلم الأمريكي المُسيء للإسلام، ذَكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية واسعة الانتشار في تقرير مطوّل لها أنه "رغم الصور المريعة للهجوم المميت على البعثة الأمريكية ببنغازي، فإن إدارة الرئيس أوباما تتصارع مع إمكانية أن تكون مشكلتها الأكبر على المدى الطويل تتمثّل في مصر وليس في ليبيا". وأشارت الصحيفة المعروف عنها انتماؤها السياسي الليبرالي إلى أنه قبل هجمات بنغازي بساعات يوم الثلاثاء الماضي، طوّق العديد من المتظاهرين محيط السفارة الأمريكيةبالقاهرة، وأضافت: "وعلى الرغم من أن أعمال العنف هناك لم تسفر عن أيّة وفيات أمريكية، فإن الاستجابة الفاترة من الحكومة المصرية على الاعتداء تسبّبت في مزيد من القلق لدى واشنطن، والتي كانت قد تضرّرت بالفعل من اتّجاه حكومة الرئيس محمد مرسي الجديدة ذات الميول الإسلامية". وعقدت الصحيفة مقارنة بين المكالمة الهاتفية التي دارت بين الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس مرسي من جانب، والرئيس أوباما ومحمد مغاريف -رئيس الجمعية الوطنية الليبية- من جانب آخر؛ حيث رصدت تغيّراً في لهجة أوباما في المكالمتين، وهو ما ينم عن عدم رضى واشنطن من استجابة القاهرة مقارنة بردّ فعل طرابلس. وفي هذا السياق "قال البيت الأبيض في بيان له إن الرئيس أوباما أعرب عن تقديره للتعاون الذي لمسه من ليبيا حكومة وشعباً؛ ردّاً على الاعتداء الوحشي"، وذلك خلال مكالمته مع مغاريف، أما عن المكالمة الأخرى التي تلقّاها الرئيس مرسي من أوباما "فلم تتطرّق إلى أيّ ذكر لتقدير ما"، وإنما شدّد الرئيس الأمريكي على أهمية مواصلة مصر التزامها نحو التعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في تأمين المنشآت الدبلوماسية الأمريكية وموظفيها، وذلك في بيان آخر منفصل صَدر عن البيت الأبيض. وألقى تقرير صحيفة نيويورك تايمز كذلك الضوء على دور المسئولين الليبيين في مساعدة الأمريكيين على حماية أعضائهم الدبلوماسيين ببنغازي. وفي هذا الإطار صرّح أوباما بقوله: "لن يُمزّق هذا الاعتداء الروابط بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وليبيا، الليبيون ساعدوا بعض دبلوماسيينا في إيجاد ملاذ آمن، كما حملوا السفير ستيفينز للمستشفى، حيث علمنا هناك بمأساة موته". وعلى الجانب الآخر، تُشير الصحيفة الأمريكية إلى عدم رضى الرئيس أوباما عن مصر، بوصفها ثاني أكبر متلقٍّ للمساعدات الأمريكية الأجنبية بعد إسرائيل بواقع 2 مليار دولار سنوياً، ووفقاً للتقرير الصحفي، فإن "الرئيس مرسي اكتفى بتوبيخ غير حاد لمثيري الشغب، وكذا على صفحات فيسبوك، في حين دعت جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها إلى يوم آخر من التظاهرات ضد الفيلم الصارخ المُسيء للإسلام الذي أشعل شرارة أعمال الشغب، وعلى الرغم من التنسيق بين الشرطة المصرية والمسئولين الأمريكيين، فإن الرئيس مرسي انتظر 24 ساعة كاملة لإصدار بيان ضد المسلّحين الذين اقتحموا السفارة، في حين قامت السلطات الليبية بإصدار بيان فوري وواضح تُعرب فيه عن أسفها لإراقة الدماء ببنغازي". وأشارت الصحيفة الأمريكية في متن تقريرها إلى تصريح الرئيس الأمريكي المتعلّق بتحوّل العلاقات المصرية-الأمريكية والذي أدلى به لإحدى القنوات الإسبانية مساء الأربعاء الماضي، بقوله: "لا أعتقد أننا نعتبرهم (المسئولين المصريين) حلفاءنا، ولكننا لا نعتبرهم أعداءنا كذلك". وأخذت نيويورك تايمز بآراء العديد من الخبراء السياسيين لتعزيز تقريرها الصحفي، ومن ضمنهم السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل مارتين إنديك، والذي صرح بقوله: "على الرغم من عدم سقوط قتلى أمريكيين، ولكنها المرة الرابعة التي يتم فيها الاعتداء على السفارة بالقاهرة، في حين لا تبذل الشرطة المصرية جهداً كبيراً (للحيلولة دون ذلك)... أيضاً، أين إدانة الرئيس مرسي لتلك الأفعال؟". ويرى العديد من الخبراء السياسيين، وفقاً للصحيفة، أن "الرئيس مرسي يضع استرضاء شعبه من الإسلاميين فوق اعتبارات الأمن القومي؛ حيث جاء ذلك واضحاً على رأس العديد من الخطوات التي قامت بها حكومته، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية الصحافة والنزاع مع إسرائيل حول كيفية تشديد الخناق على الإرهابيين المتوطّنين في شبه جزيرة سيناء". وحسب روبرت مالي -مدير برنامج شمال إفريقيا والشرق الأوسط لدى مجموعة الأزمات الدولية- فإنه "في الوقت الذي يُعدّ قتل السفير ستيفينز مأساة، فإن ليبيا على المدى الطويل تُعد في الأساس مشكلة الليبيين... أما ما يحدث في مصر، فهو على النقيض، بدءًا من الموقف الشعبي تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية، مروراً باقتصادها المحلي والعلاقات بين الإخوان المسلمين والجيش، وبين القاهرة والقدس، وصولاً إلى الوضع في سيناء، كل ذلك من شأنه أن يؤثّر بشدة على المنطقة، ومن ثم يؤثّر بعمق كذلك على وضع أمريكا بالمنطقة". وتَعرض الصحيفة الأمريكية السبب وراء مشاعر ضيق البيت الأبيض من المسار غير محدّد المعالم لمصر، والذي يَكمن في أن "الرئيس الأمريكي لطالما تحيّز لجانب الشارع العربي في مصر أكثر من أي زعيم أجنبي آخر، حتى في المواقف التي جاءت على حساب حلفائه التقليديين، بما في ذلك القوات المسلحة المصرية ودول الخليج وإسرائيل". وعدّدت نيويورك تايمز تلك المواقف لا سيما ما حدث في يونيو الماضي من مطالبة الرئيس أوباما من القوات المسلحة المصرية الإسراع في تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً، وهي الخطوة التي ساعدت الرئيس مرسي على فرض سلطته، وفي الوقت نفسه، عَمدت الحكومة الأمريكية إلى توبيخ القيادات العسكرية التي خَدمت طوال 30 عاماً المصلحة الاستراتيجية الأمريكية الأهم في المنطقة، والمتمثّلة في اتفاقية كامب ديفيد. ووفقاً للتقرير الصحفي، فإنه وبرغم كل تلك المواقف المؤيدة سالفة الذكر لكي تحدث مثل هذه الاضطرابات ضد الأمريكيين في مصر، يعني هذا حدوث خلاف عميق بين أمريكا وحليف قوي سابق، وأضافت الصحيفة: "جاء ردّ الرئيس مرسي المتأخر بعد بعض الأحداث الأخرى التي أقلقت المسئولين الأمريكيين، منها قراره بحضور قمة دول عدم الانحياز في طهران، وصولاً إلى اختياره للصين كوجهة لإحدى جولاته الخارجية الأولى، رغم وَعد الرئيس أوباما بإسقاط مليار دولار من الديون المصرية لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية". ويتوصّل التقرير الصحفي في نهاية المطاف إلى نتيجة أن أعمال العنف في مصر وليبيا تُعزّز من حقيقة الاستنتاج الذي طفا على السطح منذ بداية شرارة الربيع العربي العام الماضي، وهو "أنها حركات شعبية وطنية لا تحظى الولاياتالمتحدةالأمريكية فيها سوى على تأثير محدود، في أفضل الأحوال".