أودعت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار نور الدين يوسف عبد القادر حيثيات حكمها في القضية التي عرفت إعلاميا بقضية "التنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، بعد أن قضت ببراءة د. أسامة سليمان -رجل الأعمال وأحد رموز الإخوان- من تهمتي غسيل الأموال والانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون. وأكدت المحكمة في حيثياتها التاريخية أن جماعة الإخوان المسلمين لم تؤسس بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون، كما لم يتم تقديم دليل واحد على أن الجماعة دعت يوما إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطة العامة من ممارسة أعمالها، ولم ترتكب فعلا يؤدي إلى تحقيق هذا الغرض. وقالت المحكمة: "وحيث إنه باستقراء الواقع والحياة السياسية والاقتصادية في مصر فإن المحكمة وإن كانت ترى أن جماعة الإخوان المسلمين قد أُسِّست وفقا لأحكام القانون إلا أنه وبعد قيام ثورة 1952 وصدور قانون حلّ الأحزاب السياسية فقد اعتبرت الجماعة في ذلك الوقت حزبا سياسيا انطبق عليها قانون حل الأحزاب،ولكن المحكمة ترى أن الجماعة لم تأخذ في يوم من الأيام وصف الحزب ولم تؤسَّس وفقا لقانون الأحزاب، ومن ثم فكان ينبغي أن تحل وفقا للقانون الذي أسست وفق أحكامه وهو قانون الجمعيات الأهلية، بسبب أن مجلس قيادة الثورة عندما أصدر قرارا بحلها فقد حولها إلى حزب سياسي دون رغبة أعضاء الجماعة وهو ما لا يجوز قانونا لأن مجلس قيادة الثورة لا يملك أن يجبر بعض الأشخاص على دخولهم في حزب سياسي أو تأسيس حزب دون رغبتهم مما يعتبر هذا القرار معدوما ومما ينتفي معه وصف الجماعة بأنها جماعة أسست على خلاف أحكام القانون". وتابعت: "فإذا أضفنا إلى ذلك، وعلى فرض أنها أسست على خلاف أحكام القانون، فإن هذا الفرض يدعونا إلى الغرض الذي قامت من أجله الجماعة والذي وصفته النيابة العامة في الاتهام المسند إلى متهمين سبق الحكم عليهم بأنه الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطة العامة من ممارسة أعمالها، وهو ما لم تقدم النيابة العامة دليلا واحدا يمكن أن تطمئن إليه المحكمة وكل ما ساقته هو تحريات منسوبة للشاهد الأول". ووصفت المحكمة تحريات جهاز مباحث أمن الدولة المنحل بأنها "مبتورة لم يعضدها دليل ولا قرينة"، مشددة على "أن ما ينسب إلى هذه الجماعة إنما يتم بواسطة خصومها السياسيين، والدليل على ذلك أن هذه الجماعة تمارس عملها في العلن وتشارك في الحياة السياسية والاقتصادية، وتعمل على تنمية وتقدم الدولة من خلال مشاركتها في أنشطتها العامة، إلا أن النظام السياسي في مصر في الفترة الماضية لم يتسع صدره لمشاركة أبناء الوطن له في الحكم أو في الحياة الاقتصادية، وذلك لما كان ارتكبه من فساد سياسي واقتصادي فظل طوال فترة وجوده يحاول إيقاع خصومه فيما اسماه جرائم إرهابية لم يقدم الدليل عليها". وواصلت المحكمة هجومها على نظام المخلوع قائلة في حيثياتها: "وقد حارب معارضيه اقتصاديا بل وحارب شعبه أيضا اقتصاديا عندما سن قانون شركات توظيف الأموال ووضع يده على أموال صغار المودعين واستولى أنصاره على أصول هذه الشركات بأبخس الأسعار مخلفا خسارة كبيرة بين صفوف المواطنين لما كانوا يستعينون به على إقامة حياتهم". وتابعت: "ولم يكتف بذلك بل قام بعض أنصاره باسترقاق بعض نساء أصحاب هذه الشركات مستمتعين بهن وبأموالهن التي استولوا عليها من أفراد الشعب بعد أن هربوا أو اعتقلوا أصحاب هذه الشركات". وأكدت في الحيثيات: "وحيث إن النيابة العامة لم تقدم دليلا واحدا على أن جماعة الإخوان المسلمين قد دعت يوما إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطة العامة من ممارسة أعمالها، ولم ترتكب فعلا يؤدي إلى تحقيق هذا الغرض، فإن المسألة الأولية السابقة على بحث مدى توافر أركان جريمة غسل الأموال تكون منتفية وغير متوافرة في الأوراق، مما ينتفي معه توافر إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون غسل الأموال رقم 81 لسنة 2002 المعدل". وقالت: "وحيث إنه لما كان يشترط لبدء الأفعال المادية لجريمة غسيل الأموال هو اكتساب أموال و حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو نقلها أو استثمارها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها، وكان القصد من ذلك إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها وطبيعتها وعرقلة التوصل إلى مرتكب الجريمة المتحصل منها المال، مع علم المتهم بذلك حتى يتوافر الركن المعنوي لهذه الجريمة". وأضافت: "ولما كان الثابت من مطالعة الأوراق وبعد أن انتهت المحكمة إلى عدم توافر الجريمة التي يفترض أن تكون سابقة على غسل الأموال وذلك لعدم صدور حكم على أي من المتهمين في هذه الجريمة كما أن النيابة انتهت إلى أن المتهمين الأربعة الأول قد أمدوا جماعة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور بأموال حددتها بالاتهام المنسوب إليهم، وذكرت في الأدلة المقدمة أنهم جمعوها من الدول الأوروبية وبريطانيا على وجه الخصوص، في حين أن الثابت من تقرير اللجنة المشكلة لفحص هذه التحويلات أنها قد وردت من دول الخليج العربي الأمر الذي يؤكد عدم جدية التحريات المقدمة كدليل في الأوراق". وحيث إن النيابة العامة لم تقدم ما يفيد أن هذه الأموال موضوع الدعوى كانت محولة بقصد إمداد جماعة الإخوان المسلمين بها، فليس في الأوراق ما يثبت أن أيا من هذه الأموال التي تسلمها المتهم قد تم تحويلها إلى حساب شخص آخر من جماعة الإخوان المسلمين وأنه سلم بعضها لأي من أفراد هذه الجماعة. وأكدت المحكمة في نهاية حيثيات الحكم أنها حجبت الثقة عن الأدلة الواهية التي ساقتها النيابة العامة للتدليل على إدانة المتهم، وانتهت إلى عدم توافر الشرط السابق على جريمة غسل الأموال لإمداد جماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون بأموال لتحقيق أغراضها الإجرامية، كما انتهت إلى عدم توافر الركنين المادي والمعنوي لجريمة غسل الأموال ومن ثم وقد بان القضاء ببراءة المتهم أمرا مقضيا عملا بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية. من جانبه أكد عبد المنعم عبد المقصود -محامي جماعة الإخوان المسلمين- أن هذه الحيثيات, أكدت ما سبق وأن ذكره أكثر من مرة لوسائل الإعلام من أن الجماعة لم تؤسس بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون, وإنما أسست وفقا لأحكام القانون والدستور , وأن كل التهم الموجهة إليها والخاصة بقيامها بتعطيل أحكام الدستور والقانون ومنع مؤسسات الدولة والسلطة العامة من ممارسة أعمالها، محض افتراء وأن الهدف منها تشويه صورة الجماعة في أوساط الرأي العام المصري. وأضاف أن تلك كانت وسيلة النظام البائد مع خصومه السياسيين, مستخدما السلطات الاستثنائية التي كانت يملكها لتلفيق التهم ونشر الافتراءات والأكاذيب ضد الشرفاء من أبناء هذا الوطن سواء كانوا أفرادا أو أحزابا أو جماعات. وأكد أن جماعة الأخوان من حرص القوى السياسية على احترام القانون والدستور, إذ لم يثبت عليها يوما أنها عطلت دولاب العمل المصري، أو ارتكبت أعمالا يعاقب عليها القانون أو الدستور المصري.