"إذا خسرنا الحرب لا غرابة؛ لأننا ندخلها.. بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة، بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.. لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابة".. (من قصيدة هوامش على دفتر النكسة). لم يكن نزار قباني وحده هو الذي أصيب بدهشة وانهيار عندما وقعت نكسة يونيو 1967، فوقع الأمر لم يختلف على المصريين كلهم، ليس فقط في كونها هزيمة فادحة بكل المعايير ولا بسبب التصريحات العنترية التي أطلقتها القيادات المصرية في هذا الوقت؛ وإنما لأن أي فرد كان يعيش في ذلك الزمن كان على يقين بأن مصر ستهزم إسرائيل.. الإسرائيليون أنفسهم كانوا يعيشون لحظات رعب حقيقي بانتظار دخول الجنود المصريين بيوتهم في تل أبيب. ورغم مرور 45 عاماً على النكسة، إلا أننا لا يمكن أن نتناسى ذكراها، ليس لوقع ألمها علينا، ولا لأنها التي قادتنا إلى فخر الانتصار في 1973؛ ولكن لأن بعضاً من الأسباب التي أدت إلى هذه النكسة لايزال يسكن في مجتمعنا ويعيش بداخلنا.. ولهذا كله فإننا في حاجة إلى التذكّر والتعلّم وربما التقليب في بعض الصفحات وقراءة الهوامش المكتوبة في.. "دفتر النكسة". البداية كانت في مايو 1967 عندما سرّب السوفييت معلومات إلى "عبد الناصر" بوجود حشود إسرائيلية على الجبهة السورية (وثُبت بعد ذلك أن هذه المعلومات لم تكن حقيقية)، إلا أن الجنرال "رابين" -رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي- هدد في 10 مايو أن قواته مستعدة لدخول دمشق وهدم النظام القائم فيها لو استمر نشاط الفدائيين وكان على "عبد الناصر" أن يرد. وفي 16 مايو جاء الرد حيث طلب رئيس الأركان المصري انسحاب القوات الدولية من مراكز المراقبة على الحدود، وفي نفس اليوم ردت الأممالمتحدة بأنه إما أن تنسحب القوات كلها وإما أن تبقى كلها، وردت مصر بطلب سحب القوات كلها. وبعدها اشتعلت الأمور حيث تم سحب قوات الطوارئ وإرسال قوات مصرية بدلاً منها، وتم إغلاق مضيق العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية.. وفي 24 مايو أعلنت أمريكا وبريطانيا ضرورة فتح مضائق العقبة للملاحة الدولية، وأعلن "جمال عبد الناصر" أنه إذا قامت إسرائيل بعمل عدواني ضد أي دولة عربية فستكون الحرب معها شاملة، واتهم أمريكا بأنها العدو الأكبر وفجأة وصل الملك "حسين" إلى القاهرة ووقّع مع مصر معاهدة دفاع مشترك. وفي 1 يونيو أعلنت إسرائيل التعبئة العامة وبعدها بثلاثة أيام وصلت معلومات مؤكدة للاستخبارات العراقية أن إسرائيل ستقوم بهجوم يوم 5 يونيو وفي نفس اليوم أبلغ الملك "حسين" "عبد الناصر" بهذه المعلومات. وفجأة.. في 5 يونيو 1967 بدأ الهجوم الإسرائيلي على الأراضي المصرية حيث قام سلاح الطيران الإسرائيلي بقصف جميع المطارات العسكرية المصرية ودمّر جميع الطائرات المصرية وهي على الأرض.. وقتها كان "عبد الحكيم عامر" -قائد القوات المسلحة- في طائرة في الجو واحتاروا أين يُنزلون طائرته بعد ضرب كل المطارات!.. وانسحب الجيش المصري انسحاباً عشوائياً وقُتل منهم مئاتُ الآلاف دون أن يُطلقوا طلقة واحدة وتركوا خلفهم أسلحتهم ومعداتهم، وما يزيد من سخرية الأمر أن بعض هذه المعدات باعتها إسرائيل لباكستان ب200 مليون دولار وكانت المعدات جديدة لم تستعمل من قبل وتساوي عشرات المليارات!!.. ولم يكتفِ الإسرائيليون بذلك وإنما اجتاحوا سوريا والأردن وانتهت حرب الأيام الستة -كما يطلق عليها الإسرائيليون- بهزيمة الجيوش العربية الثلاث واحتلال سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان. الغريب في الأمر أن الجيش الإسرائيلي كان يُحارب 4 جيوش عربية بقوة تعادل 1/6 قوة الجيوش العربية والنتيجة كانت أن ضحايا الجيش الإسرائيلي كانوا 0.05 % مقارنة بضحايا الجيوش العربية! البعض يقول إن مصر تم جرّها إلى هذه الحرب، وإنه فخ وتم نصبه لإسقاط نظام "عبد الناصر"، لكن ما حدث قبل الحرب كان يعكس شيئاً آخر فاستعراض الجيش المصري لقواته في سيناء وإغلاق المضائق بل ولهجة الخطاب نفسها.. كلها أشياء تعني شيئاً من اثنين: إما لا مبالاة بما سيترتب على هذه الأفعال وهو شيء خطير، وإما عدم معرفة بقدراتنا الفعلية وهو شيء أخطر! فعلى سبيل المثال، ماذا يعني وجود الطائرات المصرية مكشوفة بهذا الشكل وتدميرها بهذه السرعة الرهيبة التي لم تحدث في أي حرب من قبل؟.. هذه الأشياء تعني أنه لم يكن لدينا أي تخطيط، وأننا لم نكن على وعي بطبيعة التحالفات الدولية؛ لأن هذه الحرب كانت تعدّ بشكل أو بآخر جزءاً من حرب أكبر بين القوتين العظميين.. كانت مصر تسير بلا رؤية وكانت تحركاتنا انفعالية، وهو ما يعني أن الأزمة كانت في القادة وفي الجيش وفي عدم الفصل الواضح بين السلطات وفي غياب مفهوم المحاسبة وفي اختلال عملية صنع القرار نفسها التي وضعت كل القرارات في يد الرئيس دون محاسبة ولا مراجعة.. "عبد الناصر" كان يعلم بالهجوم الإسرائيلي وأبلغ به قياداته ورغم هذا حدثت الهزيمة.. الخلل كان في منظومة الدولة المصرية نفسها، وهو الأمر الذي يعني أنه لو لم تحدث النكسة في 5 يونيو ولو لم تأتِ الهزيمة من إسرائيل، لأتت نكسة أكبر منها وربما من دول لم نكن لنستطيع معها أن نقوم ب6 أكتوبر! واليوم بعد مرور 45 عاماً على النكسة ونحن نسترجع ذكراها.. لانزال في حاجة إلى مزيد من الفهم، والبحث وربما التعلّم. بعد45 عاماً.. هل تعتقد أن النكسة يمكن أن تتكرر؟ نعم لا مش عارف