أنا أقرأ رسائل القرّاء إلى كل كتّاب "الشرق الأوسط"، فما أصعب أن تكتب وما أصعب أن تُرضي كل الناس؛ فالمقال الواحد يختلف المعلقون عليه ما بين واحد يدعو له بطول لبعمر، ويتعجل نهايتك حتى يستريح من الكلام الفارغ الذي يصر الكاتب عليه.. مع أن العلاج سهل جداً: ألّا يقرأ لهذا الكاتب. وبعض الرسائل تُعلّق على أشياء لم تخطر على بال الكاتب، وأن يفسر ما جاء في المقال تفسيراً شخصياً بحتاً. وبعض القرّاء يتساءلون: ولكن ما معنى هذا المقال؟ ما الحكمة؟ ويجدون أنه لا معنى ولا حكمة! إذن لماذا يكتب الكاتب؟ لماذا لا يضع قلمه في حلقه ويموت؟! وبعض القرّاء في غاية الكرم يُسرفون في المديح ويطلبون مِن الله أن يهب كاتبهم الصحة والعافية لكي يمتعهم ويسعدهم. وبعض القرّاء يجدون كاتبهم مملاً سخيفاً، ثم إنه قد قال كلاماً قرأه له أو لغيره. يعني أن الكاتب مفلس ولا أحد يرده عن الكتابة، ولا هو يختشي ويضع في عينه حصوة ملح ويبلع لسانه ويسكت! قرأت مقالاً لكاتب كبير في "الشرق الأوسط" وأعجبني المقال، وانتظرت في اليوم التالي حتى أقرأ التعليق عليه وبالفعل قرأت التعليقات؛ والله منتهى الظلم، فليس صحيحاً أن المقال تافه، وأن المعاني مكررة، وليس صحيحاً أن الكاتب لو عاد إلى مقاله لمسح به الأرض ومزقه قبل أن يقرأه الناس ظلم! وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند -كما قال الشاعر القديم. ولكن ما يعزي الكاتب من قسوة الحكام عليه رقة الكلمات وباقات الورود من قراء آخرين، فما أصعب أن تكون كاتباً وأصعب أن تكون قارئاً وأصعب أن ترضي الجميع! نشر في جريدة الشرق الأوسط 14 أغسطس 2007