السنوسي محمد السنوسي في مناظرته الشهيرة مع د. عبد المنعم أبو الفتوح يوم الخميس الماضي، حاول السيد عمرو موسى أن يفلت من التهمة التي ظلت تلاحقه طوال المناظرة، بل حتى قبلها، وهي أنه من فلول النظام المخلوع ورجال مبارك. وكان من الواضح أن عمرو موسى يحاول إسكات خصمه بتوجيه تهمة له هو الآخر بأنه من الإخوان المسلمين، وكأنه يقول له: كده إحنا متساويين، هتقول من الفلول، هاقول من الإخوان!! يا سلام على الفهلوة! هل الردّ على تهمة ما يكون بتوجيه تهمة مقابلة؟! وإذا كان عمرو موسى يدرك أن الانتساب للنظام السابق تهمة وعيب، فلِمَ لم يردّ على التهمة مباشرة دون إرهاب الطرف الآخر لإسكاته؟! فهذه الطريقة في الردّ تؤكد التهمة وتثبتها ولا تنفيها، كل ما في الأمر أن النتيجة تكون: واحد واحد!! صحيح أن موسى ذكر -بكل فخر- وهو يحاول نفي التهمة عنه أنه لم يكن ضمن رموز النظام السابق لحظة سقوطه!! لكن فاته أن عدم التواجد لحظة السقوط لا ينفي أبدًا الاشتراك في الجريمة، أقصد: في خطايا النظام المخلوع؛ لأن المؤكد أن الجماهير لم تخلع مبارك بسبب سياسته في السنة الأخيرة، ولا في السنتين الأخيرتين.. بل بسبب حصاد مرّ زي العلقم تراكم على مدى ثلاثين سنة، فكانت أيام مبارك الأخيرة التي زادت فيها جرعة الفساد والنهب هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وحركت في الجماهير ما كان ساكنًا وساكتًا طوال عقود. عمرو موسى لم يَخرج من الوزارة -أو بتعبيره هو: لم يُخرَج من الوزارة- بسبب ثوريته، كما نسب نفسه للثورة في إحدى المرات! ولا بسبب عدم احتماله الصمتَ على المهازل الدبلوماسية التي أدت إلى تراجع مكانة مصر إقليميًا ودوليًا، وإنما لأنه كان منافسًا للنظام على جزء من الكعكة!! يعني ببساطة زي ما بتقول الحكمة: إذا اختلف اللصان ظهر المسروق، وكل شيء انكشف وبان!! هذا هو سبب خروج عمرو موسى لا أكثر ولا أقل، لو كان خروجه أو إخراجه بسبب عدم رضائه على سياسة النظام، لخرج موسى بكامل إرادته من بدري، ولم ينتظر لحظة البحث عن أمين عام للجامعة العربية، فيضحي النظام به، ويجدها فرصة ليتخلص من منافس على الكعكة وليس من ثوري ومناضل، كما حاول موسى أن يصور لنا نفسه! وقد كان بإمكان موسى أن يصنع من نفسه بطلاً لو أراد! لو خرج من الوزارة بكامل إرادته احتجاجًا على أي موقف، وما أكثر المواقف التي كانت تستدعي لحظة شجاعة منه ليحتج عليها! لكن عمرو موسى هو ابن النظام البار الذي ظل إلى آخر لحظة من الثورة مترددًا في أن يعلن تأييده لها، ولم يزر ميدان التحرير إلا وهو يلملم أوراقه، وكأن موسى ذهب ليوقع في "دفتر الثوار"، ليجد لنفسه مبررًا ليزعم أنه ابن الثورة البار! لقد كان عمرو موسى وهو وزير للخارجية يؤدي لمبارك ونظامه الفاسد خدمات جليلة حين كان يُجمِّل وجوهَهم الكالحة بتصريحاته العنترية، وكلماته الفضفاضة التي لم تكن تغير على الأرض شيئًا، سوى أن تمتصّ غضب الجماهير، وتقنعهم بطريقة زائفة بإن كله تمام، وأن مصر لن تسمح، ولن تركع، ولن تتنازل.. وفي السر يتم كل شيء حسب ما يأمر السيد مبارك.. وهكذا تحتاج الديكتاتوريات إلى بعض الوجوه المختلفة قليلاً التي تبدو وكأنها معارضة، وإلى من يمثل دور الثائر والمناضل والمعارض؛ حتى تستطيع أن تقنع الجماهير بأنها تسمح بالرأي والرأي الآخر!! عايز دليل آخر على هذه السياسة الخبيثة، لقد كان أكبر معارض للحكومة داخل البرلمان هو النائب "المناضل" زكريا عزمي! تخيل! وهو صاحب تعبير: الفساد في المحليات للرُّكَب! رُكب إيه يا عزمي!! ما إنتم اللي عملتم الفساد ده، دلوقتي جاي تسبّه وتلعنه..!! حقًا ما الدنيا إلا مسرح كبير.. يتبادلون فيه الأدوار.. الله يرحمك يا يوسف بيه! كل ده ولسه بيزعم موسى أنه ثوري ومناضل! كان ناقص أن يزعم موسى أنه مفجّر ثورة يناير، وأنه من أجبر مبارك على التنحي، وأنه من أعطى أوامر للجيش بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وأنه من أخذ على نفسه العهد بألا يراق الدم المصري بأيدي مصريين! قليلاً من العقل، واحترام عقولنا يا سيد موسى، أرجوك كفاية تصريحات عنترية عشر سنين، وبعدها عشر سنين، العمر مش بعزقة علشان نقضيه في تصريحات وراء تصريحات، ارحمنا الله يرحمك. إن لم تكن أنت من الفلول، فمن يكون؟! وإن لم تكن أنت للفلول، فمن يكون؟! أرجوك ازعم أي شيء؛ زي إن إيران دولة عربية، أو إسرائيل دولة صديقة، أو أمريكا الأخت الشقيقة الكبرى، أو أي شيء.. إلا أن تزعم أنك كنت يومًا ما مناضلاً وثوريًا!!